ما يقع اليوم في الوطن العربي يدعو إلى السخرية وأحيانا إلى الشفقة، ففي الوقت الذي قطعت دول أشواطا كبيرة على درب الديمقراطية والحرية وكرست بعد ذلك جهودها لتحقيق التنمية والرخاء لشعوبها، وهي التي عاشت صنوفا من القمع والطغيان، في الوقت ذاته يزداد الاستبداد في المنطقة العربية ويتكرس، بل أصبحت له بنيات ومؤسسات ترعاه وتحميه من شرارة الانتفاضات والثورات الشعبية التواقة للحرية والديمقراطية... اليوم أمامنا ثلاثة نماذج من البلاد العربية يحاول فيها الحاكم الاستفراد بالسلطة رغما عن إرادة الشعوب العربية التي خرجت إلى الشوارع منادية بوضع حد للاستبداد والفساد. ف"بشار الأسد" يقتل شعبه ويشرد أطفاله ويسحل نساءه ويرمي بآخرين خارج الوطن فتجاوز بذلك عدد اللاجئين الملايين الذين يعيشون المهانة والذل بدول الجوار، رغم كل هذا الخراب والدمار يصر الأسد ومعه حاشيته على ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى، بل إن وزيره في الإعلام يصرح أمام الصحافيين في جنيف أن "بشار الأسد" هو الرئيس الشرعي للبلاد وان الشعب السوري مازال يطمح في ترشيحه رئيسا للبلاد لولاية أخرى.. "عبد العزيز بوتفليقة" الذي ينخر المرض جسده النحيف وأضحى معه لا يقدر على المشي مما تعذر معه ممارسة وظيفته وصلاحياته الدستورية كرئيس للجمهورية منذ شهور، رغم ذلك يصر بعض من مقربيه وبعض القوى السياسية، كما صرح أخيرا أحد زعماء الأحزاب التاريخية، على ترشح بوتفليقة لانتخابات رئيس الجمهورية لولاية أخرى... أما في مصر، أم الدنيا، فالفريق "السيسي" الانقلابي على الشرعية والذي لا زالت يداه ملطختين بدماء الآلاف من الشهداء والمعتقلين والجرحى، فكل الدلالات اليوم توحي بأنه المرشح الوحيد لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية، وفي هذا الإطار قد لا نفاجأ بما أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيانه الأخير الذي يدعم من خلاله ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية وأنه يتطلع باحترام وإجلال إلى رغبة الشعب المصري في ذلك. وقد لا نستغرب في الأيام القادمة أن يطل علينا زعماء آخرون يترشحون لرئاسة الجمهورية يدعمهم في ذلك الجيش الجمهوري أو رغبة الجماهير الشعبية، أو يستفتون شعوبهم حول بقائهم في رئاسة الجمهورية لمدى الحياة كما فعل بورقيبة في تونس.. كنا نحن العرب نعتقد مع شرارة الثورات الشعبية، أننا سنودع الحكم الفردي أو استبداد أقلية بالسلطة، وأننا سنحاول التطبيع مع الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وأننا سنشرع في بناء الوطن وتحقيق التنمية عبر صياغة مشروع تتوافق حوله كل المكونات والقوى السياسية، ووضع المؤسسات والقوانين التي تجنبنا الاستفراد بالسلطة وتحترم إرادة الشعوب واختياراتها، وتقوية الأحزاب والنقابات وكل هيئات المجتمع الأهلي، وإرساء الضمانات النفسية والاجتماعية والسياسية التي تطمئن الفرد والمجتمع على حد سواء، وننطلق بعد ذلك إلى وضع المخططات والبرامج والسياسات العمومية التي تحقق التنمية والتقدم.. لكن للأسف ومن غير المتوقع أطل علينا الاستبداد من جديد الذي أعاد الأمور إلى المربع الأول، بل انه دفع البلاد العربية، خاصة ما يقع اليوم في مصر، إلى المجهول الذي لا يتوقع أحد مصيره ولا وجهته.. مهتدي بوزكري 01\02\2014