خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    موتسيبي: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2011،1989،1848 كانت الثورة ذات زمان
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 02 - 2011

إزاء ما يجري في العالم العربي من مظاهرات واحتجاجات ضد الانظمة القائمة، يحاول ثلاثة مؤرخين، استضافتهم جريدة لوموند، قراءة وتحليل الاحداث الجارية في المنطقة العربية وإبراز أوجه التطابق والاختلاف فيها مع ثلاث موجات كبرى من الثورات الشعبية في التاريخ المعاصر،ارتأينا إشراك قراء الاتحاد الاشتراكي في خلاصاتها تعميما للفائدة..
1849/1848
«ربيع الشعوب»
في غضون أشهر، أطاحت الحركة الثورية الكبيرة التي هزت أوربا سنة 1948 بالنظام الذي خرج من رحم مؤتمر فيينا وانهيار الامبراطورية النابوليونية (1815). وأدت الازمة الاقتصادية (1847/1846) الى بروز ثورات اجتماعية كبيرة، بينما أدى انتشار الافكار الليبرالية والاجتماعية الى إضعاف الملكيات المحافظة.
الانتفاضة بدأت منذ 1847 في جنوب ايطاليا ضد عائلة بوربون وفي الشمال ضد التواجد النمساوي. يوم 24 فبراير 1848 بعد ثلاثة أيام من المظاهرات والمواجهات في باريس تمت الاطاحة بحكم لوي فيليب، وتم إعلان قيام الجمهورية الثانية. هذه الانتفاضة أثارت أملا كبيرا في كل أوربا، وتوالت الانتفاضات في شبه الجزيرة الايطالية، بل تم إعلان قيام جمهورية رومانية في الدويلات البابوية، لفترة قصيرة.
في النمسا انتفضت براغ وفيينا في مارس، اضطر معها الامبراطور فيردناند الاول من آل الهبسبورغ الى إعلان دستور ليبرالي. هذا الوهن الذي أصاب حكم الهبسبورغ شجع الحركات في ألمانيا وهنغاريا،حيث تأسست جمعية في الكونفدرالية الالمانية في فرانكفورت تطالب بالوحدة السياسية الالمانية، بينما طالب الهنغاريون بالاستقلال عن النمسا. ووقعت مظاهرات وصلت حتى الى بريطانيا، لكن البلاد بقيت بعيدة عن الحركة.
هذه الثورات فشلت الواحدة تلو الاخرى. في فرنسا منذ يونيه 1848، استعاد حزب النظام زمام الامور قبل ان يتم انتخاب لوي نابوليون بونابارت رئيسا يوم 10 دجنبر 1848، وتمكنت عائلة هابسبورغ، بعد تنازلات كثيرة وتغيير الامبراطور، (فرانسوا جوزيف عوض عمه فيردناند الاول يوم 2 دجنبر 1848) من الاحتفاظ بالحكم، وتم سحق طموحات الهنغاريين في الاستقلال سنة 1849 ، كما تم سحق التطلعات الايطالية والالمانية للوحدة، ولم تتمكن من ذلك الا بعد عشر سنوات.
1989
نهاية الديمقراطيات الشعبية
في الاشهر الاولى لسنة 1989، كان الهدوء هو السائد. ولم يكن أي مراقب يتصور بجدية ان نهاية «الكتلة الشرقية» وشيكة. ألم، يعلن الامين العام للحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية إريك هونكر في يناير ان «جدار برلين» سيظل هنا بعد 50 او 100 سنة». ورغم ذلك، في غضون أشهر ستنهار الكتلة.
منذ يناير قبلت الحكومة البولونية الاعتراف بنقابة تضامن (سوليدار نوسك) وفتح مفاوضات، في مارس انتقلت هنغاريا الى التعددية الحزبية، ومنذ شهر ماي بدأ الحاجز الحديدي الفاصل في النمسا يتفكك. يوم 25 يونيه فازت نقابة »تضامن« بأغلبية ساحقة في أول انتخابات حرة في بولونيا.
ويوم 5 يوليوز أقرت قمة حلف وارسو نهاية »عقيدة بريجنيف« حول السيادة المحدودة بمعنى أن القوات السوفياتية لن تتدخل لمساعدة »الدول الشقيقة«.
