ليس مسلسلا مكسيكيا أو تركيا لنتخيل البداية والنهاية،بل هو مسلسل من واقعنا المعاش ،أبطاله عمال حراسة ،جمعية المعطلين ،شباب عاطل عن العمل من حطان ،بوجنيبة وبئر مزوي وباقي القرى المنجمية بالإقليم الغني بثروته والفقيرة ساكنتها،أبطال لم يدخلوا معاهد التمثيل ولم يعملوا تحت إدارة مخرج محنك بل أدوا أدوارهم باحترافية و تقمسوا الشخصيات التي أنيطت بهم وتلبسوها بكل فاعلية لأنها تعالج واقعهم المرير ،فشخصيات المسلسل تعددت وتنوعت وتعددت معها أماكن الأحداث ،فالمؤلف و المخرج فاعل واحد هو الفقر وقلة الحيلة بل تفقير وتهميش طال زمانه وتنوعت مظاهره . عانت مدينة خريبكة وكل المدن المجاورة لها لسنوات الأمرين ،استغلال للثروات والخيرات ،بطون تنتفخ وبطون تتضور جوعا ،مسؤولون صامتون ومسؤولون ساقطون في بحر الفساد و المتاجرة بمستقبل الاقليم وأبنائه،إقليم كان حتى الامس القريب هادئا ،شبابه يحلمون بفرصة عمل بالخارج ،يحلمون بمستقبل وردي ومشرق كما صوره لهم الإعلام أو أصدقاء وأقارب اغتنوا بسرعة وبطرق مشبوهة،كل هذا ترك المجال للمجمع الشريف للفوسفاط واتاح له الفرصة لتوظيف شباب من خارج المنطقة بطرق شرعية و واضحة وأخرى ملتوية أغتنى منها مسؤولون بخريبكة لا سامحهم الله ،فكان لهم ما أرادوا حتى وصل السيل الزبى وفاحت رائحة سياسة الرشوى واالمحسوبية التي سادت لسنوات في إدارة المجمع المحلية بخريبكة. اندلعت الأزمة الاقتصادية بالعالم ولابد أن تصل للقارة العجوز ،فأفلست شركات وأقفلت أخرى واختارت أخرى تقليص اليد العاملة الأجنبية ،فأصبح لزاما على العديد من المغاربة عامة والخريبكيين خاصة ملازمة العطالة وبالتالي العودة من حيث أتوا وينضافوا للعاطلين ،ومن جهة أخرى القضاء على أحلام الشباب الذين كانوا يحلمون بلمس تربة أوربا. أصبح الجميع محبطا و زادت نفقات الأهل وإعالتهم للعائدين من الخارج والآخرين الباحثين عن الوهم ،فتغيرت الوجهة من النظر للبعيد إلى البحث عن فرصة للعمل بخريبكة ولما لا بالمجمع الشريف للفوسفاط الذي طالما استغل خيراتنا وتسبب لنا في شتى أمراض ،و لوث بيئتنا و..... بدأت المطالب تنضج وتتبلور لدى أبناء متقاعدي المجمع لا سيما وأن الفصل السادس من قانون المناجم يلزم المجمع بتشغيل أبناء المتقاعدين عند توفرهم على الشهادات والمؤهلات اللازمة،فبدأ شباب البيوت بتنظيم الوقفات ودخلوا في اعتصام مفتوح رافقهم فيه عمال شركات المناولة ،الكل له مطلبه ،الشباب يريد التشغيل والأجراء ينادون بالإدماج وتحسين ظروف العمل ،بينما المطالب واحد ،مجمع جمع كل خيرات الاقليم وترك سكانه يرزحون تحت وطأة الفقر. دام الاعتصام ما يقارب الشهر ،احتجاجات بالنهار والمبيت بالليل ،دون تخريب ولا إخلال بالأمن ،لكن ذوي النفوس المريضة ،آلمتهم صرخات أبناء خريبكة و أوجعتهم لأنهم لم يتعودوا على الانتفاد والعتاب من خريبكة وسكانها ،فجأءت الأوامر بتفكيك الاعتصام وتلقين أولاد ورديغة الدرس حتى لا يعيدوا الكرة أو يتجرأ أحد على رفع صوته في وجه "بوعو" خريبكة عفوا الشريف المجمع وكأنه من أولياء الله. ظن المسؤولون بأن تفكيك الاعتصام في الساعات المبكرة من صباح 15 مارس الأسود سينتهي في دقائق ويلملموا الموضوع و" كأن مريضنا ما عندو باس" ،لكن كانت للمعتصمين رؤية أخرى وسيناريو مخالف، فردوا الاعتداء بما هو أكثر ،فكانت الاشتباكات بين المعتصمين وقوات الأمن وأحرقت ممتلكات