جائحة كورونا عكست وجهنا في المرآة، وأظهرت حقيقته وأثبتث أن العلم هو الملاذ وهو السبيل لتجاوز كل السلبيات التي تراكمت مند زمن بعيد، والتي طفت على السطح في السنوات الأخيرة، فالثقافة الخاطئة التي اكتسبناها لسنوات طوال هي التي جعلتنا نواجه كورونا بمسيرات ليلية رافعين شعار كورونا سيري بحالك المغرب ماشي ديالك، وجعلت حومة بكاملها تستقبل امرأة شفيت من كوفيد 19 بالشطيح والرديح، الثقافة الخاطئة التي تشبعنا بها لعقود هي التي جعلت أناس يتبادلون التحايا من الوجه وهم يرتدون الكمامات، وشباب أجسامهم كالبغال يستحمون في الشارع العام في زمن الجائحة كنوع من البوز التافه، وجعلت شوارعنا مملوءة نهارا بينما نطبق الحجر بالليل، الثقافة الخاطئة هي التي جعلتنا نواجه جائحة حيرت العالم بسلوكات غير مسؤولة، يغلب عليها طابع الاستهتار والتهور سواء كمواطنين، وفي بعض الأحيان كمؤسسات كذلك. ومن هنا لابد من إعادة الدور الحقيقي للمدرسة وإعطائها المكانة التي تستحقها، فتغييب الدور الذي كانت تلعبه المدرسة وافراغ التعليم من هدفه النبيل والهادف والذي يتجلى في خلق انسان متشبع بثقافة النقد البناء وتقبل الاختلاف، هو ما ترك الفرصة لإنتشار الشعودة الفكرية بكل تجلياتها والتي تظهر من خلال سلوكات الناس كإنتشار تقديس الموتى وزيارة الأضرحة والتبرك بهم، وقصد من يدعون امتلاك القدرة على الشفاء ومعرفة ما سيقع في المستقبل، عندما غاب الدور الحقيقي للتعليم عوض الراقي الشرعي الطبيب، وعوضت الأتربة المأخودة من الحفر الموجودة في الأضرحة أدوية الصيدلية، وعوض لعاب شخص مقعد لا يتحرك يمسح ببصقه على رؤوس الموردين عوض مسكنات الآلام …. إذا نظرنا إلى المجتمع المغربي نجد أن ثقافة القرون الوسطى لازالت تعشش في أفكار فئة كبيرة من المجتمع، وأنه رغم وصول الانسان الى مناصب عليا وارتداء رابطة العنق وقيادته سيارة فارهة، فإنه مازالت تتحكم فيه تلك الثقافة الموروثة والتي تظهر بطرق سواء مباشرة أو غير مباشرة، فمثلا تجد الإنسان تتوفر فيه كل تلك الصفات، إلا أنه يقف في طابور لكي يرى الفقيه (الشريف ) لكي يحدثه عن عكس أو شيء من هذا القبيل يمنعه من الزواج، ومثله بنسبة لفتاة كبرت في السن ولم تتزوج، وأخرى تريد الانجاب وأخر يريد الحصول على وظيفة… وغيرها من الأمور التي يتوجه فيها الانسان لقوى غيبية وطقوس غريبة لكي تساعدها من أجل تحقيقها، إن ظاهرة تقديس الموتى والأضرحة والأولياء، هي مرتبطة أساسا بفترة الأزمات خاصة الاقتصادية والاجتماعية… وحتى النفسية، لذلك نجدها تنتشر بشكل كبير في المجتمعات المتخلفة، لأنها تجد التربة التي تتغدى منها وهي غياب الوعي وانتشار الجهل والأمية، كما تتغدى من الهالة التي تحظى بها هذه الفئة، سواء من خلال الاعلام الذي يسوق نجاحها في حل المشاكل أو من خلال المكانة التي تمنحها السلطة لها، فمثلا عندما تمنح للأضرحة 14 مليار كل سنة كهيبة، هنا يتبين أن الدولة هدفها ليس هو نشر الوعي والثقافة ودعوة الانسان الى استخدام عقله، بل تشجيع وتنشر الشعودة الفكرية وهدفها المحافظة على الوضع القائم، واعادة إنتاج نفس السلوكات المنتشرة في المجتمع، فهذه الميزانية كان من الأجدر أن تضخ في مختبرات البحث العلمي تشجيعا للباحثين، وأن تضخ في وزارة الثقافة بغية انتاج ثقافة حقيقية بعيدة عن الميوعة الحاصلة في الميدان، وان تضخ في ميزانية التعليم والصحة بغية النهوض بهم وتجويد خدماتهم، لكن للأسف كل هذه القطاعات لا تقوم بالدور التي تقوم به الأضرحة فهذه الأخيرة تخضر وتسكن العقول، لكن التعليم يدعوا الى التحرر وهنا الفرق. ففي الوقت الذي اختفت التفاهة وبدأت تتلاشى الشعوذة الفكرية التي عششت في عقولنا لعقود من الزمن، ظهرت الحاجة إلى العلم والعلماء، ففي هذه الظرفية كل الأنظار توجهت للأطباء وإلى المختبرات من أجل تقديم الدعم ومعالجة المرضى والبحث عن اللقاح، فكل العالم شاهد كيف وقف قادة أكبر دولة في العالم أمام العالم منصف السلاوي صاحب ثلاث شهادات الدكتوراه، وهم ينتظرون ما سيقدمه للخروج من هذه الجائحة، فقد وصلنا لمرحلة أصبح العلم هو الملاذ لإنقاذ البشرية من الهلاك والعبور بها لبر الأمان. نتمنى أن تكون جائحة كورونا درسا حقيقيا لكي نعرف سلوكاتنا الصالحة من الطالحة، وفرصة لتصحيح ما يمكن تصحيحه.