قال محمد بنشيكو المدير السابق لصحيفة"لوماتان" الجزائرية، إنه غير متفائل بإمكانية إحراز تقدم كبير في جولة محادثات المغرب وجبهة البوليساريو. في حوار مع دويتشه فيله انتقد بنشيكو أداء دبلوماسية بلاده في هذا الملف. بدأت جولة ثالثة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو تدوم يومين برعاية الأممالمتحدة وبحضور الجزائر وموريتانيا المتاخمتين لإقليم الصحراء الغربية، كمراقبتين. وقد ضم المغرب سنة 1975 المستعمرة الإسبانية السابقة التي تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر باستقلالها. وتسعى الأممالمتحدة منذ عام 1991 لإجراء استفتاء حول مصير الصحراء الغربية، لكن تنظيم الاستفتاء يواجه منذ سنوات مأزقا، ومن جهته يسعى الدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس المبعوث الخاص لأمين عام الأممالمتحدة إلى الصحراء الغربية، من خلال تنظيم جولة محادثات جديدة إلى إيجاد تسوية للنزاع، وبينما تتمسك جبهة البوليساريو بتنظيم الاستفتاء كسبيل لتحقيق استقلال الإقليم المتنازع عليه اقترح المغرب في الفترة الأخيرة صيغة للحكم الذاتي الموسع في الإقليم. وفي حوار مع دويتشه فيله انتقد الإعلامي الجزائري ورئيس تحرير صحيفة" لوماتان" الجزائرية سابقا، محمد بنشيكو، أداء الديبلوماسية الجزائرية في نزاع الصحراء الغربية، داعيا إلى تجديد النخب وملاءمة القرار السياسي الجزائري مع المعطيات الجديدة في منطقة المغرب العربي والتحولات التي حدثت على مستوى الرأي العام الدولي. وفيما يلي نص الحوار مع الإعلامي الجزائري محمد بنشيكو: دويتشه فيله:هل تتوقع أن ينجح الموفد الأممي كريستوفر روس في المحادثات التي تنطلق في الولاياتالمتحدة الأميركية، فيما فشل فيه موفدون دوليون سابقون للصحراء الغربية ؟ حسب ما جرى خلال الأيام الأخيرة الماضية، لست متفائلا كثيرا.جميع المواقف راديكالية ومتصلبة، وكل متمسك بموقفه، لا أعتقد أن هناك أي جديد فيها، إضافة إلى أنه لم يحدث أي تقارب بين أطراف الأزمة. لذا وبحسب ما أرى فلن تكون هناك أي نتيجة إيجابية. ولكن ما يمكن أن يحدث هو نوع من التقارب، ولكن لمجرد أنهم على الأقل سيجلسون على مائدة حوار واحدة وتجري بينهم محادثات، فاعتبر هذا الأمر في حد ذاته إيجابيا ومكسبا كبيرا.أما بشأن إمكانية التوصل إلى حل للنزاع من خلال المحادثات الحالية، فلا أعتقد أنه سيكون هناك حلولا. إذا كانت مواقف أطراف النزاع متصلبة، فما الجديد الذي يمكن أن يحدث في هذه الجولة من المحادثات؟ لقد وقعت في الآونة الأخيرة أحداث يمكنها أن تؤثر على مجريات المفاوضات، ومن أهمها حادثة قضية مصطفى ولد سلمى المسؤول السابق في البوليساريو الذي أعلن موقفا معارضا لموقف قيادة جبهة البوليساريو، بالإضافة إلى التأثير الذي يمكن أن تقوم به الولاياتالمتحدة الأميركية التي يمكن أن يشهد موقفها تغييرا ما.ولكنني أعتقد أنه من الناحية الجوهرية لن يحدث في هذه المفاوضات تقدم كبير. وكيف تقيم أداء الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة في نزاع الصحراء الغربية؟ إنها فاشلة. إن الدبلوماسية الجزائرية، الآن متأخرة جدا، بالمقارنة بحقبة ما قبل الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، مثلا مقارنة بعهد حكم الرئيس السابق اليمين زروال.