تقديم: أثار موضوعي المنشور بهسبريس ؛تحت عنوان:فتنة بيداغوجيا الإدماج:بعد إغلاق المنجم ،ما العمل؟ الكثير من التعاليق ؛كما تناقلته العديد من المواقع،الإخبارية والتربوية ؛مما يؤكد على حيوية،ونضج، ساحتنا التربوية ،وتوقها إلى التعاطي مع الشأن السياسي التربوي ،والجانب البيداغوجي فيه ؛بصفة خاصة. ورغم انحراف النقاش ،أحيانا، ليتخذ شكل مناقرات بين بعض السادة المفتشين، وبعض السادة الأساتذة ؛ وهي مناقرات لا تفسد للود فضية ؛ فان الجسد التربوي يظل في كامل عنفوانه ؛وينتظر فقط أن تمد الجسور القارة بين أرخبيل جزره ؛حتى لا يتخذ أي قرار ،بيداغوجي أو تدبيري،دون استشارات موسعة بين المكلفين بتنزيله. قد تبطئ بنا هذه الاستشارات ؛لكنها ترسخ أقدامنا في ورش للإصلاح،واضح المرامي والأهداف ؛ورش مغربي منفتح ؛ينظر له مربونا الأكفاء ،وينخرط فيه الجميع ،بثقة،حتى لا يغرد طائر خارج السرب. إذا كنت ترفض أن تربي بنفسك طفلك؛وأنت قادر على ذلك؛فالأفضل لك ألا تجني على أحد ،بولادته؛كما يقول المعري،في سياق آخر. أستاذنا الدريج يدخل على الخط: أول صلتي بمناهج البحث التربوي ،لعب فيها الأستاذ الدريج دورا محوريا ؛اذ كان أستاذ المادة بالمركز الوطني لتكوين المفتشين ؛واستمرت صلتي بهذا المربي المغربي ؛من خلال كتاباته البيداغوجية؛ومساهماته في أنشطة فرع الجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي ،بالقنيطرة. و من باب ذكر الفضل لأهله، لا بد أن أسجل هنا مقدرات الرجل التواصلية مع طلبته ؛وحينما يضاف ،إلى هذ،ا البعد الإنساني العميق ،والبشاشة الدائمة ،تصبح دروسه تشاركية ؛يساهم الجميع في انجازها ؛محققا بهذا ما لا ترقى إليه المحاضرات الأكاديمية الصارمة و الجافة. إن صاحب كتابي: " تحليل العملية التعليمية" و"التدريس الهادف" ،وغيرهما- حتى من الدراسات الطلابية،الجماعية، التي صدرت تحت اشرافه-؛ لم يتحدث أبدا عن شيء،لايؤمن به ،و لا يلتزم به هو أولا. حينما اطلع الأستاذ الدريج على مقالي شرفني ببريد اليكتروني خاص ؛ورغم ما في المقال –خلافا لواقع الحال كما وضح-من إشارة إلى تأخر رأيه في ما يخص بيداغوجيا الإدماج ؛ ومن عبارة ايحائية، فهم منها أن " ارتداءه لخودته وسترته،ودخوله إلى منجم الكفايات" يتضمن اتهاما بالتهافت على "الثروة". رغم هذا لم تضع من الرجل عباراته الودية المعهودة؛ ومستملحاته وهو يستغرب، كيف تتحقق الثروة المعدنية المزعومة بكتب لا يتجاوز ثمن الواحد منها العشرة دراهم؟ نعم أستاذي فالشأن الثقافي ،عموما،لم يجلب أبدا لصاحبه ذهبا ولا فضة ؛فحما حجريا،ربما. وأهم من هذا تفضل الأستاذ- مشكورا- فوافاني بدراسة له ، في موضوع بيداغوجيا الإدماج؛مؤرخة في 13ماي 2011؛أي قبل موقف الوزير الجديد، من هذه البيداغوجيا ،بشهور عديدة. والدراسة ،في مجملها،مجرد مدخل لمقاربة مفصلة للموضوع ؛كما يصرح أستاذنا بذلك. ومن باب الإنصاف ؛وتصحيحا لبعض الآراء التي أثارها نشر هسبريس لموقف الأستاذ الدريج من بيداغوجيا الإدماج؛وهو الموقف الذي فرض عليه سياقه الزمني أن يظهر وكأنه تزكية من خبير بيداغوجي ،مغربي، لقرار