ومنذ ذلك التاريخ تسارعت الاحداث. يوم 6 و7 اكتوبر، بمناسبة احتفالات الذكرى 40 لقيام ألمانيا الشرقية، رفعت الجماهير شعارات تحيي الرجل القوي في الاتحاد السوفياتي ميخاييل غورباتشيف، وأخرى تندد بزعماء ألمانيا الشرقية وعلى رأسهم إريك هونكر الذي غادر السلطة يوم 18 اكتوبر. بعد ذلك بثلاثة أسابيع وفي ليلة 9 نونبر سقط جدار برلين، مما أدى الى زعزعة أقوى الانظمة يوم 10 نونبر تمت إقالة تودورجنفكوف، الذي كان يقود بلغاريا بقبضة من حديد، من عضوية اللجنة المركزية ومن مهامه على رأس الدولة. ثم جاء دور تشيكو سلوفاكيا. يوم 10 دجنبر استقال الرئيس هوساك من مهامه وانتهت السنة بالتطورات والاحداث المأساوية للثورة في رومانيا، حيث تم اعدام الرئيس نيكولاي شاوشيسكو وزوجته يوم 25 دجنبر، كما شهدت نهاية السنة احداثا مشرقة كذلك: يوم 29 دجنبر انتخب المعارض السابق فاكلان هافل رئيسا لتشيكوسلوفاكيا.
2011
الغليان في العالم العربي
يوم 17 دجنبر 2010، أقدم محمد البوعزيزي، الشاب التونسي، البائع المتجول للخضر والفواكه، على إضرام النار في جسده في بلدة سيدي بوزيد في وسط غرب البلاد بعد ان حجزت السلطات بضاعته. في الايام التي تلت تصاعدت المظاهرات في مجموع البلاد سرعان ما تحول شعارها المركزي الى شخص الرئيس زين العابدين بن علي: «ارحل». يوم 14 يناير 2011، وبعد حكم دام 23 سنة، فر الرئيس الى العربية السعودية. شعار «ارحل» الذي ردده المتظاهرون في تونس سرعان ما انتشر في كل أرجاء العالم العربي، 10 أيام بعد رحيل بن علي، انتقلت المظاهرات في مصر مطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك، ورغم مقاومته بعد حوالي ثلاثة أسابيع من التردد بين القمع وتقديم حسني مبارك. ورغم مقاومته بعد حوالي ثلاثة أسابيع من التردد بين القمع وتقديم التنازلات للجماهير الغاضبة، اضطر حسني مبارك الى التخلي عن منصبه، ومغادرة القاهرة الى منتجع شرم الشيخ يوم 11 فبراير، تاركا السلطة في يد الجيش، بعد 30 سنة من الحكم المطلق.
ومنذ ذلك الحين، تعيش الدول في العالم العربي في المغرب العربي وحتى الخليج مظاهرات وغليانا متزايدا، في اليمن والبحرين وليبيا بشكل خاص، حيث المواجهات والقمع خلف العديد من القتلى...
{ منذ إسقاط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم 14 يناير، واستقالة نظيره المصري حسني مبارك يوم 11 فبراير، بدأ الحديث يتردد عن وجود تشابهات بين الحركة التي تخترق العالم العربي وموجتين ثوريتين كبيرتين شهدهما التاريخ، الحركة الثورية لسنة 1848 والإنتفاضة الشعبية لسنة 1989، هل هناك نقط مشتركة في اندلاع هذه الأحداث؟
هنري لورنس: نحن المؤرخين بارعون في توقع الماضي، بعد حين تبدو لنا الأحداث بديهية. نتمكن من رؤية أسباب عميقة وأسباب فورية تعطي الانطباع بأن هذا الحدث أو ذاك لا يمكن إلا أن يقع، لكن يبقى أن ما وقع فاجأ المراقبين وحتى الفاعلين أنفسهم، وهذا يذكرنا بشيء مهم: كل حدث له شيء ما غامض خاصة عندما يتعلق الأمر بثورة.
بيير هاستر: وقع نفس الشيء سنة 1989 كان يقال في الغرب أن النظام الشيوعي منهك وظهرت كتب مثل كتاب إمانويل تود »السقوط النهائي« (1976) أو كتاب زبيغنيو بريزينسكي (1989) تحدثتا حول هذا الموضوع. ورغم ذلك أبدينا نفس المفاجأة التي نحسها اليوم لم يكن أحد يتصور أن النظام سينهار في هذا التاريخ وبهذه الطريقة.
