تمهيد : تحقق الحكاية كل الرغبات ففيها يشفى العقم و ينتقل الفقر إلى غنى في رمشة عين ، كما تدعو الحكاية إلى ضرورة احترام الرجل لوحم زوجته .. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة و السلام .. يحكى أن رجلا له زوجتان لا تنجبان و مهرة هي الأخرى لا تضع، فذهبا في يوم إلى الساقية لغسل الصوف فأخذتا تبكيان على حالهما ، فمر بهما طائر الحدأة وقال لهما: ما بكما أيها الجمال الصافي و لم تبكيان ؟ فقالتا له : يحق لنا أن نبكي، نحن لا ننجب و كذلك المهرة لا تضع . قالت له الحدأة: هذا شيء بسيط و لا يستحق دموعكما، سأذهب الآن و سأرمي لكما برمانتين و المهرة بحشيشتين . حلق الحدأة بعيدا ، ثم عاد و رمى لهما رمانتين و حشيشتين . واحدة أكلت رمانتها و الأخرى وضعتها في السلة، قالت: حتى البيت وآكلها . فوجدها زوجها و أكلها فصار ينجب ، الرجل ينجب و المرأة تنجب . و بعد شهور أدركه ألم المخاض فذهب عند رجل حكيم و أخبره، وقال له: أمنني و أقول لك ؟ قال له: عليك الأمان. قال له: عندي زوجتان لا تنجبان ، و ذهبتا إلى الوادي، وأخذا الصوف لتغسلاه ، و تذكرا أنهمتا لا تنجبان فجلستا تتباكيان ، فمر عليهما الحدأة ، وقال لهما: لماذا تبكيان أيتها الجميلتان ؟ قالتا لها: يحق لنا أن نبكي، نحن لا ننجب و المهرة بدورها لا تضع. قال لهما : إن ذلك لا يستحق دموعكما سأرمي لكما رمانتين والمهرة حشيشتين. و هذا فعلا ما قام به الحدأة، واحدة أكلت رمانتها والأخرى وضعتها في السلة قالت في نفسها حتى الدار و تأكلها، فوجدت تلك الرمانة وأكلتها. قال له الحكيم: الآن اذهب إلى غار الغزال و افتح فخدك، و ما كان هناك سيخرج. ذهب إلى الغار و فتح فخده، فقفزت منه تلك بنت مغطاة بالشعر، فتركها هناك عند غار الغزال وانصرف. و في يوم من الأيام كان حراس السلطان يصطادون في الغابة، فرأوها وأخبروا بها السلطان ، وقالوا له: أمننا و نقول لك . قال لهم: لكم ستة و ستين أمانا. قالوا له : فتاة جميلة مع خشفان الغزالة لم يجد بمثلها زمان. قال لهم : أحيطوا بها و اصطادوها . فهبوا إليها فرأوها تقفز كما تقفز خشفان الغزال، وتسابقهم فتسبقهم فأحاطوا بها فلم يستطيعوا إمساكها إلا أن شعرها الطويل علق بنبات السدر فقبضوا عليها ، و ذهبوا بها إلى السلطان لما نظر إليها أعجبته فرغب في الزواج منها ، و وجد أنها بكماء لا تتمكن من الكلام.. فقال له الحكيم: جيئوا أمامها بالعبد كأنكم تريدون قطع رأسه فتقول آها ،فتزول تلك الغشاوة أو المضغة التي في حلقها و التي تكونت من حليب الغزالة التي كانت ترضع، والتي تمنعها من الكلام و تسد حلقها. و هذا ما فعلوه أخذوا العبد و أوثقوه ،و أخذوا السيف و كأنهم يزمعون قتله، فقالت: آها . ورمت بتلك المضغة من فمها.. فتزوج بها السلطان ، و عندما جاءت الحركة[1] ذهب ليشارك فيها،وترك لها صابون عام، و زيتا يكفيها عاما، وماء يكفيها عاما وحنة عام و طحين عام ، و كل شيء يكفيها عاما. ومرت أيام وهي تعيش في سعادة، لكن بنات عمها حسدنها على زواجها من ابن السلطان ، فاكتروا عجوزا كانت خادمة في قصر السلطان فأصبحت تأتي إليها دائما و تقول لها: افتحي أيتها المقهورة، أيتها المغبونة ، افتحي لي ليس عندك أم تعتني بك ، افتحي لي أنظف لك