ذ.الكبير الداديسي لا يتجادل اثنان حول كون النساء اقتحمن عالم الرواية العربية المعاصرة وتفوقن في الكثير من الأعمال على الرجال، وأن المستقبل يبشر بروائيات سيبصمن لا محالة تاريخ الرواية العربية بصمات سيكون لها أثرها، خاصة عندما يتمكن بعضهن من إثارة اهتمام المثقفين في عملهن الأول وهن لم ينهين عقدهن الثاني كما هو الشأن مع الروائية السعودية الشابة رجاء عبد الله الصانع في رواية (بنات الرياض) الصادرة في طبعتها الأولى سنة 2005 لتتوالى طبعاتها بعد النجاح الذي حققته الرواية .. تحكي الرواية التي اقتبست الكاتبة عنوانها من أغنية الفنان عبد المجيد عبد الله «يا بنات الرياض» عبر رسائل (email) قصص أربع فتيات ينتمين للطبقات المخملية في المجتمع السعودي، ورغم توفر الإمكانيات المادية، حاولت الكاتبة كشف الأقنعة عن واقع تنخره التناقضات، يقف حجرة عثرة أما طموحات الشباب، فيعجز فيه الشاب أو الشابة عن اختيار شريك(ة) حياته(ا) ويقبل الشاب ترك حبيبته ليتزوج فتاة لا يحبها، تلبية لسلطة تقاليد مجتمع محافظ مغلق... سنحاول في هذا المجهود البسيط ومن خلال تجارب البطلات الحفر عن بعض مظاهر هذا التناقض في مجتمع وصفته الساردة ب ( المجتمع المريض)[1] كما رصدتها روائية شابة في 50 رسالة تحكي تجارب أربع فتيات هن : - قمرة القصمنجي التي أحبت راشد، تزوجته وسافرت معه إلى أمريكا لتعيش معاناة لم تكن تتوقعها إذ تجاهل زوجها، خاصة بعد اكتشافها أنه كان على علاقة بفتاة فلبينية (كاري)، وازدادت علاقتهما توترا عندما اتصلت قمرة بكاري واحتقرتها واتهمتها بالسعي إلى تفريق زوجين... الشيء الذي أثار غضب راشدا وسارع بإقفال الأبواب أمام علاقتهما، إلا باب أرسلها عبره إلى أهلها بالسعودية وهي حامل ليعيش القارئ معها معاناة المرأة المطلقة في مجتمع رجولي محافظ لا يرحم، وانتهى بها إلى العيش على حلم الظفر بأي رجل كيفما كان. تقول: ( أنا ما عندي مانع يجيني أيا كان ، يجي نظيف يجي وسخ يجي محرول بس المهم يجي ، أنا مستعدة أرضى بأي رجال)[2] - سديم الحرملي ، رغم موت أمها تعيش في وسط اجتماعي راقي، تعرفت إلى وليد وأحبته وأخلصت إليه فتقدم إلى خطبتها وتغمرها الفرحة وهما يعقدان قرانهما، اعتبرت نفسها زوجته وسلمته نفسها، وكان ذلك كافيا ليهجرها ويغادرها ويتركها تعاني مأساتها في مجتمع تعتبر البكارة رأسمال الفتاة الوحيد، محتارة بين إخبار والدها وكتم سرها إلى الأبد، حاولت عيش حياتها بمواصلة دراستها والسفر إلى أوربا وفي لندن ستتعرف على فراس، الذي أحبها وأحبته بجنون، لكنه في الأخير اختار فتاة أخرى بدلا منها، ومع ذلك ظل عقله مشدودا إليها رغم زواجه لتعكس تجربتهما شذوذا في العلاقات بين الشباب في المجتمع السعودي، وفي الأخير رضيت بطارق ابن خالتها زوجا لها وهي لا تحس تجاهه بأي شيء ... - مشيل العبد الرحمان الفتاة المتفتحة مقارنة بزميلاتها ، والتي كانت علاقتها بفيصل مضرب أمثالهن، ترفضها أسرة فيصل لأنها تجري فيها دماء غير سعودية، ما دامت أمها أمريكية الأصل، فتطير