عاش المغرب، مؤخرا، على وقع حدثين شدّا إليهما الأنظار واستأثرا باهتمام الرأي العامّ، الوطني والدولي، يتعلق أولهما بالتفجير الإرهابيّ، الذي هزّ مقهى "أركانة" في ساحة "جامع لْفنا"، قلب مراكش النابض، وخلّف مقتلَ 17 شخصاً، أغلبُهم من الأجانب، إضافة إلى عشرات الجرحى. أما "الحدث" الثاني فهو اعتقال الصحافي رشيد نيني، مدير نشر مجموعة "المساء ميديا" ومتابعته، في حالة اعتقال وبموجب القانون الجنائيّ، في خرق صارخ للقانون، إذ إن حالة كاتب "شوفْ تْشوفْ" تقتضي محاكمتَه وفق بنود الصحافة، باعتبار نيني صحافيا وليس مجرماً ضُبط متلبساً بجناية... وإذا كان الحدثان (تفجير "أركانة" واعتقال رشيد نيني) يبدوان، ظاهرياً، متباعدَيْن ولا رابطَ يجمع بينهما، فإن من غريب "الصُّدَف؟" أنهما تمّا في اليوم نفسِه! نعم، ففي نفس اليوم الذي تعرّضت مراكش للتفجير الإرهابيّ الشنيع، تم اعتقال رشيد نيني. وإذا كان من "العبث" محاولة البحث عن دواعي هذه "الصدفة؟" التي جمعت الحدثين، فإنني سأحاول، هنا تناول موضوع اعتقال أشهر كاتب افتتاحية في الصحافة المغربية المكتوبة... ما من شك في أن هذا الاعتقال (المرفوض في كل الأحوال) يأتي في ظرفٍ غيرِ مناسب تماماً للمملكة في ظل التغيُّرات التي يشهدها العالَم من حولنا، والتي تسير في سبيل تحقيق المزيد من الحرية للشعوب، بدل الاستمرار في قمعها و"إسكات" أصواتها، كما يحاول البعض ذلك، عبثاً، بالزجّ بالصحافي رشيد نيني في غياهب "عكاشة"، هو الذي لم يفعل شيئاً أكثرَ من تسمية الأشياء بمسمّياتها، فنشر تقارير وحرّر افتتاحيات تتناول الاختلالات التي شهدتها وتشهدها بعض الأجهزة الحساسة في البلاد. على أنه لا يمكنني، شخصيا، أن أعزل اعتقال رشيد نيني عن أمر هامّ جدا لا يمكن أن تفوتني الإشارة إليه هنا، باعتباري واحداً من المهتمين بما يروج على أثير الإذاعات، وهو أن الصحافيَّ المذكور، مديرَ نشر مجموعة "المساء ميديا"، كان قد شارك في حلقاتٍ من برنامج "فساد تحت المجهر"، على إذاعة "كازا إف إم"، تناول فيها، رفقةَ مهتمّين متخصِّصين، قضايا الفساد في المغرب... وإنْ هي إلا بضع حلقات، حتى تم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة وفق بنود القانون الجنائي... فهل هي مجرد "مصادفة" أن يتم اعتقال نيني بعد وقتٍ وجيزٍ من مشاركته في البرنامج الإذاعيِّ المباشرِ المذكور، أم إن هذا الاعتقال قد تم حتى لا "يقترف" صاحب "شوف تشوفْ" الشهير "جنايةَ" إضافةِ حلقة أخرى إلى سلسلة "جرائمه" التي "يرتكبها" بقلمه "السليط"، الذي عرّى به عن الكثير من "مناطق الظل"، التي ظلت مسكوتاً عنها في مشهدنا المغربيّ؟ هل ثمة رسالة مفادُها أنْ كفاك قلمُك، لا قدرةَ لنا على سماع "صوتك /"سوتك"، أيضا؟ فهل اعتقال نيني رغبةٌ في "تكسير" القلم أم في "تكميم" الفم -الصوت، قبل أن يتحول، بدوره إلى "موعد" قارّ يشُدّ إلى صاحبه اهتمام المشاهدين، بعد أن ظلت كلمتُه تستحوذ على شريحة واسعة من القراء؟!...