"نقابة UMT" توضح قرار الانسحاب    "جبهة" تنضم للإضراب الوطني العام وتتهم الحكومة بتهريب نقاش قانون الإضراب من مؤسسة الحوار الاجتماعي    بنسبة تزيد عن 20%.. الجهة الشرقية تسجل أعلى معدلات البطالة    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأحمر    الذهب يسجل مستوى قياسيا مرتفعا مع زيادة الطلب بعد رسوم ترامب الجمركية    وزارة النقل تدرس تقليص زمن الانتظار بمطارات المغرب إلى 30 دقيقة    رئيس سوريا يؤدي مناسك العمرة    الشرطة الهولندية تلقي القبض على البطل العالمي بدر هاري في أمستردام لهذا السبب    لجنة الأخلاقيات تعاقب دومو والشرع    "لاتسيو" الإيطالي يعلن ضم بلحيان    أكثر من مليوني مغربي يرتادون السينما في 2024 وعائدات تصوير الأفلام الأجنبية ترتفع إلى 1.5 مليار درهم    "بوحمرون" يستنفر المدارس بعد العطلة .. والوزارة تتمسك بتدابير صارمة    شركة 'اوبن ايه آي' تكشف النقاب عن أداة جديدة في 'شات جي بي تي'    إسبانيا.. بدء محاكمة روبياليس في قضية "القبلة" المثيرة للجدل    الوزارة تكشف عائدات السياحة بالعملة الصعبة في سنة 2024    تبون يهدد المغرب والمملكة المغربية تبقى أقوى وبأعلى درجات الجاهزية    المهاجم المغربي الشاب إلياس داو ينضم إلى نادي أندرلخت البلجيكي    لوديي: المغرب ملتزم بتعزيز التعاون الإفريقي لمواجهة التحديات السيبرانية    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى الإفريقي للأمن السيبراني    ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    انتشار داء "بوحمرون" على طاولة المجلس الحكومي    ثورة علمية : رقاقات قابلة للزرع لعلاج قصور القلب    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الإتحاد المغربي للشغل ينادي بإضراب وطني عام    …وأخيرا ، حَسُنتْ ليبِرالِيَّتكُم السيد الرئيس!    مبادرة توزيع أغطية في باب برد تروم لتخفيف معاناة مشردين مع موجة برد قارس    "دوغ مان" في طليعة شباك تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    "وول ستريت جورنال": رسوم ترامب الجمركية أغبى حرب تجارية في التاريخ    التساقطات الأخيرة ترفع منسوب حقينة السدود إلى 28%    تسويق أدوية مهربة يطيح بعصابة إجرامية في مراكش    تاونات أكثر المدن إستقبالا للأمطار في 24 ساعة    سناء عكرود تعرض فيلم "الوصايا" عن معاناة الأم المطلقة    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    سكتة قلبية مفاجئة تنهي حياة سفيان البحري    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يحتفي برئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ويمنحه جائزة الثقافة الرياضية العربية التقديرية لعام 2024    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام روزاق يكتب: معنى الجائحة؟ أن تراهن دولة فاشلة على مواطن فاشل!
نشر في عالم برس يوم 19 - 04 - 2020

… طبيعي، في عز الجائحة وأخبار الموت، أن نشعر بالخوف. طبيعي أن نعيد هندسة يومياتنا وأحلامنا، والعالم من حولنا، وفق نموذج عيش طارئ، صارت فيه الحياة بذخا… وصار البقاء (La survie) فيه… رهانا وسبب وجود.
لكن… غير الطبيعي في زمن الجائحة، أن يحول البعض هذا الخوف إلى فكرة، وأن يحاول التأسيس لها نظريا، كي يصنع من خوفنا المشترك، وهما جديدا ينضاف لكل أوهام المغرب التي صنعت جائحات يومية لم تبحث قط عن لقاح لوقفها.
في ما يشبه الموضة، يحاول البعض، بكثير من قواميس الدجالين والعرافات، أن يرسم لنا ملامح مغرب ما بعد الجائحة، من خلال قرصنة أفكار جدية يجري النقاش حولها اليوم في العالم، ليقدمها لنا مع كثير من أخطاء الترجمة والنقل، وغير قليل من السطحية والتفاهة، في نسخة مغربية مشوهة.
صناع الأفكار في العالم، يؤسسون لتصورهم للحياة ما بعد الجائحة، انطلاقا من فكر مؤسساتي، صَنع خلال جائحات سابقة، دولا ومواطنين، رسموا بكامل الدقة، حدود التماس بين جغرافيات الحق والواجب، وشيدوا بكثير من مبادئ صلبة، عقيدة… أركانها البشر، وشعيرتها… تقديس الإنسان.