المجمع وسيارات خاصة بالموظفين لتتطور الأحداث و تدخل الصحافة على الخط والمجلس الوطني لحقوق الانسان وباقي الهيئات الحقوقية و السياسية والمدنية ،ليجد المسؤولون أنفسهم أمام وضع آخر ،فرموا باللوم على جماعة العدل والإحسان بأنها من تسبب في الأحداث،إلا أن التحقيق كشف ضلوع عامل الاقليم الذي طالب بتجاوز الأمر وبداية صفحة جديدة و كأن الانسان وكرامته لا تساوي شيئا في نظر السيد العامل ،حيث عوض إقالته أو الاستقالة ،استمر في منصبه. مرت أحداث الثلاثاء الأسود ولم يبادر المسؤولون باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتهدئة الأوضاح و تلبية مطالب المحتجين تدريجيا ،لكن الامور استمرت على حالها و كثرت الوعود للشباب والأجراء. جاء يوم الجمعة 13 ماي ليحدث مال لم يكن في الحسبان ،هحوم القوات على الأجراء المعتصمين بالسكة الحديدية ،أجراء فضلوا وضع حد لحياتهم ،حيث رافقتهم عائلاتهم وأهليهم ،فكان الهجوم وحشيا وقاسيا ،فتحول ممر السكة الحديدية بين البيوت والمسيرة مسرحا لمواجهات وتراشق بالحجارة بين قوات الامن والشباب الغاضب ،مما خلف إصابات في صفوف الطرفين و اعتقال 15 عشرا عنصرا 10 من أجراء الريجي و4 أخرين . عرض المعتقلون على المحكمة يوم الإثنين ،أي بعد 3 أيام من الاعتقال ،حيث كانت ستجري المحاكمة في وقت قياسي نظرا للتهم التي توبع بها هؤلاء ،التجمهر المسلح،التخريب ،إثارة الشغب و و ...،لكن تدخل هيئة الدفاع جعل المحاكمة تأخذ سيرها العادي ،فتوالت الجلسات وتم الاستماع للمعتقلين الذين نفوا جملة وتفصيلا التهم التي توبعوا بها ،مؤكدين على أنهم كانوا سلميين وأن مطالبهم المشروعة هي من تحركهم . دخل الأجراء المعتقلون أو ما أصبح يصطلح عليهم "معتقلو الكرامة" في إضراب مفتوح عن الطعام قارب الشهرين تقريبا ،مما جعل مسلسل المحاكمة يطول لأن المعتقلين تدهورت حالتهم الصحية ومنهم من توقف عن تناول الدواء لأنه كان مريضا سابقا. كادت الأمور أن تتطور إلى ما لا يحمد عقباه وتحدث كارتة انسانية لا قدر الله بعدما أشرف المضربون عن الطعام على الموت،فكان تدخل محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان الذي أقنع المضربين بالعدول عن فكرة المواصلة والتوقف عن الإضراب واعدا إياهم بمحاكمة عادلة ومقدما تطمينات لعائلاتهم اللاتي كانت معتصمة بباب المحكمة. أوقف المعتقلون الاضراب واستأنفت المحكمة جلسات المحكامة والاستماع لإفادات وأقوال المعتقلين ،لينطق الحكم الابتدائي بإدانة هؤلاء بسنة للأجراء وستة أشهر للأربعة الباقين . أستأنفت هيئة الدفاع الحكم ليتحول للأستئناف التي خففته لستة أشهر للمعتقلين جميعهم . مرت الأشهر الستة وأفرج عن هؤلاء الأبطال الشوامخ ،حيث استقبلوا استقبال الأبطال من طرف ذويهم ،أقاربهم ،جمعية وحدة الأجير والهيئات السياسية والحقوقية بالمدينة،ليخصص لهم حفل كبير بعد إطلاق السراح بمقر الاتحاد المغربي للشغل ،والذي حضره كل من قدم يد العون والدعم للمعتقلين . لازال مسلسل المعتقلين المفرج عنهم لم ينته حتى يعودوا لعملهم من جديد بدعم من جمعيتهم ولجنة الدعم المحلية التي ناشدت السيد العامل بالعمل على عودتهم لعملهم واعتبار الموضوع ذا طابع إجتماعي وإنساني عاجل . وهكذا مرت سنة 2011 على هؤلاء الأجراء وباقي زملائهم الذين كانوا يناضلون كذلك خارج السجن من أجل انتزاع الإدماج وتحسين ظروف العمل للأجراء جميعا.