لا أحد منا يبني رؤيته من فراغ.. ولا أحد منا يستطيع أن يتحمل هذا الصمت الذي كانت تقبع فيه الذات العربية. ومعها ذلك الخنوع والذل الكبيرين وخوف يعادل مساحة المغرب العربي الكبير. قالت الشاعرة الخنساء ذات رثاء : قذى بعينكِ امْ بالعينِ عوَّارُ امْ ذرَّفتْ اذْخلتْ منْ اهلهَا الدَّارُ كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ فجأة يخرج صوت نشاز من جموع الأمة العربية ، ويخاطب موجها حديثه إلى الشعب التونسي أنهم تسرعوا في إشعال ثورتهم، و كان عليهم أن ينتظروا حتى حلول سنة 2014 لتنحي زين الهاربين بن جري عن سدة الحكم. لينعموا بعد ذلك بالحرية . وأنهم لن يجدوا مثل هذا الرئيس في تونس. أعتقد أن حديث القذى في العين ينم عن تواطؤ مكشوف بينه وبين من يدبرون الحكم في كواليس تونس، خصوصا أن المعلومات التي تسربت مؤخرا تكشف عن وجود مخطط انقلابي عن زين الهاربين بن جري من طرف ليلى الطرابلسي زوجته، التي كانت تهيئ نفسها للاستيلاء على الحكم بتونس. مصيبة لو كان ذلك حصل، ستتشفى فينا الدول الغربية خصوصا وأنها عنونت بالبند العريض في صفحات جرائدها :ثورة تونس ( حتى العرب يمكنهم أن يقوموا بالثورة) لاحظوا مدى نظرتهم الحقيرة لنا، نسوا بأننا كنا خيرة أمة أخرجت للناس، وأن أجدادنا كانوا يشنون الحروب قرونا وقرون من أجل ناقة وإن نسوا نذكرهم بحرب البسوس. لكن حديث القذى: والقذى للمعرفة هو ما يقع في العين أو في الماء والشراب من نحو تراب ووسخ أيَّ قاذورات أو أذى أو تراب يقع، سواء في العين أو في الماء أو في الشراب، فيطلق عليه القذى. إذاً المقصود به الأشياء الهينة الصغيرة التي تكاد لا تدرك، يبصرها الإنسان ويفتح عينيه لها ما دامت في عين أخيه. ( أقول) حديثه أذى سقط وقع في عيوننا وكاد أن يعميها، لكن ولأنه شيء صغير ( برازيت) لم يؤثر في مسيرة الشعوب التونسية والجزائرية واليمنية والأردنية وحتى في ليبيا حين خرجت تطلب بنافذة تتنفس منها الحرية. وأيضا في نفس الوقت ينسى الجذع في عينه، والجذع هو واحد جذوع النخل، وهذه من المبالغة، وكأن جذع شجرة موجود في عينه من العيوب، ثم هو يتجاهله ولا يشتغل بإصلاحه، في حين أنه يدقق ويتحرى مع الآخرين بحيث يدرك عيوبهم مع خفائها هذا الإنسان لنقصه ولحب نفسه يدقق النظر في ثورة الشعب التونسي، فيدرك عيب زين الهاربين بن جري مع خفائه، فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به القذى دخل الحكم شابا صغيرا لكن أراه وقد تقوس ظهره فوق الكرسي، وتجاعيد الوجه أصبحت تلتمس المغفرة من جرها يمينا وشمالا وأفقيا وعرضيا. لكن اكيد أن ما قيل في حق الشعب التونسي دليل على أن الخوف هو من حرك الميكروفون. ودفعه ليصرخ في وجه الريح وهي أتية لا ريب فيها. يقول الشاعر: عجبت لمن يبكي على موت غيره دموعاً ولا يبكي على موته دما وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيماً وفي عينيه عن عيبه عمى.