تكلم "عادل بن أحمد باناعمة" في إحدى خطبه بمسجد الفاتح بجدة عن سبب تعظيم يوم عاشوراء، وبعض أحكام صيامه وأدلتها، كما أشارإلى بعض بدع عاشوراء. فضل يوم عاشوراء ومما اختص به شهر الله المحرم يومه العاشر وهو يوم عاشوراء، قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها، فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة، فتح الباري:4/245. وهذا اليوم يوم مبارك معظم منذ القدم. فاليهود أتباع موسى عليه السلام كانوا يعظمون يوم عاشوراء ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، ويلبسون فيه نساءهم حليهم واللباس الحسن الجميل ،، وسر ذلك- عندهم - أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، رواه البخاري. وعن أبي موسى قال: "كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ أن كثيراً من شريعة موسى عليه السلام لم ينسخ بشريعة عيسى بدليل قوله تعالى: (وَلاِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ)، آل عمران:50. وتأمل كيف قال: (بعض) إشعاراً بأن الكثير من الشرائع ظل كما هو عند موسى عليه السلام، قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب الذي قال الله فيه: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء) الأعراف:145. ولهذا كانت أمة موسى أوسع علوماً ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن الكتابين. جلاء الأفهام:103. قريش وتعظيم يوم عاشوراء وحتى قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة رضي الله عنها: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية" مسلم. وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: "أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك". وحين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً بنجاة موسى قال: "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه. متفق عليه. وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجباً فلما فرض رمضان فوض الأمر في صومه إلى التطوع، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوباً لم يقع إلا في عام واحد، تقول عائشة رضي الله عنها: "فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه أي عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" البخاري. صيام عاشوراء يكفر السنة الماضية وصوم عاشوراء وإن لم يعد واجباً فهو مما ينبغي الحرص عليه غاية الحرص، وذلك لما يأتي: صيامه يكفر السنة الماضية: ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم روى ابن عباس قال: "ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء" البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء" رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات. الصحابة يصومون صبيانهم في عاشوراء كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. رواه البخاري. بعض أحكام صيام عاشوراء كان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" مسلم. وقد ذكر بعض الفقهاء أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب: 1 صوم التاسع والعاشر والحادي عشر. 2 صوم التاسع والعاشر. 3 صوم العاشر وحده. (فقه السنة:3/127، زاد المعاد:2/76). ولا يكره على الصحيح إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله ابن تيمية رحمه الله. أصل البدع أحاديث لا تصح في عاشوراء وأما ما ورد في بعض الأحاديث من استحباب الاختضاب والاغتسال والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء فكل ذلك لم يصح منه شيء، قال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء في من وسع على أهله يوم عاشوراء فلم يره شيئاً. وقال ابن تيمية: لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين - ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً - لا صحيحاً ولا ضعيفاً - ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. مجموع الفتاوى:25/299-317. قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة لأجل قتل الحسين فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، وولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن هو دونهم. وقفات مع عاشوراء ولنا مع هذا اليوم وقفات: 1 خداع اليهود وتحايلهم فهؤلاء اليهود الذين قالوا لموسى: (أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) الأعراف:129. والذين خذلوا موسى فعبدوا العجل لمجرد أنه غاب عنهم أربعين يوماً، والذين قالوا لموسى ولما تجف أقدامهم من ماء البحر الذي نجاهم الله منه وأغرق فرعون قالوا له: (اجْعَلْ لَّنَا إِلاهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ) الأعراف:138. والذين شهد الله عليهم بأنهم آذوا موسى من قبل، هؤلاء اليهود هم الذين كانوا يصومون عاشوراء احتفاء بذكرى نجاة موسى عليه السلام!! واليهود كانوا يتحايلون على أمر الله، ودونك هذه القصص: 1 لما أمرهم الله ألا يصيدوا يوم السبت، صاروا يضعون شباكهم يوم الجمعة ويرفعونها يوم الأحد!. 2 لما نهاهم الله عن شحوم الإبل، أذابوها وصيروها زيتا ودهنا فباعوه وأكلوا ثمنه!. 3 لما أمرهم الله أن يدخلوا بيت المقدس ويأكلوا منها حيث شاؤوا رغداً ويقولوا: حطة (يعني ربنا حط عنا ذنوبنا)، لما أمروا بذلك دخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون: حنطة في شعير!. فانظر كيد هؤلاء وتحايلهم على أمر الله. ولنحذر نحن أيضاً من مثل هذا التحايل، فإن بعضنا ربما وقع فيه، فبعضنا يقع في الحرام فإذا نبهته وحذرته قال لك: لا يا أخي ليس هذا من الحرام إنما هو كذا وكذا، فيسمي الربا فوائد والزنا والفسوق فناً والغناء المذموم رقياً وطرباً وهكذا.. وربما وقع بعضنا في المنكر واحتج بأن أكثر الناس يفعلون هذا، أو بأنه مضطر وليس له حيلة أو .. أو .. المهم أنك ياأخي لن تخدع الله، والله مطلع على الحقائق والخفايا والنوايا. 2 المسلم والتميز حين رأى الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون عاشوراء، ورأى أنه عمل صالح، المؤمنون أولى به، حين أراد ذلك أمر بصيام يوم قبله أو بعده، هل تدري لماذا؟ اسمع كلام النووي رحمه الله حين يقول: قال بعض العلماء ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وفي الحديث إشارة إلى هذا، وقيل للاحتياط في العبادة والأول أولى، والله أعلم. اه. فانظر رحمك الله كيف يريد الإسلام منا أن نتميز، أن تكون لنا شخصيتنا المستقلة، ألا نذوب في غيرنا. وبلية كثير من المسلمين اليوم في هذه التبعية المفرطة للأفكار والمذاهب والأزياء والعادات والتقاليد، حتى كاد أحدهم ينسلخ من شخصية.