للسفر إلى الولاياتالأمريكية وهناك تعلق بها ابن خالتها (ماتي) لكن أسرتها رفضته لأصوله المسيحية، وأمام رفض السعوديين تزوج أبنائها من فتاة ( لا أصول عريقة لها)، سافر بها أبوها إلى دبي ، امتهنت الصحافة، لكن والدها رفض ظهورها على شاشة القناة الفضائية التي اشتغلت بها، ظل عقلها وقلبها مملوكين لفيصل، وبعد حضورها حفل زواجه بشيخة قبلت الزواج بالمخرج حمدان الإماراتي وهي مقتنعة إن ( الأزواج يخفون تحت ابتساماته قلوبا دامية ونفوسا مغبوانا حظها في اختبار شريك الحياة)[3] - لميس جداوي ، تبقى النموذج الإيجابي الوحيد الذي قدمته الرواية ، إذا تابعت الرواية حياة لميس وشقيقتها تماضر إلى أن تفوقت بدراستها ورصد حفل تخرجها وزواجها بنزار الزواج الذي نظمته قمرة بعد تأسيسها لشركة تنظيم وتمويل الحفلات مع زميلاتها حاولت الرواية من خلال تلك التجارب التي نشرت على 50 رسالة إبراز أن الشباب في المجتمع السعودي يعاني من قيود تكبل حريته، وتجعله ورقة في مهب الريح لا سلطة له على حياته، و قدرة له على تنفيذ اختياراته، ففي مجتمع (كان حلم الاختلاط بالشباب حلما كبيرا إلى كثير من الطالبات والطلاب)[4] و أمام انغلاق المجتمع ،وغياب وصعوبة انفراد الشبان والشابات بمن يرتاحون إليه من الجنس الآخر شكل منزل أم نوير المتنفس الوحيد والفضاء الذي كان تلتقي فيه بطلات الرواية بمن أحببن. فوجدن في أم نوير التي همشها المجتمع بسبب شذوذ ابنها ما لم يجدن في عائلاتهن فقد كانت أم نوير (كاتمة أسرارهن، تشاركهن في التفكير وتجود عليهن بالحلول إذا ما تعرضت إحداهن لمشكلة ، وكانت ىتتسلى كثيرا بوجودهن، وصار منزلها المكان الأنسب دوما لممارسة الحرية التي عجزن عن ممارستها في منزل أي منهن)[5] لقد شكل منزل أم نوير (المكان الآمن للعشاق) في بلد يحرم الحب والعشق، ولا يسمح للمخطوبين باللقاء بل وحتى بالمكالمة الهاتفية، وأي لقاء بين شاب وشابة مهدد لأن يكون مصيره مشكلة عائلية، وتعهد بعدم اللقاء مرة أخرى بعد تحقيق وحبس مثلما حدث للميس إثر لقائها عليا أخ صديقتها ف(خلال أحد لقاءات لميس بعلي في أحد المقاهي في شارع الثلاثين، انقضت عليهما جوقة من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محاطين بأفراد من الشرطة، واقتادوهما بسرعة إلى سيارتين منفصلتين .. توجهتا بهما إلى أقرب مركز للهيئة)[6] ليعيشا تجربة لا يحبذ أي سعودي أو سعودية عيشها ... يبدو من خلال الرواية أن الفتاة السعودية تشعر بنفسها في سجن كبير، يحرم عليها ما هو مباح للفتيات في كل بقاع المعمور: فهي محرومة من الاختلاط بزملائها من الطلاب، ومحرومة من مكالمة من تحب ، ومن لقاء خطيبها بل ومن لقاء زوجها الذي عقد عليها إلا بعد حفلة الزفاف؛ تقول الساردة عن إحدى بطلات الرواية إن (عادات أسرتها لا تسمح بالمكالمات إلا بعد العقد. كان الزواج عندهم كالبطيخ على السكين)[7] .. وقد تجد الفتاة نفسها محرومة من أشياء لا تعرف سبب تحريمها ، فبعد أن وجدت التلميذات متنفسا في عيد الحب لتبادل بعض الهدايا