نظم منتدى "كفاءات من أجل المغرب" يوم أول أمس الأحد بمدينة القصر الكبير ندوة وطنية حول موضوع: "دور الاعلام في تكريس الجهوية الموسعة" . وتميزت الندوة بتكريم عطاءات الاعلامي المقتدر سعيد الجديدي، الذي عُرف بمسار مهني وعلمي كبير، سواء اثناء اشتغاله بالتلفزة المغربية مشرفا على التحرير بالإسبانية، أو حين اشتغل مع العديد من الوكالات الدولية للأنباء، أوفي مجال العمل الإذاعي، وكذا انكبابه على على العديد من الاعمال العلمية، خصوصا في مجال ترجمة الكتب إلى اللغة الاسبانية ، وهو يرأس الآن فريق عمل ضمن مشروع مهم في هذا المجال . وقد عرفت هذه الندوة التي ترأس أشغالها يوسف السباعي تدخل عدد من الاعلاميين والباحثين أبرزهم: سعيد الجديدي، وعبد الفتاح البلعمشي، نائب رئيس منتدى كفاءات من أجل المغرب، ومريم الصافي، مديرة الاذاعة الجهوية لفاس، ومحمد طه الشتوكي، رئيس تحرير جريدة الخبر المحلية بالعرائش . سعيد الجديدي الذي بدى متأثرا بالحفاوة التي استقبل بها من طرف الحضور بالقصر الكبير، وتسلمه هدايا رمزية بمناسبة تكريمه من رئيس المنتدى محمد الغيث ماء العينين، عبر في مداخلته القوية عن ما أسماه ب"أزمة الاعلام" بالمغرب مؤكدا أن تجربته مع الإعلام خصوصا مع القطب العمومي أظهرت أن هذا الإعلام لم يعرف تقدما بل عرف تراجعات، مؤكدا أن أزمة الإعلام ليست حالة مغربية فقط وإنما الإعلام الدولي برمته يعرف أزمة خطيرة، مستشهدا ببعض التجارب الدولية كإسبانيا، حيث أصبحت الشركات البعيدة عن مهنة الإعلام تستغل أزمة الصحافة المكتوبة وتشتري المقاولات الإعلامية وتحاول توجيه خطها التحريري . وذكر بأن بعض هذه الصحف تهاجم المصالح الحيوية للمغرب انطلاقا من اسبانيا، نتيجة هذا التأثير، كما تحدث الجديدي عن بعض القنوات العربية الفضائية التي قال إنها أشبه ما يكون ب"أسلحة فتاكة يديرها مقاتلون" في إشارة إلى كونها أصبحت طرفا أساسيا في ما يجري داخل بعض الدول العربية . الجديدي قال إنه بالرغم من هذه الأزمة يمكن للإعلام الوطني أن يستفيد في تكريس الجهوية من تجارب ناجحة سواء بإسبانيا أو بأمريكا اللاتينية، معتبرا أن إعلاما جهويا قويا بالمغرب يجب أن يستفيد من الطاقات الموجودة بالجهات فهي الأقرب لطموحات وعقليات ولغة الناس المستهدفين، كما أشاد بالطاقات الموجودة بمنطقة الشمال التي يخبرها . واعتبر سعيد الجديدي أن لحظات التكريم والاعتراف تعتبر لحظات يقف أمامها الإنسان على العطاء الذي قدمه للوطن، ويدرك أيضا أن الوطن يستحق أن يمنح المزيد من العطاء . عبد الفتاح البلعمشي أكد في مداخلته على أهمية الموضوع كون "الاعلام" و"الجهوية المتقدمة" تدخلان في صلب تنمية الديمقراطية بالمغرب، مشددا على دور الاعلام في هذه المرحلة كوسيلة أساسية للضغط إلى جانب المجتمع المدني والفكري، لاستصدار التشريعات الازمة من أجل جهوية تلبي طموح المواطن، وتعزز الاختيار الوطني لبناء نظام جهوي يدفع بالتحول الديمقراطي إلى التحقق، خصوصا في هذه الظرفية التي تعرف فيها البلاد ورش تنزيل الدستور، وزحمة من الانتظارات التشريعية التي تتطلب بالضرورة انخراطا جماعيا لصيانة المكاسب، ولفت اهتمام صناع القرار . وميز البلعمشي بين دور الاعلام الجهوي والاعلام الوطني في تكريس مفهوم