مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقتصاد الريع. ماذا بعد نشر لوائح الرباح؟ مضت أكثر من سنة ونصف على نشر أول لائحة للمستفيدين من مأذونيات النقل الطرقي للمسافرين، ثم مأذونيات استغلال المقالع. فما الذي تحقق فعلا لمحاربة الريع في هذين المجالين؟
نشر في كود يوم 24 - 12 - 2013

صنع عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، التاريخ حين نشر يوم 29 فبراير 2012 لائحة بأسماء المستفيدين من رخص النقل الطرقي للمسافرين. لأول مرة في تاريخ المملكة يتعرف المغاربة على أسماء لمقربين من القصر وسياسيين ومواطنين بسطاء يستفيدون من جزء من اقتصاد الريع، أو "الكريمات". في 12 نونبر من السنة نفسها، ستعيد الحكومة الكرة بنشرها للائحة تتضمن معطيات حول الشركات التي تستغل المقالع المرخص لها من طرف وزارة التجهيز والنقل.
على مدى عقود ترسخت قناعة لدى الرأي العام المغربي أن اقتصاد الريع يقترن بنظام المأذونيات (الكريمات)، وأن أسماء المستفيدين من هذه الرخص المثيرة للفضول سر من أسرار الدولة كشفه يوما ما. حصل الكشف، فتساءل الجميع عن الخطوة الموالية. ماذا بعد؟ لم تكد تمض أيام على الكشف حتى صار عبد الإله بنكيران يتحدث عن إجهاض الإصلاح وعرقلته من طرف المستفيدين من الريع. فما الذي حصل فعلا منذ 29 فبراير 2012؟ من عرقل جهود الحكومة لمحاربة الريع؟ أم أن الأمر مجرد تبرير لغياب رؤية واضحة للإصلاح، مقابل الاقتصار على نشر لوائح تعود بربح سياسي وانتخابي على الحزب القائد للحكومة؟

المال مقابل الريع!
كان يجب الانتظار منذ 29 فبراير 2011 إلى غاية أكتوبر 2012، حين نظمت "مناظرة وطنية حول إصلاح قطاع النقل الطرقي للمسافرين". بناء على توصيات هذه المناظرة، وكذا على خلاصات دراسة أعدها مكتب دراسات فرنسي لصالح الوزارة، فضلا عن لقاءات مع المهنيين، كان يفترض أن تودع الوزارة مشروع قانون جديد لدى الأمانة العامة للحكومة في نونبر 2012، حسب وثيقة رسمية لوزارة التجهيز. قانون يفتح المجال لتحرير هذا القطاع، أي فتحه في وجه المنافسة الحرة أمام أي مستثمر تتوفر فيه شروط معينة يحددها دفتر تحملات. سنة بعد ذلك لم يظهر أثر لأي قانون جديد.
في شتنبر 2013 ظهر أخيرا إجراء عملي يعبر عن خطة الحكومة لتحرير قطاع النقل الطرقي للمسافرين. في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة تقترح حكومة عبد الإله بنكيران "إحداث خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير 2014 إلى 31 دجنبر 2016 منحة تخول للأشخاص الذاتيين أصحاب المأذونيات (أي الكريمات) الذين يرغبون في التنازل، لفائدة الإدارة، عن مأذونيات خدمات النقل العمومي الجماعي للمسافرين عبر الطرق الذين حصلوا عليها وفق أحكام الظهير الشريف 1.63.260 الصادر في 12 نونبر 1963 (...) سواء كانت هذه المأذونيات مستغلة من لدن الغير أو غير مستغلة."
يتحدد مبلغ التعويض عن كل مأذونية تشتريها الدولة بناء على طول الخط موضوع المأذونية، إضافة إلى تفاصيل تقنية أخرى حول جودة المركبة. يتعلق الأمر عموما ما بين 1000 درهم للكلمتر الواحد كحد أدنى و6000 درهم للكلمتر كحد أقصى، تمنحها الحكومة لأصحاب المأذونيات الذين نشرت أسماءهم في 29 فبراير 2012. سوى أن مسؤولا في وزارة التجهيز والنقل يستدرك مدققا "هذا العرض يعني فقط المستغلين الذين لا يرغبون، أو لا يستطيعون الخضوع لشروط يحددها دفتر تحملات جديد سوف تصدره الوزارة، يحصل بموجبه المستثمرون بكل حرية وشفافية في إطار طلبات عروض على حق الاستثمار في هذا القطاع. أما الذين يملكون المأذونيات ويخضعون للشروط الجديدة فلن تشتري منهم الدولة مأذونياتهم."
