وما يمكن الإشارة إليه هنا هو قدرة الشباب على احتلال الفضاء العام، والسيطرة على الشارع، صحيح أنه لمدة محددة وقصيرة بالمقارنة مع طبيعة الاحتلال العسكري ، إلا أنه قد يتحول في حالة استكمال شروط الاحتجاج المنظم، ووصوله إلى درجة الوعي حيث يكون قادرا على تعبئة الموارد والطاقات وتوظيفها، إلى عصيان مدني يمكن التحكم في درجة جذريته، لكن لا يمكن توقيف التغيير الذي يحدثه، حيث تتوزع المصالح انطلاقا من الوضع الجديد، والمالكين الجدد لوسائل الإنتاج خصوصا مع حضور الاديولوجي و التنظيم المحكم و المصالح الموحدة للفاعلين الرئيسيين. إن احتلال المؤسسات المجتمعية (الجامعات ، مقرات الأحزاب، البرلمان) لساعات محددة، مرحليا هو تكتيك احتجاجي لازال غير عنيف يهدف تحقيق المصالح والمكتسبات، دون تهديم النسق الاجتماعي ، كالضغط من أجل تعديل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،و دفع الأحزاب المشاركة في الحكومة للأخذ بعين الاعتبار مشاكل حامل الشواهد العليا ، مع طرح بدائل واقعية واستعجاليه، لإدماجهم في سوق الشغل، ووضع مشروع متكامل وشمولي لحل معضلة البطالة ككل، لتيسير عملية تشبيب الهياكل المؤسساتية للدولة والاستفادة من طاقته وإنتاجيته، التي ستسرع حتما التطور الاقتصادي والتنموي والسياسي الذي أعلن انطلاقته منذ حكومة التناوب التوافقي، كما أن الاحتجاج أمام البرلمان هو إعادة السؤال التاريخي حول المؤسسة التشريعية وقدرتها على صياغة قوانين أكثر تقدمية وجريئة، لحماية المال العام وحماية المواطنين الشباب من التطرف والانحراف، ومحاسبة الحكومة على عدم التزامها بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية التي صادق عليها الشعب من خلال ممثليه...ورغم ذلك فحركة المعطلين تعتبر من ضمن الحركات الشبابية الاحتجاجية المطلبية، و التي لم ترق في سيرورتها وتطورها إلى مستوى الوعي المرتبط أولا وكما يقول ألان توربن بتحديد الخصم، فمرة يصبح الخصم هو المجالس المنتخبة ، ومرة الحكومة من خلال وزاراتها المرتبطة بموضوع التشغيل، وفي أخرى يصبح الخصم هو السلطات المحلية، وبالأخص عندما تنظم الوقفات الاحتجاجية أمام العمالات والولايات، والملاحظ بشكل منظم، هو الاحتجاج أمام البرلمان. إن غياب مبدأ التضاد يضعف الحركة الاحتجاجية، كما يؤثر سلبا في قدرتها على طرح إجابات مباشرة عن الأزمة المجتمعية، بتبني مشروع اجتماعي قادر على إشراك فاعلين جدد، وتعبئة المجتمع للتضامن والانخراط في الحركة، وهو ما يجعلها تظل محدودة، مرتبطة بتحقيق الهدف هو الشغل، و يمكن القول أنه من العوامل الأساسية التي تزيد في نكوصها هو عدم وجود رؤية إيديولوجية واحدة وموحدة، بالاضافة إلى أن التنظيم المحكم للحركة، يقتل الحركة، ويحولها إلى فاعل سياسي، يحاور، يناور، يتنازل، يحقق المكتسب، لتبدأ حركة جديدة بفاعلين جدد، وتخضع لنفس السيرورة ولنفس البنية، وتطوق بسرعة إلى التنظيم، الذي يعني الاحتواء، لقد بدأت تتبلور في الأفق ملامح سيطرة رؤية إيديولوجية متطرفة على حركة حاملي الشواهد العليا ، وإذا ما تحقق ذلك سيتحول الصراع ويتضح الخصم، بشكل يجعل النزاع يستمر خارج الملف المطلبي الذي تريد الحركة تحقيقه ، وستصبح لدينا حركة احتجاجية واعية بذاتها، وقوية قادرة على التواجد داخل المركز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، عوض المناورة في هامش البرلمان والحكومة والمقرات الأحزاب تبحث عن تخريجات أنية وفئوية ومنعزلة. أما بالنسبة للحركة الاحتجاجية الاجتماعية التي تتبناها الحركة الطلابية في تمزقها، فيمكن القول أنها تجتمع فيها جميع شروط وآليات الحركة الاحتجاجية الواعية بذاتها، فمنذ تأسيسها وإلى اليوم، استطاعت الحركة الطلابية تحقيق التراكم النضالي والسياسي والاجتماعي والثقافي، الذي جعلها تقود التغيير الاجتماعي انطلاقا من موقها في الصراع ووفق المبادئ التي أسست من أجلها الحركة( التقدمية ، الجماهرية، الديمقراطية، الاستقلالية) غير أن التحول الذي ميز الحركة الطلابية، هو تمردها عن الإطار المنظم الذي ساهم في تأسيسها، وتحولت إلى الحركة العفوية، بعد أن عجزت عن تحديد الخصم بوضوح (الأحزاب التقدمية، الظلامية والرجعية، أجهزت القمع بمختلف تلاوينها...) . لقد انقسمت الحركة الطلابية إلى مجموعة من التوجهات والزمر، الحركة الطلابية القاعدية الجذرية والإسلامية والأمازيغية والانفصالية والديمقراطية الاشتراكية، وكلها تحمل في جيناتها شروط تكون الحركة الطلابية المغربية ضمن النسق الاجتماعي ككل، وتقدم نفسها كامتداد للهوية الطلابية الطامحة لأن تكون طليعة التغيير والتقدم، وأن خصمها هو السلطة المركزية، وأن مشروعها الاجتماعي هو من أجل إسعاد المقهورين والمستغلين والمظلومين والمحرومين، وما حضورها وفعلها ورد فعلها ، إلا من أجل قلب قواعد اللعب والانتقال إلى مركز المجتمع، عن طريق تغيير نظام العلاقات القائم (الثورة، القومة، الانفصال، الاعتراف) لإعادة توزيع الثروات والسلط، وبالتالي إعادة إنتاج المجتمع. لقد استطاع الشباب الفاعل والمحرك الأساسي للحركة الطلابية، تجاوز الصراعات الداخلية، وخلق تقنيات جديدة للتفاوض والاشتغال وتعبئة الموارد والطاقات والتواصل متطورة وفاعلة، وحققوا انجازات تكتيكية متطورة ، كاحتلال المواقع الجامعية والتحكم في الحياة اليومية للطلبة، لأطول مدة ممكنة استمرت لشهور وربما قادرة على الاستمرار لسنين، هذا التوجه الذي يدعو إلى احتلال أهم المواقع الجامعية ،التي تساهم في إعادة إنتاج النخب ، وإعادة إنتاج المجتمع ، هو الرهان الأساسي لهذه الحركة، والبرنامج المرحلي والمرجعي، للتموقع وسط ومركز المجتمع، خصوصا أنها تجمع بين التنظيمي والإيديولوجي والتحفيزات الذاتية والمصلحية للأفراد .