الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وهادي الأمة، وكاشف الغمة، سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار، وعلى التابعين والأئمة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء والقرار. يوم عاشوراء من أيام الله الفاضلة والمباركة وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم؛ هذا اليوم له فضل عظيم وحرمة قديمة، نجّى الهر فيه سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل من فرعون فصامه موسى شكرا لله تعالى، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك يسنُّ للمسلمين صيامه اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويستحب أيضا صيام يوم قبله أو يوم بعده لتتحقق مخالفة اليهود التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها. وجوب صيامه قبل أن يُفرض رمضان كان صومُ يوم عاشوراء واجباً في الابتداء قبل أنْ يُفْرض رمضان، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه"[1]. وعن سلمة بن الأكوع قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم "أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء""[2]. قال الإمام البغوي في شرح السنة: "وكان صومُ يوم عاشوراء فرضاً في الابتداء قبل أنْ يُفْرض رمضان، فلما فُرض رمضان، فمَنْ شاء صام عاشوراء ومَنْ شاء ترك، روي ذلك عن عائشة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وجابر بن سَمُرة رضي الله عنهم"[3]. وقال الإمام الصنعاني: "وأما صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر المحرم عند الجماهير فإنه كان واجبا قبل فرض رمضان ثم صار مستحباً"[4]. سنة صيام يوم عاشوراء صار صوم يوم عاشوراء مستحبا وسنة متَّبعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه، إذ كان اليهود يصومونه، ونحن أحق بموسى عليه السلام منهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك، فقالوا: هو اليوم الذي أظفر الله موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم"، ثم أمر بصيامه" [5]. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بصومه"، فأمر بصومه" [6]. لكن ينبغي مخالفة اليهود، لذلك يستحب صوم يوم قبله أو بعده، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله أو بعده يوما"[7] وقد اختلف العلماء أيهما أولى؛ التاسع أم الحادي عشر، ورجح الإمام البغوي أن نصوم معه اليوم التاسع، قال: "واستحب جماعة من العلماء أن يصوم اليوم التاسع مع العاشر، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال:" "صوموا اليوم التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود" [8]". وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق"[9]. و"عن عبد الله ين عباس رضي الله عنهما حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يوم يُعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع إن شاء الله" قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم"[10]. فضل صيام هذا اليوم صوم عاشوراء له فضائل كثيرة ومنها ما ورد في السنة أنه يكفر ذنوب سنة كاملة. عنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" [11]. كما يدخل فضل صيام هذا اليوم في عموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا"[12]. نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وتعظيمها وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.