سيلفي أبريل: ما يمكن أن نقول مع ذلك، هو أن هناك أسبابا إن لم نقل شروطا تشجع على انفجار الثورات ، وهكذا فإن إحدى النقط المشتركة بين أوربا سنة 1848 وبعد الدول في العالم العربي اليوم مثل تونس ومصر، هي المناخ المتشابه اقتصاديا واجتماعيا، وارتفاع أسعار المواد الفلاحية. من وجهة النظر هاته التشابهات مثيرة.
هنري لورنس: أنا متفق، ولكن هذا لا يكفي لكي تنهار الأنظمة . من أجل ذلك لابد أن تكون الشعوب مسكونة بإحساسين آخرين: مطلب الكرامة ورفض الخوف . في لحظة معينة، يقول الناس مع أنفسهم أنه ليس هناك أي سبب للاستمرار في أن يعاملوا كما كانوا يعاملون طيلة سنوات، ويطالبون بكرامة كانوا محرومين منها حتى الآن، ويكتشفون بين ليلة وضحاها بأنهم لم يعودوا يخافون من النظام الذي أرهبهم لمدة طويلة.
في 1848 تحدث لامارتين عن «ثورة الاحتقار» وهذا الوصف ينطبق على بن علي أو مبارك كما كان ينطبق على لويس فيليب. انهارت أنظمتهم لأنها لم تعد تثير الخوف بل الاحتقار وأنها لم تعد شرعية.
{ ما الذي يغذي هذا الإحساس بفقدان الشرعية؟
سيلفي ابريل: هناك عنصران يتداخلان: تآكل السلطة وفساد النظام، كما هو الشأن بالنسبة لنظام بن علي، ساهمت الفضائح في زعزعة سلطة لويس فيليب.
في سنة 1848 كانت ملكية يوليوز ضعيفة بسبب الفضائح المدوية (فضيحة تيست كوبيير وفضيحة شوازول براسلان) ولكن أيضا حملة التجمعات (1847 - 1848) منع التجمع الجمهوري في باريس وكذلك تنامي المطالب الاجتماعية... كلها عوامل وأحداث دفعت الناس للخروج إلى الشارع.
لكن هذا لا ينطبق سوى على فرنسا على العكس من ذلك البابا Pie9 الذي انتخب سنة 1848 أثار موجة كبيرة من الأمل في الدويلات البابوية وأيضا في مجموع إيطاليا، من خلال تنازلاته الليبرالية، إلا أن هذه الآمال سرعان ما احبطت وتبرأ البابا من الحركات التي كانت تهز شبه الجزيرة وتحول إلى البابا المحافظ الذي نعرفه.
هنري لورنس: قبل ذلك بعشر سنوات استطاع لويس فيليب الصمود في وجه هزات أكثر عنفا ولكن سلطته كانت أقوى آنذاك.
بيير هاسنر: مفهوم فقدان الشرعية هذا، مفهوم أساسي وحدها بولونيا منذ 1980 أعطت المثال على ثورة سلمية نابعة من القاعدة ومسنودة بحركة جماهيرية تعرضت للقمع لكنها انتصرت في النهاية ، وما يثيرني عندما أعيد التفكير في أحداث 1989 هو أن هذه الشرعية المفقودة كانت تحسها السلطة نفسها. وقد جاءت الانتقادات للنظام من أعلى أي من ميخائيل غورباتشوف، بعض الحاكمين تسللوا من هذا الشرخ وهو ما أثار مفاجأة كبيرة لدى الناس، وهكذا نظم القادة الشيوعيون الهنغاريون مائدتهم المستديرة الشهيرة مع المعارضة الديمقراطية في ربيع 1989 الجميع أصيب بالذهول كما لو أن النخب فقدت الثقة في نفسها وهنا أيضا سقط الخوف وتسارعت الأمور.
{ ما يثير الأذهان هو مفعول «الدومينو» أي كون أنظمة مجاورة تتساقط في نفس الوقت تقريبا كيف يمكن تفسير ذلك؟
هنري لورنس: اليوم، تلعب قناة »الجزيرة« دورا محوريا. وجود هذه القناة التلفزيونية في كل الشرق الأوسط من المحيط إلى الخليج أدى إلى أكثر من زعزعة نقل المعلومة. لقد أعادت خلق العالم العربي كمجال سياسي مشترك وهذا أمر أساسي.