تم منع ( جميع مظاهر الاحتفال بعيد الحب في السعودية، وتمت معاقبة أصحاب محلات الزهور الذين يقومون بتوفير الورود الحمراء لزبنائهم، .. وكأنها بضائع مهربة)[8] وتتساءل الساردة عن سبب منع عيد الحب دون غيره من الأعياد (يمنع الاحتفال بعيد الحب في بلادنا ولا يمنع الاحتفال بعيد الأم أو الأب مع أن الحكم الشرعي واحد . مضطهد أنت أيها الحب في هذا البلد )[9] على الرغم من تحفظ الكاتبة في معالجة الكثير من القضايا، فإن ما صدر عنها يعكس بصدق رفض الفتاة السعودية لكثرة القيود التي تكبلها، فعندما خطرت ببال الساردة فكرة تحويل يومياتها لعمل سينمائي أو مسلسل تلفزيوني وجدت نفسها - وهي في مجتمع يمنع المرأة من التمثيل - أمام أسئلة مثل :(من ستقبل التمثيل في مسلسلي؟ وهل سنستعين بممثلات من الدول الخليجية المجاورة فنضحي بالحوار السعودي اللهجة؟ أم سنجعل شبانا سعوديون يتنكرون للقيام بأدوار الفتيات فنضحي بالمشاهدين)[10] وحتى عندما اختارت ميشيل المتحررة نسبيا العمل في القطاع الإعلامي رفض والدها ظهورها على الشاشة ... لقد حاولت الرواية في بعض الإشارات تأكيد فكرة انغلاق المجتمع السعودي على نفسه، وشعور الفتاة السعودية بضغط الواقع، الذي لا يسمح لها بلقاء خطيبها ، ولا حب من هو خارج مجتمعها ، فلا يحق للفتاة السعودية التعلق بأحد يعتقد معتقدات خارجة عن اعتقاد أهل البلد.. هكذا ابتعدت لميس عن علي بمجرد علمها أنه شيعي ، رغم إعجابها به تقول الساردة في ذلك ( لقد كان علي شابا لطيفا، وبصراحة لو لم يكن شيعيا لكانت أحبته)[11] ، وكما هو ممنوع على السعودية إذن حب الرجل الشيعي ، ممنوع عليها أيضا حب الرجل مسيحي فقد استلطفت ميشيل ابن خالتها ماتي بأمريكا وارتاحت له لكن أسرتها وقفت بالمرصاد في وجه أية علاقة بينهما لسبب وحيد وهو كونه مسيحيا... بل أكثر من ذلك سعت الرواية إلى تكريس فكرة كون الفتاة السعودية ممنوعة من الزواج بمن تحب وفي تجارب بطلات الرواية إحالات كثيرة تؤكد أن الزواج في السعودية لا يتحكم في الشباب، وإنما يسير وفق دواليب الأعراف والتقاليد، يعود الحسم فيه للعائلة، فقد ربطت علاقة قوية كلا من فيصل وميشيل لكنه تخلى عنها فقط (لأن أمه تريد أن تزوجه فتاة من وسطهم) [12] وقد (أقسم لها أن الموضوع ليس بيده، وأن الظروف كانت أقوى منه ومنها، وأنه يتألم لهذه النتيجة التي وصلا إليها أكثر منها ، لكن ما باليد حيلة، ليس أمامهما إلا الصبر )[13] وليخفف عنها بعض ما ألم بها، (حاول إقناعها بأنها ستظل حبيبته مدى الحياة وأنه لن تتمكن امرأة أخرى من احتلال مكانها في قلبه، وأنه يرثي لحال خطيبته منذ الآن لأنها ارتبطت برجل قد تذوق طعم الكمال في امرأة أخرى ويظل الطعم باقيا على لسانه)[14] أي معاناة لشاب أكثر من أن يحكم عليه بفراق عشيقته، والارتباط بأخرى لا يعرف عنها ولا تمثل له شيئا؟؟ وهي نفس المعاناة التي عاشتها مختلف شخصيات الرواية : فقد تخلى وليد عن سديم التي أحبها لأنها مارست معه الحب بعد عقد قرانهما وقبل حفل إعلان الزواج... وتزوج راشد بقمرة وهو يحب فتاة أخرى وطلقها دون أن ترى لطلاقها أسبابا، وكذلك فعل فراس عند زواجه بشيخة وهو يحب سديم ... لمثل هذه السلوكات الغريبة وغير المفهومة التي تتحكم في اختيار الشباب السعودي لشريك حياته وصفت السارد هذا الواقع بعد صفات تعبر من خلالها عن استهجانها لما يعرفه المجتمع السعودي من تناقضات فوصفته ب(المجتمع المريض )[15] وبأنه (مجتمع يسوس أفراده كالبهائم)[16] و (مجتمع معجون بالتناقضات) إنه (المجتمع السعودي المتزمت ) الذي يتدخل فيه (الجميع في شؤون بعضهم) و ليس للفتاة إلا (أن تتقبل تناقضاته وتخضع لها أو أن تغادره للعيش في مجتمع أكثر تحررا يضمن لأفراده حياة أكثر استقلالية )[17] . مجتمعٌ الشباب فيه (مجرد أحجار شطرنج يحركها أهاليهم ويفوز في اللعبة اللي أهله أقوى)[18] دون مراعاة مشاعر الشباب، الذي يجدون أنفسهم أزواجا ( يخفون تحت ابتساماتهم قلوبا دامية ونفوسا مغبونا حظها في اختيار شريك الحياة)[19]. لتحمل الرواية الشباب في ذلك بعض المسؤولية وتحكم عليه بأنه شباب (ضعيف وسلبي وخاضع لإرادة المجتمع التي تشل إرادة أفراده ) وإذا كانت الرواية تقدم صورة عن واقع الشباب في السعودية، فإنها تؤكد دونية المرأة في مجتمع رجولي بامتياز ، لا فرق في ذلك بين المرأة المتعلمة أو الجاهلة، بل إن المتعلمة محكومة عليها بالعنوسة لأن السعوديين لا يُقبلون على الفتاة المتعلمة وإن ( الإقبال على الفتاة الصغيرة الساذجة عند البحث عن عروس مناسبة ما زال مرتفعا مقارنة بالإقبال على الفتاة التي تصل درجة عالية من العلم والمعرفة والاطلاع العام على الحياة )[20] وتبرر ذلك بارتفاع نسبة العنوسة في صفوف النساء الطبيبات، مما جعل من المرأة تقبل بأن تخدم الرجل و(الويل لها إن نسيت تجهيز ثيابه كل مساء وكيها قبل أن يستيقظ من نومه كل صباح، ولا يحق لها أن تطالبه بمساعدة في ترتيب المنزل ، أو إعداد الطعام أو غسل الصحون...) تبدو معظم نساء الرواية قابلات للوضع وإن كانت الساردة تحمل المسؤولية في ذلك إلى التفكير الذكوري الذي جعل الرجل السعودي يفضل في زوجته (أن تكون متواضعة التعليم، مهيضة الجناح، عديمة الجدوى حتى يكون له مكانة المعلم في نفسها والذي يشكل تلميذته حسب ما يريد ... هكذا أصبحت الفتاة الساذجة مطلوبة وقيدت (الفاهمة) على لائحة العوانس )[21] أما هذه القيود لا تحس المرأة السعودية بنسائم الحرية إلا إذا غادرت هذا (السجن الكبير) فبسفر عائلة ميشال إلى دبي تقول الساردة إن ( والدتها ستنال قسطا أكبر من الحرية والتقدير اللذين حرمت منهما أثناء معيشتها داخل السعودية )[22] ومن مظاهر تنفس الحرية خارج البلد ما كررته الرواية في اعتبار معظم السعوديين رجالا ونساء يقبلون هذه الوضعية على مضض وأنه ما أن تتاح لهم الفرصة حتى يتخلصون مما يكبلهم بما في ذلك الحجاب التي ترى فيه السعودية فرضا فعند مغادرة السعودية و( قبل هبوط الطائرة في مطار هيثرو توجهت سديم نحم حمام الطائرة وقامت بنزع عباءتها وغطاء شعرها لتكشف عن جسم متناسق يلفه الجينز