في 20 نونبر 2013 صادق مجلس النواب على هذا المقترح، من خلال مصادقته على مشروع قانون المالية. مبدئيا أصبح بإمكان المستفيدين من اقتصاد الريع تتويج استفادتهم ببيع المأذونيات للدولة مقابل تعويضات مالية مجزية. خاصة أن 78 بالمائة من مجموع مأذونيات هذا القطاع يملكها أشخاص ذاتيون، استنادا لوثيقة رسمية لوزارة التجهيز والنقل. أي في وضعية تجعلهم، مبدئيا، يفضلون بيع مأذونياتهم للدولة مقابل التكاليف التي ستلزمهم بها شروط دفاتر التحملات المرتقبة.
"يبدو الأمر صادما لأول وهلة. لا يمكن أن نتقبل فكرة أن الدولة تمنح تعويضات مالية للمستفيدين من الريع الذي نطالب أساسا بإلغائه. لكن هذا مجرد رد فعل أولي ولا يمكنني حاليا أن أبلور موقفا أكثر دقة، نظرا لأنني لا نتوفر بعد على معلومات حول الدراسات التي يفترض أن وزارة التجهيز والنقل أنجزتها لتخلص لهذا الحل." يعلق عبد الصمد صدوق، الكاتب العام لمنظمة "ترانسبرانسي المغرب".
في 6 دجنبر 2012 وجه المكتب التنفيذي لهذه الجمعية المتخصصة في محاربة الرشوة رسالة مفتوحة لرئيس الحكومة يتساءل فيها "هل تتوفر الحكومة على استراتيجية لمحاربة الفساد؟"، معتبرا أن ""أكبر حليف لآفة الفساد هو الإطناب في التصريحات". اليوم يضيف عبد الصمد صدوق "مبدئيا نعتبر المأذونيات ريعا غير مستحق. فالمصدر الوحيد للدخل المشروع، كما هو معروف، هو الاسثتمار أو الأجر مقابل العمل. بطبيعة الحال هناك حالات اجتماعية معينة يصعب أن تسحب منها المأذونيات بين عشية وضحاها. لكن مرة أخرى هذا مجرد رد فعل أولي لا أستطيع أن أقول أكثر منه في غياب المعطيات التي تبرر ما لجأت إليه الوزارة بخصوص ريع النقل الطرقي للمسافرين."

لماذا البداية من الصفر؟
ما الذي دفع وزارة التجهيز والنقل لهذا الاختيار؟ هل واجهت مقاومات من طرف المستفيدين من ريع النقل الطرقي للمسافرين فرضت عليها هذه الصيغة لإلغاء نظام المأذونيات؟ "مقاومة الإصلاح التي يتحدث عنها رئيس الحكومة لم نعشها في هذا الورش. كل ما حصل هو تدافع سياسي واختلاف في وجهات النظر بين الأحزاب والفاعلين حول صيغة الإصلاح. حتى أن الإضرابات التي حاول البعض تنظيمها لإرباك الإصلاح لم تنجح." يشرح مصدر مقرب من وزير التجهيز والنقل. مضيفا "نحن بصدد مأذونيات قانونية، حصل عيلها المستفيدون منها في إطار القانون، رغم أنه قانون ينظم الريع. لا يمكننا أن نسحبها منهم هكذا ببساطة."
بالمقابل لا يتردد وزير من حزب العدالة والتنمية في التأكيد على أن "مستفيدين من الريع بذلوا جهودا لإحباط الإصلاح، ونظموا إضرابات كانت تهدد بشل الحركة في البلاد. وكل ذلك أدى إلى تأخر إخراج دفاتر التحملات الجديدة."