بييرهاسنر: الوعي بالانتماء إلى مجال جيوسياسي واحد، كان واضحا أكثر سنة 1989 ورغم ذلك فالروابط بين مختلف حركات المعارضة كانت ضعيفة آنذاك، بطبيعة الحال كانت هناك إذاعة «أوربا الحرة» وخلال الحرب الباردة، لعبت هذه الاذاعة ،التي كانت تبث من ميونخ ، دورا ظرفيا، مثلا خلال ثورة العمال في برلين الشرقية سنة 1953 أو خلال انتفاضة بودابست سنة 1956، ولكن في سنة 1989 لم تلعب هذه الاذاعة دورا استثنائيا وبصفة عامة، كانت المبادلات بين الدول نادرة حصلت لقاءات بين المعارضين التشيكيين والبولونيين، خاصة بين فاكلاف هافل وأدام مشنيك في جبال تاتراس، ولكن بالنسبة للآخرين ظلت الحركات المعارضة منكمشة على نفسها منشغلة أساساً بمراقبة موقف الروس والأمريكيين.
سيلفي أبريل: في سنة 1848 لعب التلغراف دوراً في نشر الأخبار. لقد كانت فترة شهدت تسارعاً في نشر الأخبار والشائعات: كان وصول الخبر يستغرق ستة أيام ليصل من لندن الى ليبزغ. فترة كان خلالها الرجال والأفكار تتنقل كثيراً. ولا يمكن أن نفهم شيئاً عن »ربيع الشعوب« لسنة 1848 دون أن نأخذ في الاعتبار وجود شبكات للمثقفين الأوربيين أمثال ماركس أومازيني، الذين كانوا يجوبون أوربا ويكتبون في الجرائد الأجنبية، خاصة الإنجليزية.
فماركس كان سنة 1845 في باريس حتى سنة 1848 كان في بروكسيل حيث كتب صحبة انجلز مؤلفهما»بيان الحزب الشيوعي«.
هنري لورنس: اسمحوا لي أن أركز على الدور المحوري والحاسم الذي تلعبه اليوم وسائل الاتصال الحديثة في التعبئة الاجتماعية. من هذا المنظور، الأحداث في تونس أو مصر تذكر بما جرى في الفلبين سنة 2001 أو في أوكرانياً سنة 2004 أكثر مما تذكر »بالثورات الناعمة« لسنة 1989، والفكرة هي أنه بوسائل بسيطة في البداية، ووسائل عسكرية بسيطة بالخصوص، وبدون زعماء معروفين أو بارزين، ولكن بالمقابل بتحكم جيد بآليات التواصل يكمن إيصال رسائل وشعارات بسرعة فائقة إلى أكبر عدد من الناس وفي أي مكان من البلاد.
هذه النقطة الأخيرة مهمة جداً. فتونس بأكملها، بدءاً بالأقاليم، انتفضت. نفس الشيء بالنسبة لمصر: وكون كل الكاميرات ركزت على ميدان التحرير بالقاهرة لا يجب أن يحجب عنها أن كل محافظات مصر ومدنها انتفضت، من الإسكندرية الى السويس مروراً ببلدات دلتا النيل. واليوم على كل الدكتاتوريات أن تخاف من »الفيسبوك« و »تويتر«، شريطة ألا يتدخل الجيش، وحول هذه النقطة أيضاً هناك تشابهات بين الثورات الثلاث...
بيير هاسنر: في المعسكر الشرقي، كل شيء وقع يوم أعلن غورباتشوف أن الجيش السوفياتي لن يتدخل، خلافاً لما حدث في بودابيست سنة 1956 وفي براغ سنة 1968. وهذا يذكرني بملاحظة للاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريطو الذي يذكره ريمون أرون في محاضراته: في سنة 1789، لم يطلق لويس 16 الرصاص على المعارضين، لأن الملكية كانت ضعيفة بسيكولوجيا، والبورجوازية المنتصرة سنة 1848 أو سنة 1871 لم تتردد...
سيلفي أبريل: في سنة 1848، يجب التمييز بين اللحظات والأماكن. في فرنسا في فبراير، تعاطف الحرس الوطني مع »المتظاهرين«، بينما في يونيه تم استدعاء العسكريين من الجزائر لقمعهم. في دول أوربا الشرقية مثل النمسا، بقيت القوات المسلحة وفية للأنظمة وسمحت بإبقاء السيطرة على العواصم التي طردت الملوك. وشاركت أيضاً في القتال في معارك حقيقية للاستقلال في ايطاليا وفي هنغاريا.