والتي شيرت الضيقان)[23] وما أن تقترب بهم طائرات العودة من وطنه حتى ترى(النساء والرجال صفوفا أمام أبواب الحمامات لارتداء الزي الرسمي فترتدي النسوة عباءاتهن وأغطية شعرهن ونقابهن، بينما يتخلى الرجال عن أطقم الكاروهات والبناطيل التي يشدون أحزمتها تحت كروشهم الرجراجة بما تحتويه من ألبان وشحوم ولحوم ليعودوا إلى الأثواب البيض التي تستر جرائمهم الغذائية والشمغ الحمر التي تغطي صلعاتهم اللامعة)[24] ... وإذا كانت هذه بعض مظاهر وضعية المرأة في المجتمع السعودي ، فإن هذه الوضعية تغدو كارثية إذا كانت المرأة مطلقة، والرواية تؤكد أنه من السهل طلاق المرأة في السعودية، فقد تطلق المرأة بسب وبدونه ، إذ ( يطلق الواحد زوجته لأنها ما تجاوبت معه بالشكل الذي يثيره في الفراش) كما قد ( يطلق الثاني زوجته لأنها ما أخفت عنه تجاوبها معه وما تصنعت البراءة والاشمئزاز)[25] وعند طلاقها تشعر بانتهاء مدة صلاحيتها، وأنها لم تعد نافعة في شيء كل همها الحصول على رجل كيفما كان شكله ونوعه.. تقول قمرة بعد طلاقها: (أنا ما عندي مانع يجيني أيا كان، يجي نظيف، يجي وسخ، يجي محرول، بس المهم أنه يجي أنا مستعدة أرضى بأي رجال)[26]، لهذا يفهم القارئ لماذا كانت أم قمرة تقول لابنتها ( كلش ولا الطلاق... حنا بناتنا ما يتطلقن)[27] هذه النظرة الدونية للمرأة تثبط عزيمة المرأة السعودية، وتغرس فيها روح الاستسلام والخمول، وتدفعها نحو الكسل والخمول مما يؤثر على بنيتها الجسدية؛ فبعدما كان جسد قمرة ( يضرب به المثل في النحول .. أصبح مكتنزا بالشحوم من كثرة الخمول وقلة الحركة .. تعاني الملل وهي حبيسة المنزل)[28] استطاعت الكاتبة بهده الرواية أن تجد لها مكانا ضمن كتاب الرواية المعاصرين لما تميزت به من قدرة على طرق موضوع شبابي غفل وللبساطة والعَفويَّة التي طرقته بهما، فجاءت الرواية بلغة بسيطة تمزج بين الفصيح والدارج المُتداوَل بلكناته المُختلفة مع تسريب كلمات عامية أو من لغات أخرى وتقديمها بشكل مثير جَذّاب لا يجد القارئ أية صعوبة في إدراك معناها حتى وإن لم يكن سعوديا. فكانت اللغة وسيلة لتصوير واقع المرأة... وبالقدر الذي صورت المرأة السعودية مهيضة الجناح ، مفعولا بها، لا حول ولا قوة لها ، استطاعت الرواية إظهار الرجل السعودي مهما تعلم أو جال في أمصار الدنيا محكوما بوثاق الأعراف والتقاليد ، وأن ما حفر في ذاكرته وهو صغير يستحيل مسحه بالعلم والاحتكاك بثقافة الآخر ، وكأننا برجاء الصانع تريد القول أن كل ما يعانيه مجتمع الخليج –رغم إمكاناته المادية- يعود بالأساس إلى العقلية الذكورية المصرة على احتقار المرأة ، والساعية بكل الوسائل إلى التقليل من شأنها وعدم الاعتراف بها كإنسان قادر على المشاركة في صنع مستقبل يليق بإمكانيات الخليج.. فلا مستقبل لمجتمع بسير برجل واحدة.. والمرأة والرجل رِجلا الحاضر اللتين يسير بهما نحو المستقبل. لقد حاولت رجاء رغم صغر سنها – بعدما طفح الكيل – إعلان موقفها واستعدادها للبوح وفضح المستور فاختارت للموقع الذي تنشر