تبدو الأمور مبهمة إلى حد كبير. العنصر الواضح الوحيد الواضح في حديث مصادر من حزب العدالة والتنمية، عن "عرقلة الإصلاح"، يتجلى في تسمية نقابة للنقالين مقربة من حزب الاستقلال، تتهم بالعمل على إجهاض الإصلاح. في حين يرد ممثلو هذه النقابة بأن الإضرابات التي نظموها لم تكن سوى رد فعل على تجاهل الوزير لهم، ووسيلة للضغط عليه كي يشركهم في النقاش حول خطته للإصلاح.
بقدر ما استفاد حزب العدالة والتنمية، القائد للحكومة، إعلاميا وسياسيا من إشهار لوائح بأسماء المستفيدين من ريع هذه المأذونيات، يبدو تدبيره لما بعد الإشهار موسوما بالارتباك. المدهش في الموضوع أن صيغة أخرى للإصلاح كانت متاحة أمامه منذ يوم 3 غشت 2011.
في هذا التاريخ أودع كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل السابق، لدى الأمانة العامة للحكومة "مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.63.260 الصادر في 12 نونبر 1963 في شأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق". هذا المشروع ما يزال إلى اليوم منشورا على الموقع الالكتروني الرسمي للأمانة العامة للحكومة على الرابط (http://www.sgg.gov.ma/portals/0/AvantProjet/2/loi_trv_Ar.pdf)
يتضمن النص برنامجا لإلغاء نظام المأذونيات وتعويضه بنظام حر للحصول على تراخيص الاستثمار في النقل الطرقي للمسافرين، من خلال طلبات عروض ودفاتر تحملات تلزم المستثمرين بشروط معينة. على سبيل المقارنة يقترح هذا المشروع "إجراءات انتقالية" للتعامل مع المستفيدين من المأذونيات دون تعويض مالي، في وقت يقترح فيه الرباح تعويضهم بمبالغ مالية من خزينة الدولة.
وهكذا ينص مشروع قانون غشت 2011 على "الإلغاء التلقائي للحقوق في الترخيص المخولة بموجب سندات القبول التي لم يتم تشغيلها منذ منحها، أو توقف تشغيلها لمدة تزيد عن سنة. عند تاريخ دخول النظام الجديد حيز التنفيذ سيتم إلغاؤها تدريجيا."
أما المأذونيات المستغلة عند تاريخ دخول النظام الجديد حيز التنفيذ، فيرصد مشروع القانون أجل ثلاث سنوات لتسوية وضعيتها. "بالنسبة لتلك الحقوق التي تنتهي صلاحيتها خلال ثلاث سنوات، سيتم تمديد صلاحيتها لفترة ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ دخول النظام الجديد حيز التطبيق. بالنسبة لتلك الحقوق التي ينتهي تاريخ صلاحيتها بعد فترة الثلاث سنوات، الاحتفاظ بها إلى حين نهاية صلاحيتها."
يتوجه المشروع لفئة أخرى من المتدخلين في هذا القطاع، وهم أرباب الحافلات، الذين "يستفيدون قبل تاريخ دخول النظام الجديد حيز التطبيق، بفترة انتقالية للقيد في السجل الخاص بالمهنة بدون الحاجة إلى إثبات الشروط التقنية المتعلقة بالكفاءة المهنية والقدرة المالية (وهي الشروط التي يلزم بها المستثمرين الآخرين). إلا أنه يتعين عليهم استيفاء هذه الشروط بعد انصرام أجل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ."
يتعلق الأمر، عموما، بنفس الصيغة التي اعتمدت سنة 2005 لإلغاء مأذونيات نقل البضائع وتحرير القطاع.
في 25 نونبر 2011 أجريت انتخابات سابقة لأوانها عجلت برحيل كريم غلاب عن وزارة التجهيز والنقل ليخلفه عبد العزيز الرباح. كما تقضي بذلك أعراف العمل الحكومي، سحبت الحكومة الجديدة جميع مشاريع القوانين التي خلفتها الحكومة السابقة قصد الإطلاع عليها وتحيينها أو تجميدها. فما الذي جعل الرباح يغض الطرف عن هذا المشروع ويكتفي بنشر لائحة المستفيدين من المأذونيات في 29 فبراير 2012، ثم يقترح سنة ونصف بعد ذلك خطته لشراء المأذونيات من مستغليها؟

شبهة الحسابات الانتخابية
إلى غاية يوم 23 دجنبر 2013 لم تتوصل "كود" بجواب لهذا السؤال من عبد العزيز الرباح. أحد مساعديه المقربين يؤكد من جهته "لم نعثر على أية لائحة ولم نرث أي قانون عن الحكومة السابقة. ما قمنا به بدأ في ظل هذه الحكومة. قضينا وقتا طويلا من العمل لإعداد اللائحة التي نشرت لأول مرة في تاريخ البلاد."