{ بعيداً عن التطلع المشترك الى الحرية، هل هناك تشابه في المشاريع السياسية لهذه الثورات الشعبية الثلاث ؟
هنري لورنس: ما يثيرني اليوم هو البعد الوطني للانتفاضات، انظروا الى الأعلام المرفوعة، فهي في أغلبها أعلام وطنية، ليست لاأعلاما حمراء ولا أعلاما خضراء. الشعوب استعادت سيطرتها على تاريخها في إطار وطني ولو أن الحركة نمت على صعيد دولي.
سيلفي ابريل: من وجهة النظر هاته، هناك تشابهات مع 1848. في تلك الفترة، في كل أنحاء أوربا كانت الحركات الديمقراطية نابعة من إحساس وطني وحدوي أو انفصالي، خاصة عندما لا تكون الشعوب المنتفضة تتوفر على دولة، أعني بالخصوص البولونيين والهنغاريين... حتى في فرنسا التي كانت دولة وطنية مكتملة البناء، كانت إحدى أهم جريدتين للمعارضة الجمهورية والوطنية تحمل اسم »الوطني« والثورة هي طريقة لإعادة امتلاك الوطن.
بيير هاسنر: في اللحظة، أرى اختلافاً مع 1989. البعد الوطني، بل والقومي كان حاضراً خلال الحرب الباردة. مثلا لدى الهنغاريين سنة 1956. ولكن هذا البعد كان أقل حضوراً إبان انهيار المعسكر الشيوعي. ويمكن تفسير ذلك بكون الأفق كان أفق الديمقراطية الغربية، بطبيعة الحال، لا يجب التعميم، وحالة ألمانيا في هذا الباب لها دلالتها . في البداية كان شعار المتظاهرين » نحن هم الشعب « ثم بعد أيام، بدأ البعض يرفع شعار: »نحن شعب واحد«. وهذا دليل على أن التطلع لإعادة الوحدة الوطنية الذ ي لم يكن مركزياً في أذهان النخب المتمردة، كان مع ذلك، عميقاً لدى المواطنين.
{ التساؤل الكبير يهم الوجهة التي ستأخذها الأحداث في العالم العربي. هل هناك دروس يمكن استخلاصها من التجارب السابقة؟
سيلفي ابريل: الدرس الأساسي هو أن الثورات تترك مجالا واسعاً مفتوحاً أمام الاحتمالات الممكنة. في فرنسا 1848، البعض كان يحلم بالجمهورية فقط، آخرون، انهزموا بعد أسابيع، كانوا يحلمون بالجمهورية الاجتماعية. في أماكن أخرى كان البعض يأمل على الأقل في إقامة ملكية دستورية وبرلمان منتخب عن طريق الاقتراع العام.
بيير هاسنر: في سنة 1989 كان بعض المعارضين أمثال فاكلاف هافل أو أليكسندر سولجنتسين يحلمون »بطريق ثالث« بالنسبة لأوربا الشرقية، طريق بين الاشتراكية والرأسمالية. ولكن منذ الانتخابات الأولى تبخرت أحلامهم.
فالانتخابات آلت نتائجها في الغالب لصالح المسيحيين الديمقراطيين الذين كانوا ينتقدون مثل هذه الفكرة ويقولون إن »الطريق الثالث هو العالم الثالث«. الشعوب آنذاك كانت تريد بالأخص الرفاه والوفرة. والآلة الرأسمالية الزاحفة انتصرت في كل مكان تقريبا. وبصيغة أخرى، فإن الحلم الاشتراكي بوجه إنساني لم يصمد أمام واقع الأمور. في سنة 1991 كتبت مقالا قلت فيه، إن الطريق الثالث ربما يأتي في مرحلة ثالثة. وفكرتي كانت كالتالي: بعد أن عاشت في ظل الشيوعية، من الطبيعي أن تبدأ الشعوب في التحول نحو النقيض لذلك تماما، رأسمالية على النمط التاتشيري أو الريغاني ثم بعد أن تظهر الفوارق الاجتماعية الكبيرة، من الطبيعي أن تحاول هذه الشعوب البحث عن شيء آخر، يمكن أن يكون صيغة توفيقية اشتراكية ديمقراطية، عودة الشيوعيين أو نظام قومي شعبوي تسلطي مثل الذي يتهدد هنغاريا اليوم.