فيه ما تعتبر فضائح المجتمع السعودي عنوان (سيرة وانفضحت ) وطلبت من قرائها الاستعداد لسماع (أكبر الفضائح وأصخب السهرات الشبابية) فكبرت توقعات القارئ، لكن حتى إن بدا لكثير من القراء غير السعوديين أن ما روته الساردة في رسائلها ليس فضائح ولا هم يحزنون، وإنما هو مجرد أخبار عادية لبعض الشباب ، أحبار لأحداث يقع ما هو أصعب وأخطر منها في مختلف بلدان العالم ولا تسمى فضائح، فأن يتخلى خطيب عن خطيبة، أو يختار شاب شريكة حياته تلبية لرغبة عائلته أمور عادية.. لكن عندما يتعلق الأمر بالسعودية – وحدها دون دول العالم- نعرف لماذا تعتبر مثل تلك المشاكل بين الشباب فضائح كبيرة ، ولماذا تطلب الأمر من الساردة كل ذلك الاستعداد للبوح تقول في ذلك ("نكشتُ شعري، ولطّختُ شفتي بالأحمر الصارخ، وإلى جانبي صحن من رقائق البطاطس المَرشوشة بالليمون والشّطة. كلّ شيء جاهز للفضيحة الأولى)[29] وكأنها تستعد لتسريب أمر خطير من أمور الدولة السرية . وحتى تعطي لكلامها مصداقية أكبر في مجتمع يتظاهر بالتدين كانت في حاجة إلى العزف على بعض الأوتار الحساسة عسى يكون تأثيرها أقوى وأعمق فاستهلت رسالتها الأولى بقوله تعالى في سورة الرعد (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، واختار يوم الجمعة يوما لإذاعة رسائلها بين قرائها، عسى أن يكون للقرآن و كلام الجمعة أثر في مجتمع بنى حول نفسه سورا "دينيا" منيعا ، لكنها وهي العالمة بانغلاق المجتمع وصعوبة قبوله التغيير ، واستحالة البوح بكل ما في النفس على أرض الواقع ، اختارت العالم الافتراضي مجالا للحكي وفضاء لتحرك الشخصيات ومخاطبة القراء بأمور تخص الطبقات المخملية وعقلية شبابها من الذكور الذين لا يقدرون المسؤولية الملقاة على عاتقتهم، وأي مسؤولية قد تناط بشاب عاجز عن اختيار شريكة حياته؟ وكيف يمكن تحميله مسؤولية تسيير مؤسسة أو إدارة مقاولة وهو العاجز عن تحمل مسؤولية اختياراته الذاتية ؟ والأمرّ هو إذا كانت هذه وضعية الفتاة والشاب في الأسرة الراقية الغنية التي حاجياتها موفورة، فما هي وضعيتهما في الطبقات الهشة والفقيرة المعدمة ؟؟ لقد تمكنت رجاء الصانع من وضع الأصبع على الجرح، وإن كانت معالجتها لواقع المرأة السعودية سطحية، فهي لم تقارب الظاهرة من الناحية الحقوقية والسياسية.. وإنما نفضت الغبار عن جانب بسيط يتعلق بالعلاقة بين الشباب داخل الأسر السعودية المخملية تحكم الأسرة في اختيار العروسة أو العريس .. وقد نجحت إلى حد ما في ذلك باختيار عنوان جذاب يثير فضول القارئ ويدعوه اكتشاف أغوار عالم مغلق على نفسه، بلغة يمتزج فيها العامي بالفصيح.. وبطرقة سجالية تحاور فيها قراء مفترضين : فتفتتح كل رسالة أسبوعية برد على بعض قرائها الرافضين لمشروعها وتتوعدهم بالمزيد من الفضائح ، بعد أن تكون اختارت لتلك الرسالة عنوانا وتمهيدا مقتبسا من القرآن، الأقوال المأثورة ، أو الشعر العربي أو العالمي، فنوعت في تلك الافتتاحيات لدرجة قد تصبح لوحدها موضوع بحث ويحق للقارئ مسائلة الكاتبة لماذا أصرت على تلك الافتتاحيات : سبع من القرآن، وأربعة أحاديث من مصادر مختلفة(صحيح البخاري، سنن ابن ماجة، وصحيح مسلم) أربع مقاطع شعرية لنزار قباني وثلاثة لجبران خليل جبران كما نوعت في أصحاب تلك الأقوال بين الفلاسفة القدماء(سقراط وأرسطو)والمحدثين (طاغور برناردشو) والمبدعين عربا وغربيين في الرواية( توفيق الحكيم ،أوسكار وايلد، بلزاك، فيكتور هوغو) الشعر (ت.