في حين يتشبث مقرب من كريم غلاب بأن الأخير خلف تصورا متكاملا لتحرير قطاع النقل الطرقي العمومي للمسافرين. "بالنسبة إلينا كان الأمر مجرد مرحلة من ضمن مسار ابتدأ منذ سنة 2002، إذ تم تحرير العديد من الخدمات العمومية التي كانت تخضع لرخص ريعية. لكن انتهاء ولاية الحكومة بشكل مبكر أوقف كل شيء. كما أن اللائحة التي نشرتها الحكومة الحالية، كانت جزء من وثائق مشروع القانون، ننوي نشرها بعد عرضها على البرلمانيين. إذ لم نكن نريد الإثارة أو نشر اللائحة دون سبب نزول، بل الاستجابة لحاجة مجتمعية. فأصوات مجتمعية كثيرة كانت ترتفع طيلة تلك الفترة للمطالبة بمعرفة من يستفيد من الريع في هذا القطاع."
بالنسبة للمعارضة، محاربة الفساد مجرد شعار تتستر وراءه أهداف انتخابية. "هذه الحكومة لا تسعى سوى لما يمكن أن يجلب لها الأصوات. بدل تفعيل القانون الذي ورثته عن كريم غلاب، مع تعديله إن تطلب الأمر، اكتفت بنشر اللائحة الشهيرة لحسابات انتخابية محض. ثم سارعت لتحرير النقل المزدوج في العالم القروي، بهدف نيل الأصوات الانتخابية. لولا أن وزارة الداخلية أوقفت هذا المشروع، لكونه لا ينبني على أسس موضوعية. إذ يطلب من "الخطافة" محاضر مخالفات أنجزها لهم الدرك الملكي ليتأكدوا أنهم "خطافة" فعلا، ويحصلوا على الترخيص. كما أن الرخص الجديدة لا تتضمن تحديدا دقيقا للخطوط داخل الإقليم الذي تسلم فيه. ما يمكن أن يهدم التوازن الذي يقوم عليه سوق النقل في العالم القروي." يشرح عادل بنحمزة، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال.
وزارة الداخلية أوقفت فعلا عملية منح التراخيص ل"الخطافة"، لكن لأسباب "تقنية" فقط ولا علاقة لها بعرقلة الإصلاح، يشرح من جانبه مقرب من الوزير الرباح. "لكن العملية استئنفت في ما بعد، وتمنح الرخص بناء على دفتر تحملات. وتمت تسوية وضعية العديد من النقالة السريين. بل إننا ندرس إمكانية دعم المعطلين للاستفادة من هذه الرخص، بعد نقاش مع رئاسة الحكومة ووزارة المالية." يضيف نفس المتحدث.
في 2012 كان يفترض أن تجري الانتخابات الجماعية السابقة لأوانها بعد التصويت على الدستور الجديد. نشر لوائح المستفيدين من الريع قدم الحكومة والحزب القائد لها والمسير لوزارة التجهيز، في صورة محاربي الفساد، ومكنهم من مكاسب انتخابية كبيرة. ففي ثلاث انتخابات جزئية خلال سنتي 2012 و2013 لم يفقد حزب العدالة والتنمية سوى مقعد واحد من المقاعد ال107 التي حصل عليها في 25 نونبر 2011.
