أصبح المجتمع المدني يفرض نفسه بقوة كأحد الأعمدة الأساسية لبناء الدولة الحديثة ،ومن بين أهم عناصر تطور البلدان وتنميتها تنمية شاملة ،ويرجع ذلك أساسا لانتشار قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بين دول العالم. ومفهوم المجتمع المدني قديم ،و البحث في أصوله مستحيل نظرا للطبيعة المعقدة والمتداخلة للتحولات والانتقالات التي رافقت أعمال وجهود ترجمة النصوص التأسيسية للفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي0 وهو مفهوم يضرب في عمق التاريخ والثقافة الانسانيتين، ابتداء من الثقافة اليونانية القديمة واللاتينية ومن ثم إلى اللغات الوطنية للدول الأوربية. فالمجتمع المدني يمثل "مجموعة من الأفراد والمنظمات والهيئات التطوعية المؤسسية التي تقوم على قاعدة التعاقد ، والمستقلة عن سلطة الحكومة ،و التي يتبنى أعضاؤها أهدافا مشتركة يحققونها عن طريق العمل الجماعي في مجالات مختلفة اقتصادية وثقافية ودينية وفنية واجتماعية وإنسانية وغيرها بالاعتماد على أنفسهم دون الاعتماد الكلي على الدولة إلى الحد الذي تصبح فيه تلك المنظمات والهيئات والجمعيات بمثابة قوى اجتماعية لا تنفصل عن الدولة ولكنها بمثابة عين عليها، وتسير هذه المؤسسات على أهم مبادئ الديمقراطية. " جاء دستور 2011 بمقتضيات مهمة تعزز دور المجتمع المدني. وأقر بأن مرتكزات الدولة الحديثة هي : المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء مبادئ المجتمع المتضامن. وأعطى للمجتمع المدني أدوارا مهمة في اتخاذ القرار العمومي، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة الثانية عشر من الدستور الجديد بشكل مباشر و واضح على أن تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية واعتبارا لارتباط الجمعيات بالمجتمع بشكل يومي ودائم، ونظرا لاحتكاكها المباشر مع هموم واهتمامات المواطنات والمواطنين ،وإدراكها للمحيط التي تعيش فيه والبيئة التي تحتضنها، فإنها تلعب أدوار طلائعية في مجال تأطير المجتمع والسعي من أجل تحقيق التنمية الشاملة في إطار ما يسمح به القانون وامكانياتها الخاصة. ولقد أكد المشرع على دور المهم الذي يلعبه المجتمع المدني في تحقيق الأهداف الأساسية للصحة من خلال القانون إطار رقم 34.09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، حيث أنه أشار في: المادة 2 تتألف المنظومة الصحية من مجموع المؤسسات والموارد والأعمال المنظمة لتحقيق الأهداف الأساسية للصحة على أساس المبادئ التالية: التضامن وإشراك الساكنة ق مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض؛ …………………… المادة 5 تساهم الجماعات المحلية والمنظمات المهنية والجمعيات التي تعمل في مجال الصحة والحفاظ على البيئة إلى جانب الدولة في تحقيق الأهداف والاعمال الصحية على الصعيد الدولي وحتى وطنيا نلاحظ أن جمعيات ومؤسسات غير حكومية تلعب أدوارا مهمة في المجال الصحي بتنسيق مع مؤسسات دولية كمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الاممالمتحدة للتنمية وتحقق نتائج مبهرة في مجموعة من الأوبئة والأمراض كمحاربة والسيدا وداء السل والسرطان……. كما أن لها أدوارا مهمة ابتداء من التخطيط إلى التنفيذ والتقييم …. ودعت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة عمل الحكومات على إعطاء منظمات المجتمع المدني المزيد من المساحة