هنري لورنس: ما ألاحظ اليوم هو أنه يمكن أن نتصور أي شيء. على مستوى الأنظمة، لاشيء يؤكد بأن الشعوب لن ترضى بالمؤسسات القائمة، شريطة أن تعمل باحترام القواعد التي كانت تخرق حتى الآن.
إلى جانب ذلك، هناك مشاريع سياسية. هناك مشروع الإخوان المسلمين مثلا، يتوفرون في أذهانهم على نموذج مجتمعي بنبرة تعاونية تضامنية. والمشكل أنه في حالة ظهور احتجاجات اجتماعية، يميل الإخوان المسلمون الى الوقوف في صف أرباب العمل، وهذا أمر سيطرح لهم مشاكل إذا ما انتصرت المطالب الاجتماعية.
في هذه المرحلة، يأمل العديد من المتتبعين أن يتطور الإسلاميون المصريون نحو نموذج إسلامي على النمط التركي، إسلام غربي ملائم. وأنا كمؤرخ أعرف من خلال التجربة بأن كل التوقعات خادعة.
بيير هاسنر: بخصوص هذه النقطة، ألاحظ بأن ميزة الإخوان المسلمين هي أنهم الأكثر تنظيماً في مصر، لكن هذا ليس حاسماً. وفي كل الأحوال، عند التحرير في فرنسا كان الشيوعيون الوحيدين الذين يتوفرون على تنظيم جيد، كانوا يمثلون حوالي 30% من أصوات الناخبين، ورغم ذلك لم يستولوا على السلطة. بالمقابل، في بولونيا، تمكنت نقابة «سوليدارنوسك» ( تضامن) التي خرج زعماؤها للتو من السجن، تمكنت من سحق الشيوعيين في أول انتخابات حرة. فليس بالضرورة من يكونون أكثر تنظيماً في الانطلاقة هم الذين يفوزون في النهاية. كما أنه نادراً ما يصبح زعماء الأيام الأولى أو المعارضون العائدون من المنفى إلى بلدانهم هم الأوفر حظاً للحكم...
هنري لورنس: المنفيون يوجدون دائماً في وضعية صعبة. في العراق، بعد سقوط صدام حسين سنة 2003، أعيد بناء النظام حول فئة من السياسيين العائدين من المنفى. هذا الأمر جرى بصعوبة، لأن الكثير من الناس الذين بقوا في العراق، والذين عانوا من الدكتاتورية أحسوا وكأنهم جدعوا. اليوم هناك فعلا بعض المنفيين التونسيين الذين يعودون، والظاهرة ليس لها نفس الحجم، فهم تتمثل بالأساس في بعض الأطر ذات الجنسية المزدوجة (فرنسية - تونسية) من المستوى الرفيع، عادوا لتقديم خبرتهم وعلاقتهم.
بييرهاسنر: في سنة 1989، كان استقبال عودة المنفيين مختلفا حسب الدول. في رومانيا اشتكى الكثيرون من العودة. في تشيكوسلوفاكيا، بما أن الكتابات الأدبية للرئيس فاكلاف هافل نشرت أساسا في المهجر، فقد أعطى مكانة كبيرة لبعض المنفيين أمثال بافيل تيغريد الذي عين وزيرا للثقافة. ولكن عموما الوجوه البارزة والكبرى للمنفيين أمثال البولونيين في مجلة «كولتورا»، المقيمين بباريس، لعبوا دورا محدودا بعد الثورات، وكثير منهم تم تهميشه بسرعة.
سيلفي ابريل: في سنة 1848 أيضا كان مصير المنفيين متباينا، لكن تأثيرهم لم يكن منعدما، على العكس من ذلك. مثال ماركس العائد إلى ألمانيا في ربيع 1848، مازيني منظر ومهندس حركة شباب أوربا الذي أصبح سنة 1849 أحد قادة الجمهورية الرومانية الفتية أو غاريبالدي الذي عاد في هذه الفترة بعد أن قضى حوالي 15 سنة من المنفى في أمريكا اللاتينية ويستعد للعب الدور الذي نعرفه في الوحدة الإيطالية.
