انتصرت كثير من الدراسات التي أجريت في إطار علم النفس المعرفي لفكرة وجود ارتباط وتلازم بين الدافعية والتعلم، باعتبار أن الدافعية تساهم في تحقيق الأهداف التربوية من أجل تحصيل واكتساب المهارات وتنمية الخبرات ومواصلة البحث والتكوين شأنها في ذلك شأن الذكاء والخبرة السابقة، هذه الدراسات أكدت وجود ارتباط بين قوة الدافع وارتفاع الأداء من جهة، وضعف الدافع وتدني المردودية من جهة ثانية. وبذلك تصير كل محاولة تعليم تنآى بنفسها عن فهم واضح ودقيق للحاجات والدوافع إلى الفشل، وقد تبين للباحثين أن حل المشكلات البيداغوجية المرتبطة بالعمل المدرسي بشكل سليم يفرض تحليل ظروف الحاجة أو الدافع، ولأن الدوافع في الغالب تكون خفية ما قد يترتب عنه إعطاء تفسيرات خاطئة لتصرفات ورود أفعال معينة فإن تعرف واكتشاف الحاجة التي تثير الدافع يبقى ضروريا. استخدم الباحثون مفهوم الدافعية لتبرير وتفسير اختلاف ردود فعل الأشخاص التي تتغير حسب الزمن والمكان، أو تباين مردودية شخصين أثناء تأدية عمل واحد وتحت ظروف متشابهة. ومن الجدير إدراك أن الدافع عملية تتضمن علاقة بين الطفل وبيئته، فهو عملية داخلية توجه نشاط التلميذ نحو تحقيق هدف معين والمدرس ليس سوى مظهرا من مظاهر البيئة الاجتماعية، بيد أن موقعه المهني وقربه من الطفل يخول له إمكانية وفيرة لإثارة الدافع وخلق الفضول والحاجة لديه نحو التعلم والاكتساب. وكلما كان الدافع قويا كلما استمر النشاط الذاتي للإنسان، وامتد إلى حين إشباع الدافع وتلبية الحاجة مع وجود إمكانية واستعداد لتغيير الطرائق والأساليب قصد بلوغ الهدف في حالة ظهور عائق ما. بإمكان الفرد أن يصل إلى أهدافه دون صعوبة كبيرة، لكن في بعض الأحيان يعترضه عائق ما يحول دون وصوله ويخلق لديه حالة "لاتوازن" وتوتر فيحتاج إلى الحافز - وهو المقابل السيكولوجي للحاجة - كي يستعيد توازنه عبر ضخ نشاط إضافي واستعارة أساليب أكثر فاعلية لتجاوز العائق، وفي حالة العجز عن مواجهة العائق وتحمله يحصل الإحباط ويضطر الشخص من أجل امتصاص التوتر إلى حيل وأنماط سلوكية ومواقف جديدة - وربما غير مدنية - لتخطي المأزق. يمنحنا مفهوم الدافعية إمكانية أكبر لفهم وتفسير الفروق الفردية في التحصيل الدراسي، فالتلاميذ الذين يحصلون على نتائج جيدة تفوق المستوى المتوقع منهم يمتلكون دوافع أقوى للتحصيل والتعلم مقارنة بنظرائهم ممن يخيبون آمال مدرسيهم وآبائهم، وبذلك فارتفاع منسوب الدافعية والحافز لدى الفئة الأولى، وانخفاضه لدى الفئة الثانية يؤثر بشكل مهم على مقدار التحصيل والاكتساب. يكتسي مفهوم الحافز ضمن مفهوم أكبر وهو الدافعية أهمية قصوى في إثارة نشاط الفرد وحثه على العمل، وفي إطار الفضاء المدرسي يلعب أسلوب التعزيز وتقدير مساهمات المتعلمين وتقويمها دورا إيجابيا في خلق فرص التعلم ومواصلة التحصيل، وفي غياب بيئة مدرسية محفزة يضعف منسوب الدافعية ويقل مقدار الاكتساب. الدافع إلى الانجاز يسمى أحيانا الحاجة للانجاز وهما معا ليسا مرادفان للانجاز في حد ذاته، بل قد يقودان إليه، فالدافع الى الانجاز بصيغة الجمع أي بالنسبة لشعب أو مجتمع ما اعتبره بعض الباحثين من بين عوامل نشوء الحضارات واختفائها، وفي ذلك تأكيد على حضور العامل النفسي حتى لا يبقى قيام الدول وسقوطها حكرا على عوامل مادية واقتصادية فقط. استحضار مفهوم الدافعية والاهتمام به لا يجب أن يخلق اعتقادا بأن التلاميذ جميعهم سيمتلكون دافعا الى التعلم بدرجة واحدة، فالدافع أو الدوافع ليست آلية، بل هي عملية ذاتية توجه نشاط المتعلم في اتجاه تحقيق هدفه، والمأمول هو خلق الميل والرغبة لدى المتعلم من أجل التعلم، وتجنب المواقف السلبية مثل الصمت والانسحاب المعبرة عن الإحباط والعداء للمدرسة. وإذا كان المدرس ليس معنيا بخلق الدافع والحاجة لدى المتعلم باعتباره عنصرا من البيئة الاجتماعية فقط ، فإن دوره كوسيط هو إثارة الدوافع والحاجات المفضية الى إيقاظ الرغبة والفضول المعرفي لدى التلاميذ، وهذه مهمة ليست سهلة لأنها تتطلب جهدا متواصلا سيثمر في نهاية المطاف نتائج إيجابية. بقلم محمد الجيري / مفتش تربوي