والاعتراف و تعتبره عاملأ جوهريا من أجل توفير الرعاية الصحية. يعترف عالم اليوم بدور المجتمع المدني في الرفع من مستوى الصحة في المجتمعات باعتبارها مكونا أساسيا للمحيط والبيئة ولأنها تعمل من أجل تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للمواطنين . يتألف المجتمع المدني بالقصر الكبير من عدد مهم من الجمعيات لها اهتمامات مختلفة ومتنوعة و تشتغل على اشكالات مجتمعية متعددة وفي الكثير من الأحيان شديدة التعقيد وتسعى جاهدة لإيجاد الحلول ومعالجة الاختلالات التي يعاني منها المجتمع وتسعى لتحقيق التنمية للساكنة باعتماد مقاربات متنوعة ومبتكرة. الكثير منها ينشط في المجال الصحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . مكونات المجتمع المدني المحلي تراقب دائما الوضع الصحي عن كثب وتتحسر وتتألم كثيرا للمعاناة اليومية للمواطنات والمواطنين نساء ورجالا وشيوخا وشبابا وأطفال. ولا يمكن لأي أحد أن ينكر تدهور الخدمات الصحية وجودتها بالمدينة منذ سنوات عديدة ، ويرجع ذلك أساسا ل: النقص الحاد في الأطر الطبية والشبه الطبية والإداريين والمساعدين. ضعف الامكانيات المادية والتجهيزات (les équipements lourds ) ضعف عرض الخدمات العلاجية (l'offre de soins) تعقيد المساطير الإدارية وضعف التوجيه والتدبير. تدهور الأمن داخل المؤسسات الصحية وظروف العمل غير مواتية. المؤشرات الوطنية: (المصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) يعاني قطاع الصحة بالمغرب من نقص حاد في الموارد البشرية ويتضح هذا جليا مؤشر الكثافة الصحية التي تقدر بنحو 1.5 عاملأ صحيأ مؤهلا لكل 1.000 نسمة سنة 2014، وهو مستوى دون العتبة الدنيا المحددة في 4.45 عاملأ صحياً لكل 1.000 نسمة الموصى بها في إطار أهداف التنمية المستدامة. كما يعاني من نقص على مستوى التجهيزات الطبية وعدد الأسرة في المؤسسات العلاجية (سرير واحد لكل 1551 نسمة سنة 2015 ). وتعزى هذه النقائص أساسا إلى ضعف الميزانية المرصودة لقطاع الصحة والتي تبلغ 5.6 في المائة من ميزانية الدولة في حين يوصى على المستوى الدولي بتخصيص 10 في المائة من الميزانية الوطنية لهذا القطاع. وبخصوص التغطية الصحية، بلغت تغطية الساكنة المغربية، بمختلف الأنظمة، حوالي 60 في المائة. كما تجدر الإشارة إلى التفاوتات الكبيرة المسجلة على مستوى جميع المؤشرات الصحية، حسب مكان الإقامة ،حيث يتراوح عدد السكان بالنسبة لكل طبيب ما بين 969 بجهة الدارالبيضاء الكبرى و3208 بجهة تادلة أزيلال، وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا حول مدى احترامنا لمبدأ العدالة المجالية. المؤشرات الاقليمية: (المصدر :الخريطة الصحبة) أهم المؤشرات اقليميا المعدل الوطني عدد السكان لكل مرفق الرعاية الصحة الأساسية 15438 11815 عدد السكان لكل عيادة طبية خاصة 8821 4537 عدد السكان لكل سرير استشفائي (عامة + خاصة) 1238 903 عدد السكان لكل طبيب (عام + خاص) 2729 1542 عدد السكان لكل جراح أسنان (عام + خاص) 19760 10950 عدد السكان لكل صيدلية (أو مستودع الأدوية) 5041 4173 عدد السكان لكل ممرض 1525 1095 انطلاقا من دراسة مجموعة من أهم المؤشرات (المعطيات الرسمية) يتضح جليا بأن إقليمالعرائش يتوفر على بنية تحتية وموارد بشرية وتجهيزات دون مستوى المعدل الوطني. وهذا ما جعل موضوع الصحة يتبوأ أولى اهتمامات