س إليوت إبراهيم ناجي، بدر عبد المحسن ) سينمائيين ( محمود المليجي) وسياسيين (روزفلت ) دون أن تنسى حتى بعض الأدعية المأثورة وأدعية ومغنيات عربيات معاصرات (ذكرى، جوليا بوطرس) إضافة إلى النقاد والمفكرين من مختلف الجنسيات .. وكأن الكاتبة بذلك تسعى إلى إشهاد الجميع على وضعية المرأة السعودية، أو إرضاء أذواق كل قرائها.. بهذه الأقوال تستفز القارئ قبل أن ترد على بعض القراء لتعود لتفاصيل حكايات الفتيات الأربع حتى انتهت الرواية دون ما كان يتوقعه القارئ ودون ما كانت تتوعد به الساردة، إذ اختارت مصيرا متوقعا للمرأة السعودية، فبقيت قمرة دون زواج وهو مصير عادي لامرأة مطلقة لها ابن في السعودية ، واضطرت سديم إلى الزواج بابن خالتها ، فيما ارتبطت ميشيل بشاب إماراتي ، وتزوجت لميس من نزار: وهي أمور عادية جدا لم يخيب مصير أي منهن أفق انتظار القارئ؛ تكرس وضعية المطلقة (قمرة) ومن فرطت في شرفها (سديم) ومصير الفتاة المتحررة( مشيل) فيما قطعت بلميس إلى بر الزواج "المثالي" بعد ارتدائها للحجاب وسفرها مع زوجها لمتابعة دراستهما في الخارج. وإذا كانت الكاتبة قد لامست وضعية الفتاة السعودية ، إلا أنها اقتصرت على بعض الجوانب العاطفية الصرفة دون الوقوف على القضايا السياسية ، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية الكبرى للمجتمع السعودي، وإن كانت في بعض الفلتات قد أشارت لبعض القضايا الاجتماعية الكبرى مثل : - معاناة الأقلية الشيعية في السعودية وتكفيرها ومنع التعامل معها والشك في أكلها فلم تتوان قمرة وسديم في تحذير لميس ( من طعام الشيعة، فهم يُنَجّسون طعامَهم خفية إنْ عرفوا بأنّ سنيّاً سيأكل منه، ولا يتوَرّعون عن دَسّ السمّ فيه لينالوا ثوابَ قتل سنّي)[30] ، ولم يقتصر هذا التمييز على البطلات بل تجاوزهن للمؤسسات الرسمية ذلك أن الشرطة لما أمسكت لميس وزميلها عليا في أحدى المقاهي تم إطلاق سراحها بعد حضور والدها ، فيما تم حبس علي وإخبار والد لميس أن ( عقابَ علي سوف يكون أقسى بكثير من عقابها هي لكَوْنه من الرّافضة)[31] ، عقابه أقسى ليس لجرم ارتكبه، وإنما لكونه من الرافضة.. لكن الرواية اكتفت بهذه الإشارة السريعة دون أن تقف طويلا حول مشكلة الأقليات الشيعية في السعودية.. - احتقار غير السعودي ن وكل من تجري في دمه دماء عير سعودية تقول ميشيل :( الجميع يعتبرونني فتاة سيئة لمجرد أن والدتي أمريكية ) وتتساءل ( لم أجبر على التمثيل أمام الآخرين حتى لا يضطهدونني ؟ كيف أستطيع العيش في مجتمع جائر كهذا؟؟