تقديم: ماذا لو استيقظت ذات يوم و لما نظرت إلى السماء ، رأيت فراخ اللقلق يتبعون أنثى الغراب و فراخ اللقلق يتبعون أنثى الغراب ، ألن تقول ي و أنت في غاية الدهشة: شي حاجة بغات تطرى في الدنيا. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة والسلام .. يحكى أن رجلا كان تاجرا و كان يسوق مركبا في البحر ينقل به البضائع ، و كانت كنيته : تاجر حلابو للي داه ماجابو و للي خلاه ما صابو .. الذي ذهب به لم يرجعه و الذي تركه لم يجده، فمر أحد الطيور وقال له بمنطق الطير : تاجر حلابو الذي ذهب به لم يرجعه و الذي تركه لم يجده. و في يوم من الأيام أخذ معه ولده و كان عالما بمنطق الطير ذهب به ليسمع ما تقوله الطيور،فركب معه المركب و مخرا عباب الموج ، فمر نفس الطائر و قال نفس القول : تاجر حلابو الذهب به لم يرجعه و الذي تركه لم يجده. فقال لولده : قل لي ماذا يقول هذا الطائر ؟ فقال له ولده مستحييا : لن أقول لك . فقال له : و الله إن لم تقل لي لأرمينك في البحر . فلم يرد الابن أن يشرح له كلام الطائر حياء منه ، فصنع له صندوقا ورماه في البحر . و مرت الأيام و تحققت نبوءة الطائر فتاجر حلابو لم يعد بابنه ذهب به و عندما عاد لم يجد ما تركه فافتقر و صار متسولا . و في مكان آخر قام الأطفال بخلط بيض اللقلق مع بيض الغراب ، و كان عشهما مواجها لمنتزه السلطان، فرأى السلطان الغراب تتبعه فراخ اللقلق، ورأى اللقلق تتبعها فراخ الغراب . فقال : العجب شيء ما سيحدث في الدنيا ، فراخ اللقلق، ورأى اللقلق يتبعون الغراب ، و فراخ الغراب يتبعون اللقلق ، و الله سأرسل للفقهاء و الحكماء إذا لم يفسروا هذه الواقعة قطعت أعناقهم . فاستدعى كل فقهاء البلاد و طلب منهم تفسير ذلك، فلما جاءوا عنده قال لهم: إذا لم تفسروا لي ما يقع قطعت أعناقكم . فقالوا له: يا مولاي أمهلنا ثلاثة أيام إذا لم نفسر ذلك، اقطع أعناقنا. فذهبوا إلى ذلك البحر عند الشاطئ و هم يفكرون في حل هذا اللغز و كانوا في هم و غم شديدين حتى وجدوا صندوقا تتقاذفه الأمواج إلى الشاطئ وتعود به إلى البحر. فالتقطوه و ابتعدوا به عن البحر ، فلما فتحوه وجدوا فيه ذلك الغلام و هو غائب عن الوعي فقطروا له السمن حتى استعاد القدرة على الكلام .. فلما حكى له قصته مع أبيه، سألهم عن حالهم و عن ما هم فيه من الغم فأخبروه بحكايتهم، وقالوا له : و الآن نريد حل هذا اللغز حتى لا يقطع السلطان أعناقنا. قال لهم: الحل بسيط إنه البيض قد خلطه الأطفال ، بيض اللقلق و ضعوه في عش الغراب ، و بيض الغراب وضعوه في عش اللقلق. ففرح الفقهاء فرحا شديدا و شكروا الغلام و أكرموه و أسرعوا عند السلطان فقال لهم: من يشرح لي اللغز أعطيه نصف الحكم و أعطيه ابنتي. فقالوا له: لقد وجدنا من عنده حل اللغز. قال السلطان : و من هو ؟ قال الفقهاء: هذا الغلام الذي وجدناه في صندوق على الشاطئ . قال لهم: أحضروه . فلما مثل بين يديه قال له: من تكون و ما خبرك ؟ فحكى له قصته من البداية حتى النهاية و قال له: هل عندك تفسير لما وقع ؟ قال له : إنه بيض قد خلطه الأطفال ، بيض اللقلق وضعوه في عش الغراب، و بيض الغراب و ضعوه في عش اللقلق. فتكلم مع اللقلق و مع الغراب بكلام الطيور الذي يتقنه فطارت اللقلق و استعادت فراخها ، و طارت الغراب وتبعها فراخها .. فملأت القصر الزغاريد و أقيمت الاحتفالات ، و أخذ الغلام نصف الحكم و تزوج الأميرة الجميلة بنت السلطان و صار يحكم مكانه. أما تاجر حلابو الذي أخذه لم يعد به و الذي تركه لم يجده فقد أصبح يشحذ هو وزوجته أمام البيوت فصادف مرور موكب السلطان فرآه ولده فعرفه فقال لخدمه: اذهبوا بذلك الرجل واذهبوا به إلى الحمام وألبسوه كسوة حسنة. ثم قال لهم : و خذوا تلك المرأة إلى الحمام و أعطوها كسوة تليق بها و أحضروهما بين يدي . ففعل الخدم ما أمرهم به ، غسلوا لهم، و ألبسوهم لباسا فاخرا و أحضروهما إلى مجلسه . وكان قد تعرف عليهما بكونهما أمه و أبيه ، لكنه لم يقل لهما شيئا فأصبح يسألهما، فقال لهما: هل كنتما في هذه الحال من الأول، كنتما شحاذين ؟ فقال له أبوه : كان عندي غلام و كنت أسوق مركبا في البحر أنقل به البضائع، فمر طائر لم أعرف ما يقول فطلبت منه أن يخبرني بمعنى كلامه فامتنع ، فرميته في البحر . قال له الابن : قال لك تاجر حلابو الذي ذهب به لم يرجعه و الذي تركه لم يجده . تاجر حلابو للي داه ماجابو و للي خلاه ما صابو .. فعرفه أبوه وعانقه و عانق أمه و عاشا معا حياة سعيدة . سيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا أبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية 59 انتظروا غدا حكاية أخرى عن بريغثان سيد الرجال