الجهوية، مؤكدا على الحاجة إلى اعلام جهوي قوي، توفر له الوسائل الكافية وتوضع له معايير جديدة، وهو ما ليس متاحا الآن، ليبقى البديل في تأهيل وعي الرأي العام بالجهوية المتقدمة، وظيفة لكل مكونات الإعلام الوطني، الذي بدأ يتخلص مع ظهور الاعلام الكتروني والاذاعات الخاصة من عقدة المركزية، مستشهدا بتجربة بعض الإذاعات الخاصة وبتجربة أبرز المواقع الالكترونية، التي لم تنطلق من المركز التقليدي للإعلام الوطني أي "محور الرباط والدارالبيضاء"، بل اعتمدت على أطقم تنتمي في غالبيتها لمناطق خارج هذا المحور، وأحيانا تقوم بوظيفتها انطلاقا من مناطق نائية بالمغرب . كما أكد المتدخل على عنصر "الحرية" في الاعلام الذي يصطدم بمصادر التمويل وتأهيل الموارد البشرية، مشددا على ضرورة تنظيم سوق الاشهار، وتخليص الاعلام الخاص المساهمات الشخصية، خصوصا حين تكون لها أهداف ليست بالضرورة مهنية، مما يجعل المهمة الإعلامية بعيدة عن معادلة ربط المنتوج برغبات المستهلك. كما انتقد البلعمشي حصر النقاش بخصوص متطلبات المتلقي والمستهلك فقط في الجانب السياسي، مؤكدا أن جوانب أخرى لها أهمية عند المواطن، خصوصا المواضيع الدينية التي يقبل عليها بشغف، بالإضافة إلى مجالات أخرى أصبح الاقبال عليها حاجة في المجتمع بدءً بالمادة الثقافية وصولا إلى الرياضة والطبخ والترفيه وغيرها . الأستاذة مريم الصافي ذكرت المشاركين بتاريخ الإذاعات الجهوية بالمغرب منذ مطلع الستينات، واعتبرته سابقا على إقرار الجهوية الاقتصادية وعلى الجهوية الترابية، كما اعتبرت عطاء الاذاعة الوطنية انطلاقا من الجهويات كانت مساهمة بشكل كبير في تنوير وتعبأة الرأي العام المحلي في محطات أساسية من المسار الديمقراطي للمغرب، ومباشرة القضايا التي تهم المجتمع، مذكرة بتنظيم الأسرة والقضايا المعنية بالبيئة وغيرها . كما قربت الصافي الحضور من منهجية العمل داخل مؤسسة الإذاعة انطلاقا من تجربتها كمسؤولة اذاعية عن إذاعة فاس وقبلها إذاعة أكادير، بأن الهاجس الذي يسيطر على المهنيين في الإذاعة الجهوية هو خدمة المستمع وإشراكه في مختلف القضايا عبر إتاحة الفرصة له للتعبير الحر عن رأيه بخصوص القضايا المطروحة، كما أكدت فير معرض إجاباتها عن النقاش، بضرورة تجاوز منطق الاحكام الجاهزة منوهة إلى أن البرامج في جزء منها مباشرة ولاتخضع للرقابة، كما أنها لم تذكر في مسارها المهني أن تم الاتصال بها لتوجيه أو رفض المواد الإذاعية التي تقررها . محمد طه الشتوكي سلط الضوء على معانات الصحافة الجهوية، واعتبر أن الصحافة الجهوية تقوم بجهد كبير لتوفير المعلومة في المناطق التي تتواجد بها لكل وسائل الاعلام الأخرى وطنية كانت أو دولية، نظرا لقربها من مواقع الحدث، وأبرز في هذا الإطار العديد من الأمثلة خصوصا التغطية التي رافقت أحداث العرائش الأخيرة بمنطقة "الشليحات"، وأبرز مدى المعاناة التي عرفتها الصحافة المحلية في تغطية الحدث، خصوصا أن الصحافي المحلي مجرد من وسائل الحماية اللازمة ويقوم بمهمته في ظروف صعبة، تتحكم فيها العديد من المعطيات منها ما هو مرتبط بالتمويل وما هو مرتبط بالمقروئية وغيرها من الاكراهات التي اعتبرها المتدخل مخجلة مقارنة ببعض الدول الجارة وذات ظروف اقتصادية مماثلة للمغرب .