لا يوجد هناك أدنى شك في أن التساقطات المطرية التي شهدتها بلادنا خلال هذه الآونة قد تمكنت من إماطة اللثام عن واقع اجتماعي وتنموي هشين ومترديين إلى حدود الانحطاط. فغالبية، إن لم نقل كل، الذين تضرروا من جراء ذلك، يعيشون حياة البؤس والفاقة والعوز والحرمان، ولا يوجد بحوزتهم من الممتلكات والوسائل والعتاد والمؤن سوى قليل جدا لا يسد حتى الرمق، ولا يرقى أبدا إلى مستوى مقاومة وردع تقلبات الطبيعة مهما بلغت حدتها أدنى الدرجات من البساطة والاعتدال. كما أن الأراضي والأماكن والمجالات التي يستوطنوها، أو بعبارة أدق تلك التي يمكثون بها، لازالت عذراء، وبكارتها التنموية لم يصبها الأذى، فالمسئولون عن ذلك لم يشأ بهم المقام بعد أن دنسوا طهارتها ببرامج تسفر عن إطلاق مشاريع من شأنها أن تمنح الساكنة مثقال ذرة من الأمل، والإحساس بالحياء والوجود. أزالت الأمطار الأخيرة إذن كل الأقنعة، وكشفت كل التواطؤات، ولم يبق أمام القيمين على الشأن الوطني والمحلي سوى سياسة الهروب إلى الأمام، واعتماد لغة التهليل بجودة الموسم الطقسي، والتهدئة من روع النفوس، والاطمئنان المشبع بالنفاق، والتنصل من المسؤولية. وتأتى لهم كل هذا من خلال إطلالات متتالية ومقتضبة عبر مختلف قنوات التواصل الجماهيري، حيث هبوا مسرعين ليزفوا أخبارا تنم عن خير وسلام، وتفيد كذلك بلغة خجولة ممزوجة بالمكر والخداع عن: - تدخلات مستعجلة أثمرت عن إنقاذ هؤلاء، ولم تفلح في مساعدة أولئك الغرقى الذين جرفتهم السيول وحطمت وجودهم بالتمام والكمال. - لجان ملاحظة ومراقبة وتتبع، لما أفضت إليه السيول والفيضانات من تعرية للفساد والغش المحاطين بتماسيح وعفاريت تتمتع بحصانة الحكومة الوارفة لحاها. - تقارير إحصائية، مشبعة بعبارات تبعث إلى تهدئة النفوس وإطفاء شرارات بقيت وامضة من تحت الأوحال، تؤكد من خلالها، أنه على الرغم من الأضرار والخسائر الجسيمة التي لحقت البلاد والعباد جراء هذه الأمطار، فإن لهذه الأخيرة بالمقابل وقع إيجابي على الموسم ككل، لاسيما فيما يخص الفرشة المائية ومنسوب مياه السدود. وتجدر الإشارة إلى الأهمية التي تحتلها هذه الأخيرة في السياسة العامة للدولة، التي بموجبها أمست وافرة العدد تغطي جل المناطق المغربية، ومبثوثة بناياتها على طوال مختلف الأنهار التي تزخر بها البلاد، كما نسجل أن الغاية من غالبيتها كما هو ملاحظ لدى العموم، هي إنتاج الطاقة الكهربائية. هذان العنصران الحيويان لدى الجميع، أضحيا بمثابة لهيب من النار تكوى به جيوب مختلف مكونات الشعب المغربي، على الرغم من كل مظاهر الخير والثراء التي تزخر بها البلاد. ومن ثم يبدو جليا أن ما كان غائبا لدى أصحاب القرار هو تلك الأسئلة الحارقة التي تغص حناجر وأفئدة العامة والمحرومين وكل مسلوبي الكرامة، التي من بينها ما يلي: - لماذا تتحول هذه الخيرات، وهذه الوفرة والكثرة حيث يقيم هؤلاء، إلى ندرة وعوز وفاقة تصيب إياهم وأبناءهم، وتزج بهم في خندق الفقر والحرمان والتهميش والاستغلال؟ - لماذا يتنصل المسؤولون من فتح تحقيقات شفافة فيما يخص الاختلالات التدبيرية والتسييرية التي أفضت من جانبها إلى الواقع الهش للبنية التحتية بالبلاد؟ - ما الموقع الذي يحتله مفهوما التخطيط الاستراتيجي والحكامة ، داخل السياسة الحكومية عامة، والسياسات المحلية بشكل خاص؟ إنها أسئلة تتدفق بكل فصاحة من أفواه أولئك المستبعدين من خيرات هذه البلاد، أولئك الذين تنهب ثرواتهم تحت ذريعة تشييد بنيات تحتية مغشوشة، وهمية ومفخخة، إنهم بالتحديد حاملو عرش المستشارين والنواب البرلمانيين، وكذلك حاملو عرش المستشارين الجماعيين الحضريين والقرويين. لاريب أن كل التراب الوطني يغص بنماذج متعددة ومختلفة، يسري عليها ما ذكرناه أعلاه بهذا القسط أو ذاك ، ونورد من بينها مثالا للتحليل والنقاش يتعلق بالجماعة القروية أم الربيع إقليمخنيفرة. هذه الجماعة التي تعتبر، بلغة التضليل والازدراء، من بين أغنى الجماعات القروية بالمغرب، إذ تتميز بثراء طبيعي متعدد ومختلف المصادر، وتنوع بيولوجي وسياحي متميز، وفائض في ميزانية لا تنضب مواردها. لكن الوضعية الحقيقية للمجال الترابي الواقع تحت نفوذها على عكس ذلك تماما، حيث لازال يقبع في نسيان رهيب، لا يستفيد شيئا من كل ذلك، ولا تولى له أية أهمية تذكر في مخططات الجماعة بالمرة. توصف الجماعة عند الأهالي بكونها جزيرة كنوز غارقة في بحر آسن من الظلمات والنسيان، تئن تحت وطأة تسلط حفنة من الأيادي الملوثة بتهم الفساد والزبونية والرشوة والريع، وشراء وبيع الذمم. تتحكم بقبضة حديدية بكل الموارد التي يؤتيها الثراء والكثرة والتنوع التي تزخر بها الجماعة، بينما تزج بالمنطقة في مستنقع بؤس وندرة وحرمان وهشاشة قل لها نظير. وإذا كان أمر هذه الجماعة كذلك، فإن ما يثير الانتباه هو صحوتها المفاجئة والمباغتة والمتناقضة مضامينها، خلال الشهور القليلة الماضية، أُفرج بمقتضاها عن برنامج عمل يحوي في طياته مشاريع مبتورة لصالح ساكنة مناطق نفوذها تارة، ولفائدة مناطق خارج نفوذها الترابي تارة أخرى. مما أثار جدلا عميقا بخصوص حيثيات هذه الخطوات التي أقبلت عليها الجماعة، خاصة حينما تأكد بالملموس لدى الأهالي أن جل هذه المشاريع لا تراعي المصلحة العامة، ويغيب عنها تماما بعد التخطيط والملائمة والجودة والإتقان، ويسودها بالمقابل طابع العشوائية، والريع، والابتزاز المرتبط بشأن الحملات الانتخابية السابقة لآوانها. تحفل المنطقة بشتى الشهادات والحوادث والوقائع التي تزكي هذا الطرح الذي نمتطيه في مناقشتنا لواقع هذا المجال الترابي، ما يسمح لنا بالتالي أن نغرف منها بعضا من الأمثلة للتوضيح والتفصيل والبيان، كالآتي: أ- نذكر بداية أن غالبية أعضاء المكتب المسير بجماعة أم الربيع، من ذوي السوابق، حيث اتهم البعض منهم بالرشوة وحكم آخرون لنفس السبب، وعزل البعض الآخر في السابق بتهم الفساد والسرقة والرشوة، وفئة أخرى نهبت ما استطاعت إليه سبيلا واغتنت غنى فاحشا. ب- أقيم مهرجان بمنطقة "ويوان" بتمويل خاص من جماعة أم الربيع، لمختلف أطواره، وكذا لبذخه وفحولته وخصوبته. كل ذلك من أجل تمتيع "أناس ما" بالفرجة والتسلية، ولما لا بالثقافة، كما كان شعار المهرجان، من قبيل تلك التي تتمتع بها رئاسة الجماعة وكل من يجري في مدارها، وتضليل وتنويم آخرين بما يدعونه داخل المكتب المسير للجماعة بالتراث... ت- تلا مباشرة بعد اختتام المهرجان السابق، بداية الدخول المدرسي الذي عرف تشنجات وتطاحنات وصراعات حادة، بالمنطقة حيث نفوذ جماعة أم الربيع، بين التلاميذ(مستوى إعدادي) المنحدرين من المنطقة ذاتها بمعية آبائهم وأولياء أمورهم من جهة، ورئاسة الجماعة من جهة أخرى. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأخيرة عمدت إلى منع هؤلاء التلاميذ من حقهم في التمدرس برفع اليد والتخلي عن التزاماتها المتفق عليها سابقا بخصوص تمويل دار الطالب الواقعة بالمؤسسة التعليمية حيث يتابع التلاميذ دراستهم، لاسيما أنها تشكل المأوى الوحيد لهم دون سواه بجوار المؤسسة. ونظرا لهذه الوضعية، فقد تعرض المعنيون بالأمر لضغوطات واستفزازات وابتزازات استبدادية من طرف رئاسة الجماعة التي ما فتئت خلال تلك الآونة تهدد وتسب وتشتم الرب والأرض والناس، وضربت عرض الحائط كل التوجهات الرسمية الداعية إلى محاربة الهدر المدرسي وتشجيع تمدرس الفتاة القروية والتعليم عامة والعمل على الرفع من مردوديته وجودته، متحدية الجميع بمنطق استبدادي ديكتاتوري محلي، مما دفع بالمعنيين بالأمر إلى تنظيم مسيرات على الأقدام اتجاه مريرت وخنيفرة لرفع الشكوى والتنديد بهذه السلوكات غير المهنية واللاأخلاقية واللاإنسانية. ث- خلال تلك الفترة ذاتها، أفرجت جماعة أم الربيع عن رزنامة من مشاريع تروم شق منافذ ومسالك طرقية دون تسويتها ولا تعبيدها ولا تهيئتها بالأدنى من المواد والتجهيزات الضرورية لذلك، حيث تم الاكتفاء فقط بعملية الحفر بجرافة في ملكها وتطعيمها أحيانا ببعض الرتوشات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، حيث لم تصمد قط أمام الأمطار الأخيرة التي جرفتها ولحقت بها أضرارا جسيمة تستدعي التدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه (قنطرة بأولغس جرفت بكاملها...). وقد أفضى مجملها إلى بروز جدالات وقلاقل واحتجاجات ومناوشات وتشنجات بين الأهالي بسبب يُلخًص في كونها (المشاريع)لا تفيدهم جميعا فحسب، بل تضر بالممتلكات والمصالح الحيوية للبعض، ولا تدخل في نطاق المصلحة العامة (مسلك طرقي بمنطقة تقليت، منفذ ومسلك طرقيان بمنطقة أنكزظم...) من جهة، وفي كون بعضها شُيد بمواد لا ترقى أبدا إلى المستوى الأدنى المطلوب تحقيقه، وبأياد تفتقد المهنية والمهارة أو بالأحرى تفتقر نهائيا إلى أبجديات التجهيز والبناء ( قنطرة على واد موسمي بأولغس أيت سيدي احمد أعلي...) من جهة ثانية، وفي كون إحداها لا تدخل أصلا في نطاق المجال الترابي لجماعة أم الربيع (مسلك طرقي حيث توجد القنطرة المذكورة بأولغس أيت سيدي احمد أعلي التابع للمجال الترابي لجماعة البرج التي تمتد إلى حدود الغابة "إمل ن سطى بالتعبير المحلي"...) من جهة ثالثة، وأخرى شُيدت بعشوائية أثثتها حسابات أملاها الهاجس الانتخابي المحض من جهة أخرى. ج- توج هذا البرنامج قصير الأمد بحفلات وولائم وموائد شاذة وماجنة عند كل من رئاسة الجماعة ولدى بعض من الموالين له بالمجلس الجماعي، فاحت روائحها الكريهة بعيدا حتى زكمت أنوف المغاربة جميعا. وتمثل ذلك في تأثيث وتجهيز الموائد