يبدو أن حكومة الإسلاميين لم تأت بجديد في تدبير الشأن الثقافي فرغم وجود حزب تقدمي على رأس الوزارة فإن الأمور تسير كما كان عليه الحال، فالدعم الثقافي للجمعيات يمنح للجمعيات الموالية للحزب والأحزاب المشاركة في الحكومة، ونفس الشيء بالنسبة للثقافة الأمازيغية، لم تظهر إلى حدود الساعة أية برامج تعنى بها، فالفنان والمبدع والشاعر والقاص والكاتب الأمازيغي غير مهتم به بتاتا. بالإضافة إلى الوزارة فإن المعهد رغم مرور 13 سنة على تأسيسه لم يقدم أي شيء لهؤلاء . وحتى المسالك المفتوحة في الجامعات لدراسة الأمازيغية لم تنفتح بدورها على ما قدمه مبدعون وشعراء أمازيغ فما زالوا يجترون ما كتب من قبل. إنه الغبن والحكرة لشعراء أمازيغيين قدموا الكثير للثقافة الأمازيغية وللأسف كنا ننتظر من المعهد أن يقوم ولو بالتفاتة صغيرة لهؤلاء الشعراء بتكريمهم أو جمع أشعارهم، إلا أن العكس يتم تكريم أشخاص لأنهم من ذوي القربى الذين لم يقدموا أي شيء للأمازيغية، إلا أنهم في الواقع يقومون بواجبهم المهني. وسأعود إلى صلب الموضوع وهو محنة الشاعر الأمازيغي، فلا تغطية صحية مثل الآخرين، ولا راتبا شهريا ينتظره بعد عجزه عن عمله ولا حتى الاعتراف من هذ الدولة، أمثال هؤلاء كثيرون في هوامش المغرب خاصة في الأطلس المتوسط، مات بوعزة بنموسى، ومن قبله العديد ممن سخروا أوقتاهم للكلمة الأمازيغية الحرة، و ما زال الآخرون يعانون في صمت، لا أحد كان مؤسسة أو شخصا ينظر إلى هؤلاء لما أصابهم من إهمال ونسيان، كل هذه المعاناة تتجسد في أحد عباقرة الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط، إنه الشاعر الكبير المرموق سيدي محمد أولمكي الذي ينحدر من قبيلة أيت عزيزة بأيت اسكوكو بمريرت. شاعر بالموهبة، فمن منا نحن أبناء أيت اسكوكو ، من منا لا يتذكر مجموعة أولمكي الشعرية، بوطعام والسهلي رحمهما الله بواسع رحمته، فأولمكي كان قائدها ،هؤلاء نظموا الشعر في جميع الأغراض، خلفوا أشعارا غزيرة في الإذاعة والأشرطة التي يرجع الفضل في جمعها إلى الباحث والمهتم الكبير بالتراث الأمازيغي أكنوز المكي الذي بدوره يستحق منا التقدير والاحترام، لأنه جمع كنوز الشعر والأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط. أولمكي نظم أشعاره في جميع المجالات حتى في السياسة، حيث استطاع أن ينتقد النظام في زمان سنوات الرصاص فتم اعتقاله، كما تحدث عن الإنسان الأمازيغي وهويته ولغته ومعاناته في زمان لا يستطيع هؤلاء الانتهازيون حاليا أن يقولوا ولو كلمة بالأمازيغية في ذاك الزمان ، فمن خلال شعره نقرأ تاريخ المغرب بأكمله من المقاومة ضد الاستعمار مرورا بسنوات الرصاص حتى العهد الجديد، شاعر واع بما ينطق به، لغته الشعرية يمتزج فيها المجاز بالاستعارة والبلاغة، ويصعب على المتلقي البسيط أن يفهم ما يقوله في أشعاره. يعيش أولمكي حاليا مأساة ومعاناة، فلا تقاعد ولا راتبا شهريا ولا تغطية صحية، فلا أحد أصبح يسأل عنه، لقد كان لي معه حوار مسجل سنة 2011 ، لقد قال لي أن وزراء ومسؤولين وعدوه بمنحه "كريمة" وزاد في قوله "وكنت انتظر ولكن الآن انتظر رحمة الله"، فأولمكي مقتنع حسب تصريحه أنه كان يحب الشعر ولا ينتظر أي شيء من أحد، وما دفعني لكتابة هذا المقال المتواضع هي الحالة التي وجدت فيها هذا الشاعر في السوق الأسبوعي يبيع أشياء لا قيمة لها، وتألمت كثيرا لهذا المشهد وقلت في نفسي هل أمثال هؤلاء : أولمكي والغازي بناصر يستحقون أن يعيشوا هذا الوضع المزري في بلاد يقول القائمون عليها أنها تصالحت مع ثقافتها ومبدعيها، ولكم موعدا مع مقالات أخرى عن حياة الشاعر أولمكي. اكضى الحسين باحث أمازيغي