بالمقابل لا يقدم الحزب، من خلال رئيس الحكومة ووزير التجهيز، أي تفسير للتخلي عن مشروع قانون جاهز منذ غشت 2011 لإلغاء المأذونيات في قطاع النقل الطرقي للمسافرين. إلى غاية يوم 18 دجنبر 2013 ما يزال محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب الجديد في قطاع النقل، يتحدث فقط عن "عن اعتماد جدولة زمنية لمجموعة من اللقاءات التي ستنفتح على مختلف المهنيين وفق جدول أعمال واضح المعالم يخص أساسا تحديد رؤية الإصلاح وتشخيص مكامن ضعف القطاع للخروج بخلاصات من شأنها النهوض بهذا القطاع الهام." استنادا لنص البلاغ الصادر عقب سلسلة من الاجتماعات عقدها بوليف مع العديد من ممثلي الجامعات المغربية الممثلة لقطاع النقل الطرقي للمسافرين يومي 17 و18 دجنبر 2013ḷ

احد عشر سنة من التجميد
في سياق تميز بتصاعد خطاب الشكوى من "مقاومة الإصلاح"، ورفض وزير الداخلية ووزير الفلاحة علنا نشر لوائح المستفيدين من "كريمات" سيارات الأجرة والصيد البحري، عمدت وزارة التجهيز لنشر لائحة "كريمات" جديدة لمستغلي المقالع في 12 نونبر 2012. لم تثر العملية نفس الضجة الإعلامية التي أثارها نشر اللائحة الأولى، إذ اكتفت الوزارة بعرض معطيات تقنية حول الشركات التي تستغل المقالع المعلن عنها. "لا يجب أن ننسى أن الرخص تمنح بموجب قانون، فهي قانونية حتى يتم تغيير القانون الذي ينظمها. وهذا ما نحن بصدده. لكن القانون يمنعنا من نشر أسماء مالكي الشركات. غرضنا الأساسي كان هو إشراك المجتمع في الإصلاح، بتمكينه من المعلومات الأساسية لنعرف جميعا حول ماذا نتحدث." يشرح متحدث باسم وزارة الرباح.
يتعلق الأمر بثروات طبيعية يتم استغلالها منذ سنة 1914 وفق ترخيص تمنحه الإدارة، من خلال عدة متدخلين، وزارة التجهيز والداخلية والجماعات الترابية. "جزء هاما من تلك المقالع يشكل حوالي 58 بالمائة منها، خارج سياق الريع أساسا. إذ يتعلق الأمر بمقالع توجد في أراضي يملكها المستغلون. يكفي أن يحصل مالك الأرض على ترخيص بالاستغلال ويخضع للمراقبة البيئية ويؤدي الضرائب، مثلما هو الشأن في أي نشاط آخر يقام فوق أرض يملكها صاحبها. الريع يهم المقالع الأخرى الواقعة فوق الأراضي العمومية المملوكة للدولة، وخاصة المقالع السرية." يوضح عادل بنحمزة، النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي الذي يتابع الموضوع منذ فترة.
مصدر من وزارة التجهيز والنقل أكد أن "أكثر من 50 بالمائة من المقالع توجد فعلا فوق أراض يملكها أصحابها، بينما يقع الباقي فوق عقارات تابعة لأملاك الدولة." إشكالية الريع لا تهم إذن سوى أقل من 50 بالمائة من المقالع. ذلك أن القوانين المنظمة لاستغلال هذه الثروات لا تضمن شروط المنافسة الحرة.
في سنة 2002 ظهرت أول محاولة للإصلاح في هذا المجال من خلال قانون يقطع مع نظام الرخص في استغلال المقالع، لكنه لم ير النور إلى اليوم."ورثنا فعلا هذا القانون سنة 2002. لكنه كان يقتضي إخراج مراسيم تطبيقية. الحقيقة أننا وجدنا صعوبات في إخراج تلك المراسيم، واعتراضات كثيرة للمهنيين، فقررنا إعادة صياغة القانون من جديد. ثم انصبت جهودنا طيلة 9 سنوات على تحرير قطاعات النقل، ولم نملك الوقت الكافي لإخراج قانون جديد يحرر استغلال المقالع." يوضح مقرب من كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل سابقا.
