بدعوة من جمعية الأعمال الاجتماعية للتعليم (المقتصدية) بخنيفرة، تميزت الساحة التربوية بخنيفرة باللقاء التربوي الذي احتضنته القاعة الكبرى لهذه المؤسسة مع الخبيرين التربويين، الباحثين في علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور محمد الدريج والدكتور أحمد بنعمو، والذي شهد حضورا متميزا ونوعيا لمختلف المهتمين والفاعلين في حقل التربية والتكوين، حيث كان لانخراط وتفاعل الحاضرين عنوانه البارز لمدى رغبة الجميع في النقاش العمومي حول عملية الإصلاح التربوي بالمغرب. من جهته، انطلق الدكتور أحمد بنعمو، في مداخلته القيمة، من واقعة التدخل القمعي في مسيرة الأساتذة المتدربين بإنزكان، ليختار ذلك نموذجا من مظاهر الأزمة التي يعاني منها التعليم في مجتمعنا المغربي الذي لم تفلح فيه، حسب قوله، أي من الكتابات والمشاورات واللقاءات والنظريات، التي تم تجريبها منذ استقلال البلاد، بحثا عن حلول للعقد التي تكبل المدرسة العمومية، قبل انتقاله بحديثه إلى موضوع المناهج التربوية، في شقيها الكلي والشامل، مع تحليل مفهوم المنهاج في أبعاده التعليمية، وسؤال عريض حول معنى اعتبار هذا الموضوع من صميم التعليم أساسا؟، بتناوله عدة أمثلة وطنية ودولية. وفي ذات ورقته، استعرض المتدخل مراحل ظهور وتطور المناهج التربوية بتساؤلات حول أهميتها ودلالاتها وسياقاتها على ضوء التجارب الدولية، وارتباطها بالنمط الديمقراطي على الطريقة الأمريكية، مشيرا إلى بعض الثقافات والمبادئ الفلسفية الدوغمائية (جون ديوي نموذجا)، حيث تم الابتعاد عن المفهوم التقليدي للمنهاج لأجل التغيير والتجديد عبر بوابة التربية والتعليم، قبل توقفه عند مجموعة من التساؤلات حول ما يكتب من مناهج؟ ومن يضع هذه المناهج لطلابنا وتلامذتنا من الروض إلى الجامعة؟ وماذا فعل المعنيون بحقل التدريس على ضوء هذه المناهج؟ وما مفهوم المقاربات التشاركية؟، إلى ما أصبح يميز المشهد التربوي من اهتمام على مستوى الدراسة و البحث. وبينما قام المحاضر بتشريح الأسباب وراء تأخر التعليم في بلادنا، بالتأكيد على أن منظومة التعليم تشكو من أمراض ينبغي علاجها من دون عقدة خجل أو تحفظ، استعرض ظروف إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي وصفه ب «الجدي» الذي ساهم في إصلاح حقل التعليم بالمغرب، غبر أنه عاد فعبر عن تأسفه حيال عدم الأخذ بأهداف هذا الميثاق بعد وقوف الجميع على ما تم إنتاجه من أزمات عوض إصلاحات، موجها انتقاداته القوية للسياسة التعليمية الممنهجة التي قادت إلى تبخيس وانهيار البنيات المطلوبة من المدرسة العمومية. أما ورقة الدكتور محمد الدريج، فحملت للحاضرين عدة وجهات نظر حول مسائل أساسية تتعلق بالتجديد التربوي، وأهم المحطات التي عرفها هذا التجديد في علاقته بالمنهاج، وأسباب فشل الإصلاحات ذات المنظومة البيداغوجية، والصعوبات التي اعترضت هذه المنظومة، إن على مستوى التناقضات أو المتعلقة بالمنهاج في حد ذاته، وبينما أوضح، بأسلوب انتقادي قوي، أن «الإصلاح ليس هو توفير دورات المياه»، توقف لإبراز الفرق بين مفهومي الإصلاح والتجديد، ومراحلهما ومعيقاتهما وحدود التكامل بينهما، مبينا أن التجديد هو العمل على تطوير الجانب البيداغوجي والقيمي والسيكولوجي والثقافي، وهو الخروج عن المألوف، والذي لم يحقق أهدافه، فيما الإصلاح هو تنظيم من أجل الإبداع والتغيير واعتماد رؤية علمية وأكثر عقلانية. وفي سياق انتقاده اللاذع للسياسة التعليمية الممنهجة، تساءل المحاضر حول مصير الملايير التي تم صرفها في البرنامج الاستعجالي دون عرض ملفها على التحقيق والمساءلة والمحاسبة؟، والأموال الطائلة أيضا التي أخذتها إحدى المؤسسات البلجيكية لأجل دعم ما سمي بالتجديد؟، كما لم يفته وضع الأصبع على ملابسات التهرب من نقد بيداغوجيا الإدماج في أوقات سابقة، وكيف لم تطبق مضامينها، كما تحدث مطولا عن ازدواجية التعامل القائم مع الخبراء التربويين، والتمييز الممنهج بين الخبير الوطني والخبير الأجنبي، ومدى تفضيل هذا الأخير عن الأول، واستثماره من طرف «السماسرة»، على حد وصفه. ومن خلال تطرقه لمكامن أزمة منظومة التربية والتكوين ببلدنا، رأى الخبير التربوي أنه آن الأوان لطرح سؤال: لماذا لا تزال بلادنا عاجزة عن الخروج من دوامة استيراد المناهج والنظريات الفرنسية الأجنبية الجاهزة رغم حصولنا على الاستقلال؟، ما لم يعتبر إلا جسما غريبا في بيئة مغربية لها قيمها وثقافتها وخصوصيتها، في حين تساءل حول غموض الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الكفايات؟ ومدى مساهمة التخبط البيداغوجي ببلادنا في إنتاج الفشل الدراسي.