اعتقد أن الدبلوماسية الجزائرية في هذا الملف تحديدا تفتقد التأثير والإشعاع، وقد أخفقت الديبلوماسية الجزائرية في هذا الملف وخسرت الكثير وأهدرت الدعم الذي كانت تحظى به في السابق،لأن الرئيس بوتفليقة جعل الدبلوماسية الجزائرية متمحورة حول شخصه وأفرغها من مضمونها وجوهرها، وبالتالي أصبحت فاقدة للتأثير وخصوصا في هذا الملف. إثر طرح المغرب لفكرة الحكم الذاتي، هل تعتقد أنه بإمكان الجزائر تشجيع جبهة البوليساريو على طرح أفكار واقعية لإخراج هذا الملف من المأزق الذي يراوحه؟ المسألة لا ترتبط بأفكار واقعية، ولكن في طرح أفكار تتلاءم مع التحولات التي حدثت في العالم، ولكن الجزائر جعلت نفسها منغلقة عما يجري في العالم، لأن الديبلوماسية الجزائرية ما زال يديرها جيل قديم وبأساليب قديمة ومعايير عتيقة وعلاقات قديمة، وذلك مقارنة مع المغرب، الذي كان لديه الحظ في جعل دبلوماسيته بيد جيل جديد، يفهم كيف يسير العالم الآن وكيف تتحدد فيه التوجهات الدولية، بينما نظل نحن في الجزائر منعزلين عن التوجهات الجديدة في الرأي العام الدولي.ولذلك فقد فشلنا وفشلت معنا البوليساريو في حقيقة الأمر، لأن الديبلوماسية الجزائرية فقدت التأييد الدولي الذي كانت تحظى به في السابق. هل تستفيد الجزائر من استمرار النزاع في الصحراء الغربية؟ هذا السؤال نطرحه منذ ثلاثين سنة ولا نجد إجابة عنه، ولذلك اعتقد أنه يتعين أن يحدث تجديد في الأجيال والنخب التي تدير دفة الأمور في النظام السياسي والدبلوماسية، لأن المعايير التي اتخذ على أساسها قرار الجزائر بخوض مواجهة وحرب ضد المغرب عام 1975، أصبحت (تلك المعايير)الآن متجاوزة، وعلينا الآن أن ننظر للأمور من منطلق جديد.ويتعين أن يتفق الجانبان المغربي والجزائري حول مصلحة مشتركة في منطقة المغرب العربي، ولا أرى أن هنالك مصلحة يمكن أن تجنيها الجزائر من استمرار هذا النزاع. لكن بعض المتتبعين لتطورات الأوضاع في المنطقة، يلاحظون بأن الجزائر توجهت في الآونة الأخيرة للتسلح بشكل كبير، فكيف تقرأ هذا التطور وهل ينطوي على مؤشر لاحتمال اندلاع النزاع المسلح من جديد بعد 20 عاما من وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية؟ ربما يعود الأمر إلى عدم تفاهم حول هذه القضايا داخل الحكم في الجزائر، وبرأيي فإن السلطة الجزائرية لا يوجد بداخلها رأي موحد إزاء هذا الملف، لأن الأجيال الجديدة من رجال الأعمال والتجار يطالبون اليوم بأن تفتح الحدود بين دول المغرب العربي وأن يتحقق اندماج فيما بينها، وينادون بحرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال. إن الوضع الحالي الذي يوجد عليه المغرب العربي لا يناسب مصالح وتطلعات الأجيال الجديدة وفئات رجال الأعمال والمستثمرين سواء في الجزائر والمغرب، أو في أوروبا والولاياتالمتحدة الأميركية. وهنالك معطيات جديدة تفرض نفسها، ويتعين على القرار السياسي أن يأخذ بعين الاعتبار آراء المستثمرين ورجال الأعمال وأجيال الشباب وتوجهات الرأي العام، وهذا هو المشكل المطروح في الجزائر، ولكن هنالك انقسام داخل النخبة الحاكمة في الجزائر حول هذا الملف. *محمد بنشيكو، رئيس التحرير والمدير السابق لصحيفة"لوماتان"الجزائرية، وهو صحافي مستقل وسبق له أن اعتقل بسبب آرائه المعارضة لنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.