غريبة هي الروح و دافئة في الحزن كما في الفرح , ممارساتها الملحة للسؤال و الحلم لا تكف عن التطور و التصور , حتى لتشمل كل ما يعمق ارتباطنا بذواتنا . من البساطة و الدقة إلى الفوضوية و العنف , تنبعث الروح من نفسها و تتجدد مع كل إشراقة و صرخة و تفتح زهرة , في رحلة البحث عن إجابات يتسنى للإنسان معها مواصلة المسير . من هذا المنظور يبرز الفن كأرقى مظاهر التعبير و التفاعل الحسي التي لا مناص منها في سمونا ككائنات لها مكانتها الخاصة , و من ذات المنظور , يتخذ الخطاط و الفنان التشكيلي المغربي لحسن لفرساوي من أعماله ساحة لجدال الروح و وعي الحروف . كأي فنان ملتزم مرهف الحس , يحلم لحسن لفرساوي قدر المستطاع , و يصرخ كلما سنح بذلك الألم , محاولا اختراق الذات و الجماعة إلى الإنسان في بعده الكوني . يعتمد على وسائل و أدوات بسيطة , و قدرة عجيبة على إبداع و تحقيق وجود مادي لمعان و أحاسيس نتعايش معها دون تفسير . و هو يميل إلى تطوير أساليب عمله مما يعمق تجربته الإبداعية و يميزها عن باقي التجارب ، و هو دائم البحث في الثراث الإنساني عامة و العربي على الخصوص ، ما يجعل المتأمل لأعماله متحركا و متنقلا بين فضاءات فكرية عديدة ، تتقاسم الإنسان كفكرة و موضوع . و تأكيدا منه لغنى الحضارة العربية و ترسيخا لمفاهيمها الجمالية و الأدبية التي تشكل أحد ركائز الفكر الإنساني ، يربط لفرساوي اللون بالحرف كصلة وصل بين الشرق و الغرب ، كأنه يحاول تفنيذ نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون ، من خلال خلق نشاط فني يستمد حساسياته من روح الإنسان . لهذا يبرز الحرف مرادفا للون , و الستائر بنفسجية , و النافدة مفتوحة على كلمات تلملم أطرافها من أزمنة بعيدة, و الجسد أمام الضربات و الهزائم , كإحياء نبيل لعناصر و خصائص جمالية تستمد فنها من شرودها و هويتها العربية و فضائها الإنساني . و حين يطلق العنان لمخيلته يبعثر الأبجدية و يجعل الأجساد اليابسة ترثيها , أو يتواطأ مع هواجسه ليجعل أوجاع عالم بأسره محطمة في هيئة شجرة تتعرى لكثبان الرمل أو كمان تغلفه موجات البحر . و بشكل تدريجي تتبدد مأساوية المجهول , ليظهر الحب كإيمان عميق و رفض دفين لكل ما هو مادي . و تلك النزعة المطلقة للإنسان , تحرك في لحسن لفرساوي رغبات جامحة في الذوبان في روحه بعيدا عن الزمان و المكان , لا يهدأ من روعها إلا مقارعته لوجدانه , و تكرار الإيماءات و الرسائل التي تحفز حواسنا الذهنية للتفكير و التحليل حسب حدس دافئ , يربطنا أكثر بعمله الفني . و في نتوءات الضوء و تعرجات الألوان ... في لوحاته , حضور قوي لسلفادور دالي , من خلال الأجساد الأقرب إلى الفزاعات و الوجوه المبهمة المزهوة بأحد الأبيات الشعرية أو الحكم القديمة . و عوالمه السريالية اللامتناهية في غموضها , تعكس نضجا حسيا و فنيا يعترف باللاوعي كمنطلق واحد و وحيد لتفسير الأحداث و الظواهر الملازمة لحياة الإنسان . لهذا تترك أعماله بحكم ما تحمله من تجارب و أحاسيس مرة ، قد يكون المرض و الواقع العام أحد علاماتها البارزة , في ذاكرة متأمليه وشما معقدا و قاتم العوالم , غير مفهوم , يشبه في كينونته الفراغ , سرعان ما يتحول عند كل وقفة صامته أمام إنسانيتنا إلى كيان متحرك من الانطباعات القوية و المتقلبة , قد تجرد كل مفاهيمنا السابقة عن الفن و الجمال , من قالبها الشكلي . تحكم الروح بمجال الريشة و مسارها , يحتم على الحرف العربي توظيف كامل مخزونه المعرفي فوق الواقع , مما يقيم علاقة سحرية بين اللون و الحرف . علاقة نجح الخطاط و الفنان التشكيلي المغربي لحسن لفرساوي إلى حد بعيد , في صياغة تفاصيلها المميزة تحت تأثير نفسي يشرح صارخا مخاوف الفنان و ألامه و حتى تطلعاته . و في اعتباري الشخصي المتواضع جدا ، فقد تمكن ببراعة من تجسيد الصورة المثلى لتناغم محور اللاوعي : الريشة و القلم و الواقع الحي لسريالية الروح و اللون و الحرف , من منظور يعمق ارتباطنا بذاوتنا , عبر الممارسات الملحة للسؤال و الحلم . *شاعر و كاتب مراكش