وزير التربية الوطنية ؛ أستعرض – بمبادرة مني- بعض الفقرات من هذه الدراسة ،حتى يتضح موقفه المبدئي من هذا النموذج البيداغوجي؛وحتى يتأكد أن وزارة اخشيشن – وهي تأخذ بالمخطط الاستعجالي "الإصلاحي"؛ بعد ماراطون ميثاقي دام أكثر من عشر سنوات - لم تصم آذانها،فقط، عن المفتشين والأساتذة ،الذين محضوها النصح؛بل همشت حتى رأي هذا الخبير المغربي . لعلنا هنا نستعيد حكاية المدرب الوطني الزاكي ،وهو مفضول-ظلما- من طرف المدرب غيريتس البلجيكي. التهمة، في الحالتين، هي التوفر على بطاقة تعريف وطنية. تهافت الوزارة: يقول الأستاذ الدريج: " تبنت وزارة التربية الوطنية إذن ،وتحمست بشكل غير مسبوق ، لبيداغوجيا الإدماج، وجعلت منها نموذجا لتطوير المناهج ؛ وجندت لها عدة من البرامج والمشاريع والأطر والتداريب والوسائل والدلائل ... لكن ، وبعد مرور حوالي سنتين على بداية "تطبيق هذه البيداغوجيا ؛بشكل تجريبي في بعض الأكاديميات،تم تعميمها،بعد ذلك ، على المدارس المغربية الابتدائية،على وجه الخصوص ؛حتى دون تقديم وتوظيف نتائج التقويم الأولي للتجريب ؛وحتى قبل أن يفتح في شأنها نقاش وطني ،كان يمكن أن يساهم بفعالية في معرفة نقاط قوتها وضعفها ،ومدى مراعاتها لخصوصياتنا ؛قبل بلورتها في صياغتها النهائية ثم تطبيقها.." يذكرني هذا باستمارة تقييمية ،وزعتها الوزارة على مؤسسات التعليم الأساسي ،ذات تاريخ ؛شغلت بها كل أطراف العملية التعليمية ،زمنا ؛وحتى قبل أن تغادر أظرفتها الجوابية المؤسسات التعليمية الإعدادية ؛بدأت رسائل التنويه تصل،من الوزارة، إلى مديري هذه المؤسسات شاكرة لهم مساهمتهم المتميزة في عملية تقييم التعلمات . ناولني أحد المديرين التنويه الخاص به ،وهو يبتسم وينظر إلى جانب من مكتبه حيث تكدست عشرات الأظرفة . يف تم الدوس على أقدام الأساتذة؟ يورد الأستاذ الدريج أرقاما مثيرة: في استفتاء وطني أنجزه موقع دفاتر تربوية ،سجل 85في المائة من الأساتذة موقفا سلبيا من بيداغوجيا الإدماج: 38غير مقتنعين بها.%" لم يفهموها؛رغم استفادتهم من الدورات التكوينية. %11 يطالبون بمراجعتها.%25 يرفضونها جملة وتفصيلا."52% لم يكترث الوزير السابق بهذه النسب ،أما الوزير الحالي فقد انضم إلى نسبة الرافضين لها ؛دون اكتراث ،أيضا،بالراغبين فقط في مراجعتها. هكذا تسير الأمور ...ولكم أن تجتهدوا في قياس الخسارة المترتبة عن مثل هذه القرارات ؛حتى نربط فعلا بين المسؤولية والمحاسبة . ولم تسلم أقدام النقابيين: يقول الأستاذ الدريج: ولا يفوتنا أن نسجل بهذا الخصوص، سابقة خطيرة تتمثل في رفض نقابات تعليمية وازنة لهذه البيداغوجيا؛ والمطالبة بإلغائها بكل بساطة ،حيث أصدرت المكاتب الإقليمية لأربع نقابات تعليمية محترمة بسلا ، بيانا تطالب فيه بمقاطعة بيداغوجيا الإدماج ،وهي: النقابة الوطنية للتعليم،الجامعة الوطنية للتعليم،الجامعة الوطنية لموظفي التعليم،الكونفدرالية الديموقراطية للشغل. من فوت فرصة المراجعة التي طالبت بها نسبة مهمة من الأساتذة؟ هل هم المهرولون؟ يقول أستاذنا الدريج: "إننا نلاحظ وبأسف شديد ، أن كل (جميع) المؤلفين المغاربة الذين نشروا كتبهم حول هذه البيداغوجيا وهم كثر، ومنهم، من المهرولين، من نشر حولها و لوحده أزيد من 10 كتب في بضع سنوات ، أقول هؤلاء الكتاب لا ينتقدونها ولو بجملة واحدة وكأنها وحي يوحى . ومعظم اللذين انتقدوها ، هم فقط ممن نشروا مقالات او دراسات ، تركزت انتقاداتهم على ظروف استيرادها و فرضها كسلعة غربية –وتحدثوا ،كما يفعل بيان النقابات السالف الذكر ،عن صعوبات تطبيقها في المدرسة المغربية، الأقسام المشتركة ، ضعف التكوين ، غياب الكتب المدرسية الملائمة لهذه البيداغوجيا ،عدم توزيع الكراسات في الوقت المناسب ، غياب أجهزة الاستنساخ والحواسب والبرمجيات ، صعوبات مرتبطة بالزمن المدرسي و بملاءمة التقويم ولم يمسوا هذه البيداغوجيا في الصميم ،من حيث أسسها وخلفياتها ومفاهيمها و مسلماتها و عناصرها ونتائجها...إلا لدى القلة القليلة لمن تفطن بالفعل ، إلى أن هذه البيداغوجيا كغيرها من البيداغوجيات لها ما عملت وعليها ما اكتسبت." طالب الدريج بالمراجعة وليس الإلغاء: يقول:. " إننا وان كنا سجلنا موقفا مبدئيا؛ ضمن المطالبين بالمراجعة وليس الإلغاء أو المقاطعة، نؤمن بضرورة التأني في إصدار الأحكام ، فنحن بحاجة إلى أكثر من استطلاع، وأكثر من دراسة تقويمية معمقة وشاملة ؛ وبحاجة قبل هذا وذاك، إلى أن نترك الفرصة الكافية للتطبيق الفعلي وللممارسين في الميدان ليقولوا كلمتهم ؛ وإن كان الكثير ممن قابلناهم من المدرسين والمشرفين، يتشكك في ضرورة هذا التأني ، و يقولون إن هذه البيداغوجيا ورغم فرضها لا تطبق حاليا من قبل المدرسين ، سوى بنسبة تقل عن 15 في المائة. ومع ذلك وقبل استصدار أي حكم ، فضلنا القيام بدراسة للوضعية وقراءة متأنية وناقدة لهذه البيداغوجيا ، سواء من خلال ما كتبه مؤسسوها أو من انبرى لشرحها وفرش البساط لها في بلادنا" العشبة السحرية التي لفظتها التربة المغربية: يختم الأستاذ الدريج بهذا الرأي العام، الذي نتمنى من مسؤولينا أن يكفروا عن أخطائهم ،باتخاذه مدخلا لكل إصلاح بيداغوجي وطني: "إن معالجة أوجه الخلل في النظام التعليمي، والرفع من فعاليته ، يقتضي بشكل أساسي استهداف المنهاج المدرسي في شموليته ،من حيث هندسته التنظيمية و التدبيرية ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية". ويقتبس عن محمد صدوقي قوله: "إن مجرد اعتماد نموذج جديد-غالبا بطريقة النقل الميكانيكي-غير كاف ،بحد ذاته،لتحقيق فعالية و جودة( مدرسة النجاح )؛لأن النموذج البيداغوجي هو عنصر واحد من عناصر أخرى تشكل نظام التربية والتكوين ؛كنظام ترتبط متغيراته ،من خلال علاقات بنيوية ووظيفية ،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض الآخر؛........بمعنى أن نجاح مقاربة بيداغوجيا الإدماج،وتحقيق أهدافها المنتظرة يجب أن نوفر لها شروطا أخرى ،وظروفا موضوعية ،لها علاقة بنيوية ووظيفية...". المرجع: بيداغوجيا الإدماج في سياق تطوير مناهج التعليم:قراءة نقدية إعداد:د محمد الدريج جامعة محمد الخامس/ الرباط الدراسة الكاملة منشورة في المدونة الخاصة أسفله [email protected] Ramdane3.ahlablog.com