أمشي في زقاق مدينتي العتيقة … وشمس الأصيل تتهاوى في تيه وخيلاء على مدارج الأثير في سكون ذهبي رهيب ، وخيوطها المتموجة تميس في رقصات أفعوانية مغرية توحي بمساء عذب أنيق في ألوان مذهبة … ثم يستكين هذا المساء رويداً رويداً في لحاف ذليل منقادا في استسلام الليل الغاشي المقبل بخزات النجوم المتراصة على بروج السماء تتغامز متبرجة ومطرزة بزينة الشعاع الفضي المترامي بين مدارج أفلاكها … أمشي في زقاق مدينتي العتيقة … ويسقط الليل .. ويجمع أنفاسه في جرابه ويحصرها بين أسوار ظلمته ليصوِّر منها لون السواد تحت ضي القمر وغمزات النجوم … آه ..”أحلى ما في القصر ليله “… أنفرد بجنوني في حب مدينتي … فحبها يسوقني سوقا عنيفا يجذبني من الحب الى الحب فهي في قلبي تاريخ وحكاية .. يسود ذلك التاريخ ولا تبيد هذه الحكاية … هي الجمال في الجمال … هي المعنى الذي يوحى به جنون الحب لكل غيور عليها … يسافر نظري في أرجائها …فيتموج للذهن ذلك الماضي الدفين بكل عناصره الجميلة … بكل معانيه الأنيقة … كان الجمال فيه هو الأسلوب الأمثل الذي يستحوذ على التخيل والحس بكل لباقة وأناقة .. في كل نظرة .. في كل كلمة .. في كل حركة .. خلق كريم في أعماق النفس … ثم تجيئ أقدار بأفكار غريبة بنواميس مختلة غير منتظمة وبأغراض مادية جارت على المعاني الأثرية والمنظومات الجمالية فالأثر الجمالي الذي كان يكمن في النفوس استكان فباد كل جمال وغمس في ثنايا ما كنا نراه غريبا وسمجا في ذلك الزمن الجميل … لا أطيل … قد أنثر من عيني دموعا أوأنفث من صدري نفسا صعودا ً .. أو أنفجر أحزانا .. أو أهتز سروراً … ولكن تبقى مدينتي جنوني ولئن امتزج فيها ما يسرني وما يحزنني وما يرضيني وما يغضبني … فهذه أقدار رسمتها ريشة السماء في كتاب مكنون لا يمسه أهالي الأرض … ◦