المجتمع المدني المحلي وكل ساكنة المدينة وكان موضوع نقاش في العديد من المناسبات والأنشطة الجمعوية و مبادرات وحوارات متعددة مع المسؤولين. إلا أن الساكنة مازالت تعافي من هذا الوضع المتأزم والمزمن. تنشط بالقصر الكبير مجموعة من الجمعيات في مجال الصحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أجل التخفيف من هذا النقص الكبير في الخدمات الصحية ونذكر من أهم أنشطتها : المساهمة في انشاء وحدة استشفائية بالمدينة : المستشفى الجديد تدبير مؤسسة صحية: مركز تصفية الكلي تنظيم قوافل وحملات طبية : القافلة الطبية الخاصة بأمراض العيون (الجلالة) حملات التوعية والتحسيس : أنشطة محاربة استعمال المخدرات والتدخين التشخيص المبكر: حملات الكشف والتشخيص السرطان مساعدة ومواكبة الأشخاص في وضعية إعاقة الوقاية الطبية والوقاية البيئية والوقاية السلوكية الأطفال الذين يعانون من التوحد الأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلم التوجيه والإرشاد تقديم المساعدات الاجتماعية تقديم المساعدات الطبية برامج التربية الصحية …… من خلال مجموعة من الدراسات حول دور الجمعيات في مجال الصحة بصفة عامة نلاحظ أن الجمعيات لها تموقعات مختلفة في المنظومة الصحية والعرض الصحي: تساهم الجمعيات المدنية في تقوية العرض الصحي المحلي وذلك في مستويات مختلفة استكمال العرض الصحي المحلي جزء من العرض الصحي المحلى تقديم بديل للعرض الصحي المحلي الشكل الوحيد لتقديم الرعاية في مجال تخصصه على المستوى المحلي من أجل ذلك تعتمد هذه الجمعيات استراتيجيات ومقاربات ومواقف مختلفة في تعاطيها مع المجال الصحي المحلي: الدفاع : الترافع والدفاع تشجيع وتحسين: التدخل من داخل النظام الصحي ويستهدف فئة معينة التجمع: المشاركة في تعزيز الخدمات الصحية داخل النظام الصحي، مجموعة من المهنيين إذا كان المجتمع المدني المحلي قد عرف تطورا كبرا في أدائه وأصبح يهتم أكثر بالجانب الصحي والاجتماعي إلا أنه من الضروري تطوير أدائه ليشمل فئات أخرى (أمراض أخرى) وبوسائل مبتكرة وجديدة لكي تستفيد أكبر شريحة من المجتمع من أنشطة الجمعيات ولكي لا نسقط في التكرار والنسخ . من شأن عقد الشراكات على الصعيد الوطني والدولي توطيد وتقوية عملها وتمنحها نفسا جديدا خصوصا في مجال توفير الموارد المالية الضرورية والاستفادة من التجارب الرائدة لتحقيق الأهداف الاسترايجية. كما أنه من الضروري فتح قنوات الحوار المسؤول والصريح والموضوعي مع المسؤولين عن تدبير الشأن الصحي بعيدا عن الصراعات الظرفية والشخصية والسعي من أجل فتح آفاق جديدة للتعاون بين الإدارة والمجتمع المدني لما فيه خدمة المواطنات والمواطنين بالمدينة. من المفيد جدا أن تقوم الجمعيات بتفعيل الجديدة كما جاءت في دستور 2011 والنصوص التطبيقية وذلك بطريقة ذكية وهادفة وفي احترام تام للقانون في مجالات الترافع و المشاركة المواطنة وتقديم الاقتراحات وتقديم العرائض. كما على المؤسسات المسؤولة عن تدبير الشأن الصحي أن تقوم بكل المجهودات الضرورية لتجويد الخدمات الصحية وعليها في نفس الوقت أن تنفتح أكثر على المجتمع المدني وأن تتواصل معه بطريقة تلقائية ومستمرة لتوضيح الرؤية والأهداف والإكراهات. وأن فتح تحقيقات نزيهة وشفافة في حالات الإهمال أو الفساد كلما دعت الضرورة ،وذلك لتجنب الاحتقانات واسترجاع ثقة المواطنين في المنظومة الصحية.