في 15 يونيو 2010 أصدر عباس الفاسي، الوزير الأول، دورية تتضمن بعض شروط استغلال المقالع، غير أن قوتها القانونية تطرح إشكالا. فالدوريات لا تسري سوى على الموظفين العموميين، خلافا للقوانين أو المراسيم التشريعية. كما أعلنت الدورية عن تشكيل لجنة وطنية لتتبع استغلال مقالع الرمال. في السنة نفسها وقعت وزارة التجهيز ووزارة الداخلية" خارطة طريق"، تقضي بوقف منح أية رخصة جديدة في ما يخص مقالع الرمال، والشروع في إعداد تصور لتحرير القطاع. "خارطة الطريق وقعت لكننا لا نعرف فعلا ما إذا كانت طبقت أم لا." يضيف نفس المصدر.
في تلك الأُثناء ظل القانون الجاهز منذ سنة 2002 طي النسيان، بينما لم يكن يلزم سوى إخراج مراسيمه التطبيقية، وإمكانية تعديله لن تتطلب بالتأكيد 9 سنوات.
في فبراير 2012 أعاد عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز الجديد، هذا القانون المجمد للواجهة، حين قال لبرنامج "45 دقيقة"، على شاشة القناة الأولى، أنه (أي القانون) "سيعرض في الأسابيع المقبلة للنقاش العمومي". 10 أشهر بعد ذلك اكتفى الرباح بنشر لائحة شركات المستفيدين من المقالع، ولم يظهر أثر لمشروع جديد إلا في 19 مارس 2013. ففي هذا التاريخ أودعت وزارة التجهيز والنقل لدى الأمانة العامة للحكومة، مشروعي قانون ومرسوم يتعلقان باستغلال المقالع.
يشرح مصدر من الوزارة أن " مشروع هذا القانون ينص على نظام التصريح بفتح واستغلال المقالع، وذلك تبسيطا للمساطر وتشجيعا للاستثمار في إطار من الحرفية والتنافسية و جودة الخدمات، مع تكثيف المراقبة البيئية و التقنية و الجبائية، واحترام لبنود دفتر التحملات الذي يوقع عليه المستغل قبل البدء في الاستغلال. ومن أهم المقتضيات التي جاء بها مشروع هذا الإصلاح هو إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع التي تروم إلى تحديد الموارد التي يجب حمايتها مع الأخذ بعين الاعتبار حاجيات التنمية الاقتصادية و العمرانية و السياحية و متطلبات المحافظة على البيئة، بكل جهة من المملكة." فهل ينهي هذا المشروع الجديد فعلا عهد الريع في استغلال الثروات الطبيعية الواقعة فوق الملك العام للدولة؟

نموذج تطبيقي
من غرائب الصدف أن الجواب عن هذا السؤال يقع تحديدا في منطقة الغرب المعقل الانتخابي للوزير الوصي على القطاع. في هذه المنطقة يوجد منبع للاغتناء من خلال استغلال رمال يتم جرفها من قاع البحر منذ 1988، وذلك لضمان ولوج السفن نحو الميناء النهري لنهر سبو. سنة 2002 أصبحت هذه الخدمة العمومية مدرة للأرباح عندما رخصت وزارة التجهيز لشركة جرف الرمال "درابور" (وهي شركة تابعة للدولة) بالاستغلال التجاري للرمال المستخرجة من قاع البحر. أقيم طلب عروض بدفتر تحملات، نالت بموجبه هذه الشركة حق بيع الرمال المجروفة من موقع محدد على شاطئ المهدية.
من حيث الشكل يبدو الأمر سبقا في محاربة الريع. إذ يتركز الإصلاح في الشكل على تنظيم طلب عروض مفتوح للمنافسة الحرة، مع دفتر تحملات واضح يلزم المستفيد بمجموعة من الشروط، لعل أهمها "ضرورة تقديم دراسة سنوية حول تأثير نشاط الجرف على المجال البيئي. غير أن الوقائع تفيد أن حظوظ الاستفادة من الريع يمكن أن تستمر ولو بوجود دفاتر تحملات وطلبات عروض.
أثار الموضوع اهتمام كل من عائشة بنمحمدي، أستاذة علم الجيولوجيا والترسبات البحرية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ومصطفى البريمي، رئيس مختبر علم البحار متخصص في الجيولوجيا بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط. في عرض تقديمي للدراسة التي أنجزاها حول جرف رمال البحر بشاطئ المهدية، يؤكد الباحثان أن الشركة المستفيدة "لم تتقدم ولو مرة واحدة منذ سنة 2002 بالدراسة السنوية حول تأثير نشاطها على المجال البيئي".