شعرك و احكي لك حكاية . أجابتها: سيدي قد أقسم علي أن لا افتح لأحد. و كانت العجوز تأتي كل يوم و تعيد نفس الكلام، وفي الأخير فتحت لها فقالت لها: تقدمي أمشط لك شعرك. فجلست العجوز تبحث في شعر الفتاة تقلب شعرة وتغرس إبرة سم في مكانها ، و لما أتمت عملها وغرست سبع إبر في شعر الفتاة ، كسفت هذه الأخيرة و تحولت إلى حمامة و طارت عاليا في السماء . و صارت تأتي كل ليلة عندما يرقد الجميع و تحط فوق قبة حجرتها وتقول: رمان الحدأة وما صنع بي ، أمي طلبتني وأبي أنجبني، وتزوج بي ابن السلطان، و هذا ما كتب علي ،ابك أيتها الحجارة ، و ابك أيها الشجر، وهذا ما كتب علي، سيدتي القبة هل قدم سيدي أو مازال في غيبته؟ تجيبها القبة قائلة: لازال لم يأت يا بنيتي . و في يوم من الأيام سمعها رجل، فجاء عند ابن السلطان، و قال له: أمنني و أقول لك. قال له: عليك الأمان، لن يلحقك أي ضرر. قال له: هناك حمامة بيضاء تأتي و تحط فوق قبتك، وتقول: رمان الحدأة وما صنع بي، أمي طلبتني وأبي هو من أنجبني، وتزوج بي ابن السلطان و هذا ما كتب علي، ابك أيتها الحجارة و ابك أيها الشجر، هذا ما كتب علي، سيدتي القبة هل قدم سيدي أو مازال في غيبته؟ و الآن أوص الحراس و سترى أنها تأتي كلما حل الليل ورقد كل من في القصر. و في ليلة من الليالي ارتقبها ابن السلطان و انتظر حتى انتصف الليل و نام الجميع، فجاءت الحمامة وحطت فوق القبة و جلست و أعادت كلامها : رمان الحدأة وما صنع بي أمي طلبتني وأبي من أنجبني وتزوج بي ابن السلطان و هذا ما كتب علي، ابك أيتها الحجارة و ابك أيها الشجر و هذا ما كتب علي ،سيدتي سيدتي هل قدم سيدي أو مازال في غيبته؟ فلم تسمع جوابا كالعادة، فعلمت أنه جاء،و في الغد عمل ابن السلطان لها لصاقا في المكان الذي تحط فيه، فلما جاءت علقت في مكانها ، فلما أرادت أن تطير لم تستطع ، فأمسك بها و بدأ يتعجب ويقول و هو يربت على رأسها : الله ما أجمل هذه الحمامة، الله ما أجمل هذه الحمامة . حتى صارت امرأة أمامه، فلم يصدق أن يرى زوجته الحبيبة من جديد،وقال لها متعجبا: ما الذي حل بك، و كيف وقع لك ما وقع؟ فحكت له الحكاية من بدايتها و ما فعلت معها العجوز ، فأرسل إلى الخادمة العجوز التي فعلت بها ذلك ليعاقبها، فوجد حالها قد تغير، لقد شاب شعر رأسها و خبت عيناها وسقطت أسنانها و تشقق جلد قدميها،فعجب من ذلك وقال لها : لم شاب راسك؟ قالت: بسبب حناء بلدكم يا سيدي،و زيت بلادكم يا سيدي. لماذا ذبلت نظراتك؟ بسبب كحل بلادكم يا سيدي. لماذا تشقق جلد قدميك ؟ بسبب حناء بلادكم يا سيدي. لم سقطت أسنانك؟ بسبب سواك بلدكم يا سيدي. و لم تدرك أن ما حل بها هو عقاب لها على سوء فعلها ، و ما حل بالعجوز الشريرة لم يكن إلا جزاء لها على شرها و اعتدائها على الفتاة الطيبة، أما الفتاة فقد عاشت مع زوجها السلطان حياة سعيدة وهما في أرغد عيش. وتركتهم هناك ورجعت .... سيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا أبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية 56 الرسم للكاتب انتظروا غدا حكاية أخرى أوشن د أوشنت و كيف صار جلد الذئب مبقعا . ------------------------------------------------------------------------ [1] الحركة هي الحرب