تفاجئني طريقة تفكير معظم اليسار الغربي، أعني الأوروبي منه وبشكل خاص الفرنسي. فالفرنسي له ميراث قديم وعريق في العلمانية، أقدم من علمانية بقية الغرب وهي أكثرها شراسة. هذا وغالبا ما أرى اليسار الغربي يقع في البلادة من حيث التعامل مع الناس والحياة. أعني بالبلادة، ميله الى التسطيح من ناحية، وحبه للتسلط من ناحية ثانية، الأمر الذي يجعله متناقضا مع ما ينتقده لدى اليمين. هم (أي اليساريون) دائما يتهمون اليمين بالفاشية. لكن لو عدنا الى بعض تفاصيل اليسار في بلدان أوروبية عدة، ومنها فرنسا، ننتبه الى أن كل ما يقوله اليساري عن اليمين مجرد بروباغاندا معادية، إذ هو، اليساري، لا يقل فاشية عن الثاني. ونعرف طريقة ميتران الطاغية في إقصاء من لم يكن من رأيه مثلا . ونرى كيف أن اليسار في بعض البلدان الأوروبية (ألمانيا مثلا ) وفقط بهدف إقصاء اليمين عن طريقه ومنعه من كسب المزيد من الأصوات، فقط لهذا السبب وليس لأي سبب إنساني كبير يتذرع دائما به، يتحالف مع الأقليات المهاجرة في بلده، وهذا، لكي يصل الى الكرسي، الى السلطة. من أجل السلطة فقط، يدوسون أخصامهم مستعملين المهاجرين، وليس من أجل مصلحة الوطن والمواطنين! ثم وتكرارا ، فالفاشية لا تغيب عن عادات اليسار، و"التجاوزات" التي نعرفها لدى اليمين، لا تختلف عن تلك التي عند اليسار. وبهذه التجاوزات أعني، بصورة خاصة، إلغاء وإقصاء "الآخر". يقال في علم السوسيولوجيا إن اليمين تكمن فيه روح التسلط والهيمنة. لكن لو راقبنا عن كثب اليساريين في العالم، فوراء شعار الإنفتاح ورحابة الصدر والتسامح والقبول بالآخر، تحت هذا الشعار الكاذب، تختبىء فيهم أشرس أنواع التسلط والميل إلى نبذ الآخر والكره لكل ما ليس مثلهم أو خاضعا لفكرهم. بالمناسبة، ومن بين فروع اليسار الشتى، حزب الخضر مثلاالذي يشتغل في السياسة اليسارية أكثر منها في التوعية البيئية وحمايتها. ليست المرة الأولى التي انتقد فيها بلادة اليسار وتسلطه، لكن رغبة الكلام في الموضوع عادت اليّ بعد زيارة الى فرنسا قبل أيام وكنت أتحدث مع صديق فرنسي، أعرفه بأفكاره اليسارو- علمانو- بيئوية. وراح يسخر من المتدينين (المسيحيين منهم طبعا . فجحا لا يتشاطر سوى على أمه)، ناسيا أن الإنسان منذ فجر التاريخ لم يعش سوى برفقة الآلهة على أنواعها. وأن الإنسان الحديث مصاب بالفراغ بسبب غياب الآلهة، وأن الفلاسفة الإغريق أقاموا فلسفتهم وسط مجتمع يؤمن بالآلهة (هذا مثالا لا حصرا ). وسألته "لماذا الملحد يسخر بحرية كبيرة وبضحكة فضفاضة ممن هو مؤمن، واليساري من اليميني، ولماذا العكس ليس صحيحا على الإطلاق؟ أليس لأنكم فاشيون متسلطون قمعيون بمعنى أنكم لا تحترمون حرية من ليس منكم وفيكم "؟ *شاعرة وصحفية لبنانية