احتاجت الدولة لتعليم، فراهنت على تعليمها العمومي الذي خربته لصالح قطاع خاص ينتج الجهل، ولصحة، فلم تجد غير القطاع العام… لكنها حين احتاجت لاقتصاد خارج الريع، وجدت نفسها مجبرة على أداء أجور من تخلى عنهم أصحاب الثروات…
لأجل ذلك، حين يحاول بعضهم، استنساخ النقاشات الجدية المتداولة في العالم اليوم حول ما بعد الجائحة، وتقديمها ببعض من توابل مغربية، ينتهي به المطاف ببساطة، إلى حيث ينتهي المطاف عادة بمحدث نعمة … اقتنى أهم الكتب والمخطوطات، ونسي فقط… أن يتعلم القراءة.
في المغرب، ليس مهما اليوم، أن نتصور البلد بعد الجائحة. ليس مهما أن نصنع أوهاما جديدة، ولا حتى أن نفبرك أحلاما وردية لحياتنا هنا، إن نحن خرجنا من الجائحة سالمين…
الأهم اليوم، أن نقتفي أثر الجائحة فينا. أن نحاول، ولو بكثير من كسل، أن نمسك ببعض خيوط الحكاية.
… لكي نفهم جيدا ما الذي ينتظرنا، بعد الجائحة، علينا ببساطة، الدولة قبل الشعب، أن نستقل سيارة أجرة (طاكسي كبير).
تلك… أول حروف الحكاية، فعندما تصدر الدولة قرارا ل "الطاكسيات الكبار" بخفض عدد الركاب إلى النصف، ولا تستجيب الطاكسيات للقرار، بل تتحدى الدولة وتضاعف أسعار الرحلات… فذلك يعني ببساطة، أن الجائحة عندنا، أقدم من كورونا… وأن ضحاياها، أكبر من ضحايا الفيروس… وأول الضحايا هنا، هم أساسا، سائقو سيارات الأجرة، الذين حولهم "نظام الريع" إلى مجرد عمال سخرة لدى محظوظين، وهبتهم الدولة رخصة استعباد للمغاربة… عنوانها "الگريمات".
في بلدي.. النقاش المفترض اليوم، ليس نقاش ما بعد الجائحة؛ بل أساسا، نقاش زمن الجائحة، الذي انطلق عندنا منذ بداية الحلم باستقلال، ومنذ كوابيس القهر التي رافقت فيروسات الخيبة التي تحكمت فينا.
نقاش ما بعد الجائحة عندنا، هو في النهاية، أشبه بحكاية من يريد أن يتسلق جبلا… من الرمل.
الدروس التي تقدمها لنا الجائحة في نسختها المغربية، هي في النهاية بسيطة ولا تحتاج لكل هذا الدجل المسمى تحليلا… تحتاج فقط، لبعض من مفاتيح قراءة …
الدرس الذي تقدمه كورونا للمغرب، هو ببساطة، درس العودة لأصل الحكاية.
وأصل الحكاية عندنا، هو معنى النموذج (Le modèle).
سمت الدولة عندنا فشل نموذج الدولة، ب "دعم الفئات الهشة"، والحال في النهاية… أنها تدعم ضحايا اقتصاد، بني على الريع منذ زمن… ومنح الثروة لأقلية من المحظوظين والنافذين الذين… حين احتاجت الدولة لهم، وجدتهم يطمعون في دعمها.
كورونا، في النهاية، تضعنا أمام مسارين أساسين، شكّلا، عبر الزمن، كل الجائحات التي تسكننا… قبل أن تداهمنا كورونا.
المسار الأول، هو معنى (Le citoyen modèle ) ، الذي تصورته وصنعته إرادة سياسية متحكمة، والذي أرادته كما يخرج علينا اليوم في زمن الجائحة…
"مواطن"، يعتبر أن كل ما يعيشه،هو امتياز وليس حقا؛ ويعتبر بالتالي… أنه معفى من كل الواجبات.
هذا "المواطن" هو الذي تسابق على الحصول على تصريح الخروج، ليعمل على استغلاله لمغادرة المنزل كلما أراد، وليس للضرورة كما تقتضي حالة الحجر.
هذا المواطن في النهاية… هو سائق سيارة الأجرة الكبيرة، الذي فهم أن اللحظة فرصة، وأن عليه أن يستغلها، تماما كما يستغله صاحب الگريمة منذ زمن. وهو… صاحب الصيدلية الذي ضاعف أثمنة مواد التعقيم والأقنعة، وصاحب الحانوت الذي احتكر قنينات الغاز، وبائع الخضر الذي رفع الأسعار، والطبيب الذي رفض المشاركة في مواجهة الوباء… وأصحاب المصحة الخاصة الذين يريدون مقابلا ماديا لعلاج المصابين…
المواطن النموذج الذي صنعته الدولة… هو ببساطة، المجرم الذي لا ينضبط لحالة الحجر الصحي. وهو صاحب النفوذ أو قريب صاحب النفوذ الذي يتحدى كل إجراءات الحجر…
المواطن النموذج… هو في النهاية، ذلك المغربي البسيط، الذي فرح ب 800 درهم منحتها له الدولة، ليتمنى من أعماق قلبه، أن تستمر الجائحة وتطول، كي يضمن على الأقل… بضعة دراهم لم يسبق له أن امتلكها.
