إن السوسويولوجيا لا تفكر إلا انطلاقا من الاجتماعي، ولا تتقوى إلا على مواضيع تخلق التحدي وتصنع" الدينماميكا" من داخل النسق. لقد شبه بيير بورديو الباحثين في السوسيولوجيا بمشاغبين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية ويفضحون أشكال تعاطيهم الملفوف برداء المكر والتحايل. لذلك فالبحث في المعنى الذي تكشف عنه الحركات الاحتجاجية هو تحطيم لمبدأ الوعي المتواطئ وتقعيد لقناعة الرفض التي ينبغي استدماجها في وعي الذات انطلاقا من جدلية الربط بين الفاعل السياسي الماكر والمفعول به المحاصر والمهمش. هكذا تماما تتحدد علاقة الفاعل الاحتجاجي بالجهاز المسؤول عن عن ضبط التوازنات الأمنية دون مراعاة لتفاعلات الواقع الأخرى، وأساسا فيما يتعلق بمقاسات السخط والتذمر التي تنتجها تراكمات الفشل والإخفاق المرتبطة بتدبير الجهاز الرسمي لملفات حيوية يكشف عنها اليومي الإنساني. في مدينة خنيفرة تقرأ تفاصيل التفاصيل التي يفرزها خروج المئات من السكان والمناضلين من أجل الاحتجاج، ويتبلور من ثمة وعي يغذي الفعل ويوجه الفاعل خاصة على مستوى السياقات المنتجة للمعنى ضمن نسق سياسي محلي بلا معنى. كل هذا يقود نحو تقعيد فكرة الرفض، ويدفع للتشاؤم من آفاق الاختيارات التي تحطمت أمام إطارات جمعوية وحقوقية لا تؤمن بالانهزامية، وتطمئن إلى أن الحاجة إلى الاحتجاج لم تنهزم في المدينة بعد. القناعة التي أنتجت هذا الموقف هي الأهم، وهذا ما يعنيني أن أشيد به. شخصيا تجمعني وخنيفرة أشياء عديدة منها العمل فيها، والبحث في بعض مشاكلها بحكم حرفتي الثانية كمراسل ليومية "الأخبار"، إلا أن ما أقدره في المدينة أكثر هو الإجابات التي تصوغها الذوات الاحتجاجية في سياق فضحها لأسئلة التنمية والواقع المعطوب بالمنطقة، وهذا جد مهم بالنظر إلى طبيعة البنية الثقافية والفكرية المؤطرة نظريا وميدانيا لحركات الرفض من داخل المدينة وهوامشها. يحرك السلوك الاحتجاجي بخنيفرة أسئلة عديدة تقرأ الواقع الاجتماعي للسكان وتبحث في شروطه التاريخية والتي يتاكد معها سيرورة العزلة في أشكالها المتعددة، بل تشخص حقيقة السياسة الفاشلة في المنطقة وحقولها، وتحديدا على مستوى البنية العامة التي تمس المواطن وتحقق له مزيدا من الرضى والقبول. شروط عديدة تغرب المواطن في بيئته وتدفع به نحو قبول فكرة الموت، غير أن تشبث فئة من الممانعين بحقهم في الوجود والتفاعل مع تموجات الممارسة السياسية والتدبيرية المنحطة، مبادرة تنعش الأمل وتزكي اختيار الموقع الذي تناضل منه هذه القوى الحقوقية والمدنية. ما سبق تترجمه مجهودات المناضلين من داخل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات بخنيفرة، وكذا الزملاء من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والنتيجة هي تقويض حماسة المقيمين عن الشأن المحلي للمدينة، وضرورة استيعابهم لمنطق الحق الذي تناضل لأجله الفعاليات الجمعوية والحقوقية، والتي تحمي تلقائيا معنى الكرامة والمواطنة، والأكثر من ذلك أنها تلقن الدروس لرموز شاخت في مواقعها، ولم تستوعب يوما أطروحة العدالة الاجتماعية والشأن العام المحلي. وإيمانا منا بوجود علاقة وطيدة بين فكرة الحق وشرط الدفاع عنه، تنفتح ممكنات التساؤل التي تصنعها المدينة وأحوازها في سيرورتها المتحولة والمتناقضة، وتؤجل موقت الإجابة عنها إلى حين استيقاض الضمير "المعطل"، وتبقى تداولات الأزمة بخنيفرة كاشفة لعمق العطب والتفكك.أما الاحتجاج فيطمئن بالمقابل على سلامة الاختيار ويقود إلى قراءة صحيحة للواقع الذي تنكر له الجميع.