في ركن من أركان المقهى… جلست أرتشف الشاي وأتابع حركة المارة… أنظر إلى الهاتف وأقلّب أوراق صحيفة، حملت لي بشارة سارّة… كان ذهني يسبح في فُلك مشحون… ونفسي تمرح بين ثبات وجنون… فجأة، وقف بمدخل الباب صبي نحيف البنية… وجّه إليّ بصره… وعرض عليّ خدمته… دعوته لما يُريد، التفت يمينا وشمالا، ابتسم في وجه النادل… ثمّ تقدم نحوي بثقة كبيرة وحرص شديد… بسرعة البرق، وقبل أن يرتب أدواته البسيطة. فتحت صحيفتي… تلمست ربطة عنقي الأنيقة… أبرزت ساعتي الثمينة… وضعت قدمي على درج صغير وقلت مفاخرا: انظر؛ انظر هذه صورتي في صحيفة الأوهام… لقد أصبحتُ مديرا لصندوق رعاية الأيتام…! تبسّم وهو ينظر إلى قدمي وقال: موفّق، مولاي الإمام…! مسكته من كتفه و طلبت منه أن يقرأ الخبر. رفع رأسه بخجل ملتبس وقال: يا سيّدي المدير: أنا صبي فقير، أعيش مع أهلي في كوخ صغير… نقتسم القَدر… ونبتسم للقمر… ولا نهتمّ أبدا بأخبار البشر… منذ صغري وأحذيتكم هي وحدها لعبي… أزيل عنها الغبار وأصلح زلاّتها الكبار… طبعا؛ أنا أيضا ظفرت بصندوق خشبي، ترِبت يدي… لكن قطعا ما أظن المفتاح معي…! ذُهلت، و شَردت… ضرب صندوقه ضربة قوية بظهر الفرشاة… حتى سقطت مني صحيفتي… شعرت بطلقة اخترقت صدري… سحبت قدمي… أديت ثمن تلميع صورتي… وأخفيت فورا فرحتي…