في المقابل… هناك الدولة النموذج… التي أرادتها عقلية "المخزن" العتيق، وأصرت عليها.
هي دولة… خرجت علينا في زمن الجائحة، ب "قايد" يصفع المواطنين، و"قايدة" تسخر منهم (ولأنها، في سخريتها منهم، غرفت من لغات "راس الدرب"، فقد أصبحت "بطلة" على مواقع التواصل وتافه الصحافة… لم يسائل أحد أسلوب سخريتها وقربه الكبير من بعض إهانة لمن تخاطبهم. اكتفوا فقط بالتطبيل والنشر… حيث حقة هي… "قايدة شعبية").
هي دولة… حين احتاجت لبعض أوكسجين المؤسسات، وجدت أحزابا ساهمت في قتلها، وجمعيات تابعة تنتج التفاهة، ومثقفين… أدمنوا التوقيع على بياض، و… استنجدت بإرهابي، يخون الناس ويطالب بقتلهم في المحمدية.
احتاجت الدولة لمواطن ينضبط لقرارات الدولة… فوجدت مواطنا صنعته عبر عقود من التجهيل والتضبيع، ليس يهمه من كل الكارثة، سوى نفسه. واحتاجت لأحزاب وجمعيات ومثقفين يسندونها في معركة البقاء، فلم تجد غير الفراغ والنفاق والتسابق على أكل الجيف وبيع الأوهام….
… الجائحة في بلدي، ليست نقاش الما بعد، وليست نقاش الذي كان. الجائحة عندنا، هي في الأصل، نقاش بلد نريده، يخجل من ضمان عيش كريم لمغاربة ب 800 درهم، ويخجل من الاستعانة بالمهرجين والمتطرفين (كما إرهابي المحمدية)، كي يحمي نفسه ضد وباء، عوض الرهان على مؤسساته وصناع الأفكار فيه.
في عز الجائحة، وجدت الدولة نفسها محتاجة ببساطة، لكل معاني البلد التي ساهمت في قتلها.
احتاجت لمواطن ينضبط لقرارات الدولة… فوجدت مواطنا صنعته عبر عقود من التجهيل والتضبيع، ليس يهمه من كل الكارثة، سوى نفسه. واحتاجت لأحزاب وجمعيات ومثقفين يسندونها في معركة البقاء، فلم تجد غير الفراغ والنفاق والتسابق على أكل الجيف وبيع الأوهام….
احتاجت الدولة لصحافة مهنية تؤدي دورها كجندي في ساحة حرب، فلم تجد غير صحافة هي صنعتها، عقيدتها الابتزاز والتفاهة والاقتيات من جهل الآخرين..
احتاجت الدولة لمواطن نموذج… فوجدت نموذج مواطن صنعته.
واحتاجت لنموذج دولة… فلم تجد غير النظر لوجهها في المرآة، دون مساحيق.
تحولت الدولة في النهاية، إلى ما يشبه متهربا من الضرائب تم ضبطه… لا حل أمامه سوى التفاوض مع مديرية الضرائب… كي يؤدي كل ما يطلب منه، دون نقاش…
هذا بالضبط ما فعلته الدولة…
خربت التعليم، والصحة، والسياسة، والاقتصاد… وعوضت الحقوق بالريع والامتيازات، وحين داهمتها الجائحة… لم تجد غير التفاوض…
احتاجت لتعليم، فراهنت على تعليمها العمومي الذي خربته لصالح قطاع خاص ينتج الجهل، ولصحة، فلم تجد غير القطاع العام… لكنها حين احتاجت لاقتصاد خارج الريع، وجدت نفسها مجبرة على أداء أجور من تخلى عنهم أصحاب الثروات…
هكذا… سمت الدولة عندنا فشل نموذج الدولة، ب "دعم الفئات الهشة"، والحال في النهاية… أنها تدعم ضحايا اقتصاد، بني على الريع منذ زمن… ومنح الثروة لأقلية من المحظوظين والنافذين الذين… حين احتاجت الدولة لهم، وجدتهم يطمعون في دعمها.
… في النهاية، وجدنا أنفسنا أمام عنوان مغربي خالص: هذه دولة تُدار بأنصاف حلول…
عوض أن نضمن عدالة ضريبة، وتكافؤ فرص وربط الثروة بالضرائب، وضمان الحقوق للجميع… وجدنا أنفسنا أمام دولة تستنجد بمنطق الدعم، الذي يرادف عندنا… منطق الريع…
دعم الصحافة ودعم الصناعة … ودعم الثقافة والأفلام… لنتحول في النهاية، إلى ما يشبه سيتكومات رمضان. تاندوزو بيهم الوقت… حيت الدولة باغية تدوز بينا الوقت.
وهذا… بعض من كلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.