بمختلف الأطعمة والمشروبات التي تنم عن الإسراف والإفراط والبذخ، وتقديم خرفان مشوية قربانا طلبا للرأفة والغفران من الخطيئة من ذوي المقام العالي، واستمالة لذوي الفاقة والنفوس الضعيفة. ح- غضت جماعة أم الربيع الطرف عمدا وبشكل مقصود عن الواقع المزري للطريق الرابطة بين مريرت وأولغس "أكرض أسراف حيث مجال نفوذها" وعدم إبداء أية نية من أجل إصلاحها وصيانتها بما يؤهلها للاستعمال والمرور. كما صمت الجماعة الآذان ضد الأصوات التي تصيح وتنادي منذ فترة بعيدة، بضرورة ترميم وتهييء جزء من الطريق الرابطة بين خنيفرة وعيون أم الربيع عبر منطقة "أنكزظم وأغبال" الواقع بالمنطقة ذاتها، لفك العزلة عن هذه الأخيرة، وتأهيلها تنمويا. وللإشارة فإن المنطقة شهدت بداية الصيف المنصرف عاصفة من الرعد والبرد أودت بممتلكات الناس وجرفت المباني وألحقت أضرارا جسيمة بالطريق موضوع الحديث التي توصل البلدة بمدينتي مريرت وخنيفرة. يمكن أن نستقي من خلال هذه الأمثلة والوقائع عدة ملاحظات واستنتاجات جد مفيدة. فأول ما تُظهره هو أن سجل جماعة أم الربيع فسيح يأوي الفالح والطالح، كما يتبدى من الواقعة (أ) التي تفصح جليا عن الغرابة التي تطبع الحالة والوضعية القانونية لرئاسة الجماعة ومكونات مكتبها المسير، ومن ثمة يُطرح السؤال عن البعد الأخلاقي في السياسة وأهميته فيما يخص إسناد المناصب الخاصة بمهمة تدبير وتسيير الشؤون العامة، التي يصر الخطاب الرسمي على ضرورة ربطها بالشفافية والمحاسبة. وثانيا، تنجلي من خلال (ب) و(ت) مفارقة بالغة الأهمية، حيث أنه إذا كان المكتب المسير للجماعة يروم من خلال المهرجان المذكور الاحتفاء بالتراث والثقافة المحليين وجعلهما محط أنظار المغاربة جميعا والعالم بأسره، فكيف تبدي رئاسة الجماعة معارضة شرسة اتجاه تمدرس أبناء المنطقة؟ ولماذا يغض مكتبها المسير الطرف عن المشكلة ذاتها دون أن يبدي أحد رأيا في الموضوع الذي رُج بالبلاد كاملة؟ ومن تنتظره الجماعة أن يقوم بالمهمة التي تريد إشعاعها إن لم يكن هؤلاء الصبيان؟ ومن سينتظرونه هؤلاء أن يمدهم بقروش تؤويهم من البرد وتوفر لهم الزاد والمؤونة لمتابعة دراستهم، لاسيما أن المؤسسة معزولة وتفصلها مسافات طويلة عن مساكن آبائهم؟ وإذا لم يسْع هؤلاء لطلب حقهم هذا من الجماعة، فما هي غايتهم إذن من الوجود؟ يتضح إذن، بشكل لا غبار عليه، أن مساعي الجماعة على هذا المستوى (أي الثقافي والاجتماعي) ليست سليمة تماما، ولم تكن خالصة لوجه الله، بل يشوبها الغموض بالكامل، حيث يغلب النفاق والخديعة على الصراحة والوضوح، وبالتالي فإن الرغبة الجامحة في الإسراف والتبذير من أجل الخاص، والبخل والشح والجحود فيما يخص العام، ليست في حقيقة الأمر سوى مساعي حثيثة باعثها الحصول على تزكية اجتماعية وسياسية لفعل النهب، وطلب الجاه، وانتشار الصيت، وتبييض كل ما يلتهمونه من الأموال والثروات عن سبق الإصرار والترصد، ومن ثمة تعبيد الطريق نحو الزبونية والريع المريعين. ثالثا، يتبين من (ث) و(ج) و(ح) أن إبداء اللامبالاة اتجاه مطالب العامة، وفرض وإقحام شبه مشاريع لا تفيد إلا القلة القليلة أمر مدهش فعلا، وتبين كذلك