أكثر من ذلك يسجلان أنه "إذا كان جرف الرمال البحرية يأخذ مشروعيته في إطار تأمين الملاحة البحرية لولوج الميناء، نسجل بكل أسف زيادة الترسبات في الممرات داخل المصب في هذه الفترة رغم توالي عمليات الجرف (...) بعبارة أخرى ألم يتم تغليب منطق الربح المقاولاتي على حساب هدف الصيانة للممرات البحرية والذي بموجبه وعلى أساسه تم الترخيص للشركة باستغلال الرمال المستخرجة وتسويقها؟"
عادل بنحمزة، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال، الذي أطلق عريضة لجمع التوقيعات من أجل وقف جرف الرمال بميناء المهدية، يؤكد أن وزارة التجهيز والنقل "قررت إغلاق ميناء سبو النهري في مارس 2013، لأن الولوج إليه أصبح مستحيلا. ما يعني أن الشركة المستغلة لم تكن تقوم بواجبها الأصلي في جرف الرمال بل ركزت فقط على الاستغلال التجاري للمقالع التي منحت لها. هذه فضيحة كبرى."
إلى غاية 23 دجنبر 2013 لم تتوصل "كود" بجواب وزارة التجهيز والنقل حول إغلاق ميناء نهر سبو، ولا أي جواب من شركة "درابور"، بهذا الخصوص.
سنة 2007 تمت خوصصة الشركة، ليقع أيضا "تمديد رخصة جرف الرمال لتسع سنوات إضافية وتغيير دفتر التحملات الجديد مع بتر أجزاء مهمة من الدفتر الأصلي. وقد تم هذا التمديد بصفة غير قانونية. نظرا لكون الترخيص الأصلي المؤرخ في 4 أكتوبر 2002 تم بموجب طلب عروض مفتوح وبشروط مضبوطة أهمها أن مدة الترخيص هي 5 سنوات. لذا فإن تمديد مدة الترخيص يعتبر خرقا سافرا للقوانين المعمول بها في ميدان الصفقات العمومية ومسا خطيرا بمبدأ المنافسة الحرة." يؤكد الباحثان عائشة بنمحمدي ومصطفى البريمي، في دراستهما التي تتوفرل "كود" على نسخة منها.
حسب نفس المصدر "دفتر التحملات الجديد لا علاقة له بالدفتر الأصلي. فقد بترت أجزاء مهمة منه لإعفاء الشركة المستغلة من كل التزاماتها تجاه الملك العام وتجاه المستهلك. فالشركة لم تعد ملزمة بتقديم دراسة سنوية حول تأثير نشاطها على المجال البيئي، والأخطر من ذلك أنها لم تعد مسؤولة عن جودة الرمال التي تقوم بترويجها."
كيف واجه عبد العزيز الرباح هذا الوضع لما أصبح وزيرا للتجهيز والنقل؟ باسثتناء نشر لوائح الشركات المستغلة للمقالع في نونبر 2012، وإعلان طلب عروض لجرف الرمال في 4 مواقع جديدة. "لن تصبح الرخص الجديدة نهائية إلا بعد قيام المستفيد بدراسة تأثير على البيئة تأخذ بعين الاعتبار النظم الإيكولوجية والبيئية، وذلك طبقا لما هو منصوص عليه في عدة فصول من كناش التحملات الخاص بهذه العملية وكذا حصوله على جميع التراخيص الضرورية للاستغلال وخاصة قرار الموافقة البيئية الذي ينص عليه القانون 12-03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة." يؤكد مصدر من الوزارة.
مبدئيا لا شيء يمنع الشركة المحتكرة للاستغلال التجاري لرمال شاطئ المهدية من الفوز بالرخص الأربعة الجديدة. إذ لم يصدر عن الرباح أي إجراء يفيد مراجعة دفتر التحملات الذي خص هذه الشركة سنة 2007 بامتياز عدم تقديم الدراسة السنوية حول تأُثير نشاطها على البئية. نموذج الاستغلال التجاري لرمال الشواطئ، يظهر أن طلبات العروض ودفاتر التحملات لا تمنع الريع، بل قد تقننهḷ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.