من غرائب التاريخ البشري أنه يعيد نفسه رغم اختلاف الزمان و المكان، وقد أكد جل المؤرخون ذلك فنصحوا الشعوب باتخاذ العبر من أحداث التاريخ، فمصر 2013 تذكرنا بفرنسا 1794، و السيسي يذكرنا بنابليون بونابارت، والمشاهد التي أشاهدها في القنوات وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية حول الأوضاع في مصر، تذكرني بمحاضرات أستاذ جامعي متخصص في تاريخ أوروبا المعاصر، التي كانت تلقى على مسامعنا في أحد مدرجات جامعة المولى إسماعيل بمكناس حول الثورة الفرنسية للإطاحة بالنظام الملكي المطلق الدكتاتوري. ففي سنة 1789 خرج الفرنسيون بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية و الاجتماعية لإسقاط النظام الملكي الجائر، فتزعمهم المثقفون أمثال منتيسكيو و فولتير و روسو، وبعد مقاومة مستميتة من طرف الملكية التي أسالت دماء الفرنسيين لحوالي سنتين، انهار أخيرا نظام الملك لويس السادس عشر الذي أعدم في الشارع العام، فعم الفرح أرجاء فرنسا فرحا لم تطل مدته، حيث عاد الليبراليون للثورة على الثورة الحقيقية بعد أن استبد بهم الخوف من تفشي الحرية و الديمقراطية مما يضر بمصالحهم، فاستعانوا في مشروعهم اللاديمقراطي بالجنرال نابليون بونابارت الذي انقلب على الجمهورية وأعاد حكم العسكر بيد من حديد سنة 1799 لينصب نفسه بعد ذلك إمبراطورا لفرنسا فقمع وقتل ونكل لحوالي نصف قرن من الزمان فتم خلعه سنة 1849م. ولا اختلاف في النسخة المصرية عن ما شهدته فرنسا القرن 18م، حيث خرج المصريون سنة 2011 لإطاحة حكم الرئيس حسني مبارك الذي زج به في السجن عوض إعدامه كما حدث لشبيهه لويس 16، وبعد حوالي مسنتين و نصف تقريبا برزت الثورة المضادة بزعامة الليبراليين للقضاء على التجربة الديمقراطية التي تهدد مصالحهم وتتعارض مع توجهاتهم، مستعينين في ذلك بالجنرال السيسي (ناتليون مصر) الذي لم يتوانى في حشد جهوده لتحقيق مسعى الليبراليين سواء بالرصاص أو الإعلام المشوه أو الدبلوماسية المنقحة. ويبقى الفصل الأخير من الحكاية المصرية طي كتمان القدر الذي سيحدد إن كانت شبيهة بالفصل الأخير للحكاية الفرنسية أو أنها ستأخذ مسارا آخر. بعالي موحسين