تستهويني الكتب الرفيعة وتجعلني في خفة طائر يحلق في الأعالي دون أن يقوده الحنين إلى الأرض. أمام الكتب لا احتاج إلى مضاعفة التفكير في جاذبية نيوتن، او البحث عن أشكال الحياة المحتملة في الكون، فليس اجمل من أن ترافقك في عزلتك جموع الناس لتكون حريصا على الحياة كما تُحب. بصدق تذهلني الكتب الشبيهة بعطر «افينتوس»، وتمنحني حيوية « الفرسان الثلاثة » لألكسندر دوماس. براعة السارد تجعل الهامشي أكثر حيوية، وربما هو الجوهر، تماما مثل شخصية ألبرتين في تحفة مارسيل بروست «في البحث عن الزمن الضائع» وعلى نحو خاص الجزء الجزء الخامس الموسوم ب: «السجين». تتعدّد وتتشعّب طُرُق كوميديا دانتي أليغييري، لكن القراءة تجعلنا نتجنب سوء فهم الجحيم لنصل إلى دفء الفردوس. وربما كانت القراءة الوسيلة الأفضل لإنقاد الموظّف «وينستون سميث» وتخلصه من رقابة الأخ الأكبر في « 1984» للداهية جورج أورويل. ولاسبيل لمعرفة سر اختفاء الفتوة عاشور الناجي إلا بإدراك براعة السارد ومكره الجمالي في «ملحمة الحرافيش» للألمعي نجيب محفوظ. وحتما تحتاج الكتب الرفيعة الشبيهة بالطبيعة الخلابة إلى عمر آخر. اتذكر مصنفات رفيعة من قبيل كتاب طبقات« فحول الشعراء» لابن سلام الجمحي، و كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة، و «نقد الشعر» لقدامة بن جعفر، وكتاب «البديع» لابن معتز، وكتاب «الموازنة بين الطائيين» للآمدي، وكتاب «الوساطة بين المتنبي وخصومه» للجرجاني، و كتاب «أسرار البلاغة» للجرجاني، و كتاب «العمدة» لابن رشيق. بيد ان كُتب التصوف مثل « الفتوحات المكية» لابن عربي تجعل الحاجة إلى القراءة أولوية قصوى، ومَزية لفرح العقل والقلب معا. أمام الكتب لاعَواء في الغابة، لكن الإشارات الصامتة تبددها جلبة المعنى. أمام الكتب الغواية اقوى، وملء الأرض الجرداء اهم من العشب المزيف.