بجلاء التخبط العشوائي للجماعة في ما يخص التدبير والتسيير، حيث تفتقر لأية بوصلة تنموية توجهها، ولا تتوفر على أية خطة أو استراتيجية عقلانية وتشاركية من شأنها فسح المجال أمام الفاعل السياسي والفاعل الجمعوي والساكنة للتعبير عن حاجات وطموحات وتطلعات الفئة المستهدفة، ومن ثمة إبداء الرأي والاستشارة، وبالتالي المشاركة في اتخاذ القرارات، وتدبير وتسيير الشأن العام. إن الانفراد والتعصب للرأي الواحد، والتسلط في اتخاذ القرار وتدبير الشأن العام، هي مظاهر ونعوت للاستبداد، الذي ليس سوى وضع يد حديدية على ملك الغير دون وجه حق. كما أن ما تفضي إليه من الخصومات والقلاقل بين أوساط الأهالي بتزكية القيمين عليها، يستدرجنا إلى القول بمكر سياسة هؤلاء، التي لا تروم حقيقة سوى التفرقة بين الناس وخلق تشنجات وتصادمات بينهم، وتحريض بعضهم على بعض مما يفسح المجال أمامهم لاقتناص الفرص وجس النبض لقياس براميتري للرأي المحلي بخصوص ميولات وتوجهات الأصوات الانتخابية، ومن ثمة تحقيق توازنات بأقل قدر ممكن من التكاليف والخسائر تجعلهم في منأى عن كل الاتهامات، وبالتالي وصول المبتغى أي السيادة والتمتع بملذات الحياة وشهواتها على حساب نفقات الجماعة طبعا دون حسيب ولا رقيب. نخلص في النهاية إلى التأكيد على أن جماعة أم الربيع التي تزخر بوافر من الموارد المادية والطبيعية والبشرية، لا تفيد ساكنتها من ذلك في شيء فحسب، بل تعمد بكل ما أتيت من جهود وحيَل وقوة لإبقائها على ما هي عليه من جهل وفقر وعزلة. وأن الرهان الحقيقي الذي يسعى هؤلاء بلوغه بشكل حثيث، هو تشييد وترسيخ اللبنات الأساسية لفعلَيْ الزبونية والريع، ثم تقعيد أسسهما وشرعنتهما على حساب الفئات المقهورة، بالتالي تبسيط المساطر للاستفادة منهما وتحيُّزهما. مما يتضح منه أننا أمام تحديات كبيرة، متعددة ومتشعبة، تلزم كل من الفاعل السياسي الأنيق ذي السيرة والأخلاق الحسنة، والمجتمع المدني القائم على مبدأ العمل التطوعي الفعلي، والسكان المحليين الغيورين على بلادهم، بتعبئة طاقاتهم على جميع المستويات لمواجهة الوضع القائم هناك بحنكة وجرأة وشجاعة تضع مصلحة المنطقة فوق كل اعتبار، ما قد يتطلب منهم الكثير من التضحيات طبعا، أولها التفكير الجدي والرصين والبحث العميق للإجابة على أسئلة من قبيل الآتية: - لماذا لا تستهوي مثل هذه المؤسسات سوى الكلاب الضالة والوحوش المفترسة؟ - لماذا تواجههم العدالة بالوقار والاحترام؟ - ألا تستوجب الحكامة، المحاسبة والعقاب؟ - هل لدى الساكنة بالفعل تدخلا من قريب أو من بعيد، في ما يجري هناك؟ - ألا توجد أياد خفية تمهد السبل، لأشباه الساسة هؤلاء، من أجل بلوغ تلك الكراسي الوثيرة؟ - هل للمخزن حضور قوي بساحة الورى؟ وما انعكاسات ذلك على مختلف فئاتها؟ - كيف يتمثل الناس ما يجري حولهم؟ - كيف يُخدعون وتُكبل عقولهم وتُغمض عيونهم، بشكل يمنع عنهم النظر بالعقل والعين؟ - لماذا يُستعبد الناس في سجون شاسعة محاطة بسياج وأشواك من الخيرات والثروات؟ - كيف السبيل إلى الانعتاق من القيود التي تكبلهم وتحول دون استفادتهم من خيرات بلادهم؟ - ما العمل إذن في ظل الواقع الراهن؟