بييرهاسنر: أعتقد، للأسف، أن مصير الثورات هو أن تقع خيانتها، فالأشخاص الذين يعرفون التظاهر غالبا ما يتم تجاوزهم بمجرد ما يتم إنجاز الثورة. انظروا إلى فاكلاف هافل:انه يحظى بشعبية قوية في العالم كله،لكن في النهاية تجاوزه فاكلاف كلاوس الذي كان يشترك مع الشعب التشيكي في كونه لم يكن شيوعيا ولا مقاوما. فالوجوه التاريخية والأخلاقية الكبرى لا تتخلف عن الثورات. فهي تصنعها ثم يتم تهميشها.
سيلفي أبريل: من يستولون على السلطة، مثلا «لامارتين» ، الذي يمكن يعتبر كبطل لربيع 1848، يرمى بهم الى الهامش في بعض الأحيان إلى حد لا يستطيعون معه تحقيق حتى 1% من الأصوات في انتخابات الرئاسة التي جرت في 10 دجنبر 1848، والتي فاز فيها لوي نابوليون بونابارت الذي لم تكن له أية مشاركة في اسقاط لوي فيليب. آخرون أمثال لودرو رولين الذي لعب دورا في ا لمظاهرة الجمهورية الكبرى التي تم قمعها يوم 13 يونيه 1849، أجبروا على المنفى. أما بالنسبة لكوسوت، بطل الثورة الهنغارية فإنه لم يعد أبدا إلى بلاده ومات في تورينو سنة 1894 بعد أن ندد »بتوافق« 1867 الذي أسس للملكية النمساوية الهنغارية المزدوجة.
هنري لورنس: حجم تجديد الأطر السياسية يبقى رهينا بمدة الأحداث، فإذا ما استقر النظام بسرعة، إذا عاد الناس إلى ديارهم، فلن يكون أمامهم سوى الحنين والذكرى كما حصل في ماي 1968. وإذا طال عدم الاستقرار، ستقع بالتأكيد انقلابات داخل الطبقة السياسية، وحول هذه النقطة الأخيرة كذلك ليس هناك شيء مؤكد، ولكن مع ذلك هناك عنصر لم نتحدث عنه والذي يمكن أن يوحي بوجود استقرار نسبي على المدى المتوسط: السياحة. يجب أن لا ننسى أن الأمر يتعلق هنا بعنصر جوهري بالنسبة لاقتصاديات مصر وتونس. فإذا استمرت الثورة لن يعود السياح، وإذا لم يعد السياح فإن الاقتصاديات ستنهار.
{ كيفما كان مستقبل الثورات، وحتى عندما تلي هذه الثورات ثورات مضادة، فإن العودة الى الوراء يمكن أن تكون كاملة؟
سيلفي أبريل: لا يمكن ألا نركز على هذه النقطة. بعد «ربيع الشعوب» سنة 1848، حتى وإن انتصرت الثورات المضادة بشكل عام فإن بعض المكتسبات بقيت: الاقتراع العام »للذكور « في فرنسا، الدساتير الممنوحة في إيطاليا وفي أوربا الشرقية. نهاية السخرة في النمسا، هنغاريا وبروسيا... الثورة المضادة تتأقلم، وتتبنى بعض المطالب السياسية في مجالات الصحافة أو حق التصويت بل وتجعل منها أدوات لسلطتها.
بييرهاسنر: عموما وبالرغم من المخاوف التي يمكن تثار بخصوص بعض الأنظمة، مثل النظام ا لهنغاري اليوم، فالدول الشيوعية السابقة أصبحت وظلت دولا حرة تجري فيها انتخابات حقيقية. بالنسبة لقيام مجتمع مدني ، أقر بأن الأمر أصعب، مشكل المافيات لاسيما في البلقان وبشكل عام مشكل الفساد الذي يبقى مقلقا جدا.
هنري لورنس: كيفما كان مستقبل العالم العربي هناك شيئان على الأقل تغيرا: الأول هو أن نموذج الرئيس مدى الحياة تلقى ضربة قاضية. الأمر الثاني هو تغيير الصورة التي يكونها العرب عن أنفسهم والتي يقدموها للعالم. صورة الإرهابي الملتحي تحولت الى صورة المناضل في ميدان التحرير الذي ينظف بمكنسته، ماديا ورمزيا، الفوضى. أنا عائد للتو من الولايات المتحدة ويمكن أن أؤكد لكم أن الأمريكيين كانوا حساسين جدا لهذه الصور الجديدة. لقد انهارت العديد من الصور النمطية، وسيكون لذلك آثار كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.