[32] ومن مظاهر هذا التمييز رفض الأسر السعودية ارتباط ابنها بغير السعودي، وبكل من يعتقد أو يدين اعتقادا مخالفا للسعوديين حتى ولو كان من العائلة ، فعلى الرغم من انفتاح أسرة ميشيل، ورغم كون أمها أمريكية فإن أسرتها رفضت رفضا قاطعا ارتباطها بابن خالتها فقط لأنه مسيحي - رفض المجتمع للمثلية: حتى وإن لم تعط الكاتبة أهمية لهذه القضية فقد أشارت إليها من خلال قصة نوري الذي حور المجتمع اسمه إلى نوير أصبح يطلق على أمه" أم نوير" .. وما أن سمع أبوه بنعومة ابنه من الجيران حتى (اشتاط له غضبا فدخل على ابنه وانهال عليه بالضرب بيديه ورجليه حتى أصيب الولد بكسور في القفص الصدري والأنف وإحدى الذراعين..) بل كان علمه بالحالة كافيا ليترك (الأب المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعدا عن هذا المنزل وهذا الولد الخ...) [33]. - وإن كانت الساردة قد أشارت إلى مثل بعض هذه القضايا فإنها اكتفت بالتلميح دون أن تعلن عن موقفها من هكذا قضايا.. وحتى إن حرصت على الظهور بمظهر المدافع عن المرأة السعودية فلم يصدر عنها أي موقف أو حكم في مسألة تعدد الزوجات إذ اعتبرتها الرواية مسألة عادية في المجتمع السعودي ولم توجه لها أي انتقاد؛ فأشارت إلى تخلي أب نوير على أم نوير و ابنها وذهابه ليعيش حياته مع زوجته الأخرى وجعلت الأمر ترى في الأمر قضاء وقدرا فبعد (هذه الحادثة أوكلت أم نوير أمرها لله وقررت أن هذا ابتلاء من ربها ولا بد من الصبر عليه ..)[34] وكان الأم والابن لا حقوق لهما على الأب على الرغم من بساطة الفكرة ، وسطحية المعالجة فقد استأثرت رواية بنات الرياض باهتمام القراء والنقاد منذ صدور طبعتها الأولى ، وقد يجد ذلك تفسيره في ظهور الكاتبة في بلد لم ينجب روائيات لهن وزنهن على الساحة العربية، و تقديم المرأة السعودية في صورة القانعة الراضية بواقعها ، واهتمام هذه الشابة الشديد بموضوع اجتماعي مسكوت عنه، إضافة إلى تركيزها على الشباب والعلاقات العاطفية في بلد يحرم أي لقاء بين شاب وشابة، وشعور الفتاة السعودية بضغط كبير أمام أبناء بلدها مما جعلها ( ترتاح للاختلاط بالرجال غير السعوديين أكثر من الرجال السعوديين)[35] فكانت الرواية صوتا داخليا عالما بما يروج في كواليس أسر مجتمع مغلق تشكل فيه االإنترنيت متنفسا يتلاقى فيه الشباب ولو افتراضيا فعبر هذه الشبكة الافتراضية (حصلت لميس من خلال الشات على عدد هائل من أرقام هواتف الشبان ... صرح لها المئات بإعجابهم بشخصيتها )[36] فشكلت هذه الشبكة وسيلة (للضحك والتسلية و"الاستهبال" على الشبان في مجتمع لا يسمح بذلك في أي مكان آخر)[37] . وكأنها تنتقم لما يمنعه الواقع لم (لميس لم تتعرف إلى أي من الفتيات ، كان كل من على لوائحها للأصدقاء من الجنس الآخر)[38] فشهد بذلك (شاهد من أهلها ) ولو كان هذا الصوت خارجيا ، أو لكاتبة غير سعودية ، لاعتبر صوتا كيديا... ولذلك تقول الساردة ( استهجن الجميع جرأتي في الكتابة ويلومونني على ما أثيره من مواضيع "التابو" التي لم نعتد مناقشتها في مجتمعنا بهذه الصراحة وخاصة من قبل فتاة صغيرة مثلي )[39]