ينفجر غضبي شعراً.. ويثور حزني نثراً .. كيف يثور هذا .. وكيف ينفجر ذاك … كأنما أجد نفسي على متن قارب مترنح وسط بحر لجوج لايستقيم معي على ثبات .. متهور .. عنيف .. يَكِرُّ بي إلى سواحله مدّاً .. ثم يفِرُّ بي إلى أعاليه زجراً … كل رغباتي في الحياة فلسفة شدتها القيود والعقبات على أوتار قلبي فشابه لهيب الضنى كأني به داخل سجن بقفل بلا مفتاح وقد دُقَّت في عظامي مسامير اليأس ، لأتحطم ، وليلتهب الظمأ جوفي ، وليلتمع الماء في عيني لونَ السراب .. لم أعد أحتمل أبدا مايدور حولي وما يخطر في خلدي ، هذه زقاق مدينتي الكئيبة خرجتُ إليها أيام عاشوراء إذ هي على أوصاف لم أر أفظع منها ، تبعث على التقزز والاشمئزاز وعلى ألم النفس وانقباضها ، استوى ظاهرها وباطنها جَدْباً، انصعقت برعد شديد من المكاء والتصدية إلى حد الذهول ، واختنقت أنفاسها بصخور صلدة جرداء وَبِوَقُود عشوائية النازحين ، لا تَبَصُّر منهم ولارَوِيَّة. مدينتي .. يوما .. كانت ظلا من ظلال الجمال .. ويوما.. كانت بُلُْبلاً يرف بأغانيه ، ويترامى صفيره بين شبابيك الدور تغازله شفاه العذارى.. ويوما .. كانت زجاجة حبر ترتشف منها اليراعة رشفا وتغازل بحبرها كلمة الجمال الأزلي في ضي القمر المسافر حين تنشق الظلمة من جراب الليل ، وفي صفرة الشمس الفاقعة حين ينفرج النور من شق الفلق . أريد لك .. يا بلدتي .. تاريخ جوهرة فريدة .. أريد لك.. يا بلدتي .. حياة لؤلؤة يتيمة .. أريد لك .. يا بلدتي .. أن ينشق لك النور من تهاويل الربيع الخضر .. وتصاوير النقوش المَوْشِية .. أريد لك اختيال الجمال من نفحة الأنوثة المختبئة خلف الحياء .. لا أريد لك رمد النهار .. ولا ذبول الليل .. ولا أن تغزوك أسراب من وحوش حر الرمضاء … أريدك لك نورا وألوانا وجمالا كما كان يُتَخيَّل يوما في عيني حبيبتي الجميلة . سأكتب لك يا بلدتي يوما بعد يوم بكل معاناتي إلى أن تشدني مَنِيَّتي… ما من قفل بلا مفتاح كما قالت لي يوما حبيبتي . الطاهر الجباري