دعا وزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي، إلى خلق "اقتصاد تراثي" حقيقي بإفريقيا مع تثمين للثقافة والتراث في السياسات العامة واستراتيجيات التنمية. وأضاف الصبيحي، أمس الثلاثاء بمراكش في افتتاح ندوة إفريقية حول "تجارب التراث العالمي بافريقيا"، أنه مع اعتبار أهمية التراث الثقافي كرصيد حقيقي يتعين تثمينه، فإنه يمكن للدول الإفريقية تطوير "اقتصاد تراثي" حقيقي، لا تعتبر الاستثمارات فيه ضائعة، لكنها منتجة للثروة مع تداعيات وتأثيرات اجتماعيين واقتصاديين أكيدين. وأشار إلى أن التراث الثقافي ينظر إليه على العموم باعتباره الأقل حظا في السياسات العمومية، وباعتباره عموما مظهر ثانوي للتنمية مقارنة مع قطاعات ذات أولوية كالتربية والصحة، مؤكدا أن التراث الثقافي من شأنه أن يقوم بدور أساسي باعتباره عنصرا محفزا للتنمية المستدامة. ولاحظ الوزير أنه بالرغم من كون افريقيا تتوفر على ثروة تراثية ثقافية غنية ومتنوعة وأصيلة، فإن القارة تبقى ممثلة بشكل متواضع جدا على مستوى التراث العالمي بنسبة تقل عن 15 في المائة من المواقع المسجلة بلائحة التراث العالمي لليونيسكو. وأضاف أن هناك ضرورة تحتم أن تكون القارة أكثر تمثيلية على الصعيد العالمي، من خلال الشروع في تسجيل المزيد من المشاريع وتعزيز الآليات التدبيرية للمواقع التراثية وتثمين الممارسات الجيدة للمحافظة عليها. وبخصوص الجانب المتعلق بالتعاون الافريقي، أكد وزير الثقافة على العزم الأكيد للمملكة في الانخراط في حماية وتثمين التراث الثقافي والطبيعي بافريقيا، في إطار التعاون جنوب-جنوب، مبرزا استعداد المملكة لوضع خبرتها في خدمة هذا التعاون في هذا المجال والعمل على تقديم مساهمة إضافية لصندوق التراث العالمي الافريقي. ومن جهته، شدد مدير صندوق التراث العالمي الافريقي، ويبير ندورو، على حق افريقيا في المحافظة على تراثها بالرغم من تحديات ضعف الامكانيات وضعف البنيات التحتية، مبرزا أنه من الضروري ضمان توازن بين التنمية وحماية التراث بافريقيا وهي مهمة صندوق التراث العالمي الافريقي الذي توصل الى رفع الميزانية الى 5ر3 مليون دولار، مما يعكس الوعي بهذه القضية. ونوه ويبير ندورو، في هذا الصدد، بالتزام المغرب لدى هذه الهيأة، مؤكدا أن المملكة تتوفر على تسعة مواقع مصنفة باعتبارها الأكثر أهمية بافريقيا، بالاضافة الى توفرها على خبرة كبيرة في مجال تدبير وحماية التراث. أما ممثل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" بالمغرب والجزائر وموريتانيا وتونس، ميكاييل ميلوارد، فدعا، من جانبه، الى وضع المحافظة على التراث في صلب السياسات العمومية بافريقيا والاستراتيجيات التنموية، مبرزا أن حماية التراث ليس بالجانب الكمالي، وأنه بالتدبير الجيد والمحافظة الناجعة، يمكنه أن يصبح رافعة للتنمية ذات أثر اجتماعي واقتصادي. وفي هذا الصدد، قال إن الدول الافريقية مطالبة برفع تحديات المحافظة على التراث الثقافي والطبيعي، مذكرا أن 16 موقعا بالقارة الافريقية، يندرج ضمن التراث العالمي، يوجد في خطر بسبب النزاعات والصيد المحظور والاتجار غير مشروع التي يجعل المواقع والأصناف المحمية في خطر. ومن جهته، أكد المسؤول بمديرية التراث الثقافي بوزارة الثقافة، عبد الله العلوي، على أهمية التعاون من أجل رفع تحديات المحافظة على التراث بالقارة الافريقية، مشددا، على الخصوص، على أهمية تعزيز القدرات والتكوين داخل الدول الإفريقية، من أجل النجاح في هذا المسعى. وذكر أن المغرب يلتزم بتعهداته في ما يخص بالجانب المتعلق بالتعاون، خاصة من خلال مساهمته في صندوق التراث العالمي الإفريقي. تجدر الإشارة الى أن ندوة مراكش تندرج في اطار توصيات مؤتمر "العيش مع التراث العالمي بافريقيا 2012″، لتنظيم اجتماع اقليمي كل سنتين حول التراث. وكان قد تم منذ يوليوز 2013، بالعالم بأسره، تسجيل 981 ثروة بلائحة التراث العالمي، وتقع 128 منها ب40 دولة. وتتوفر القارة الافريقية على 13 في المائة من هذا التراث العالمي، حيث أن هذه النسبة المتواضعة تتطلب دعم المشاريع المقدمة للتسجيل بالنظر الى كون القارة الافريقية تختزن تراثا غنيا وتقدم ثروة متنوعة وأعرافا استئنائية تستحق أن تكون ذات بعد عالمي. وتروم هذه الندوة، التي تنظمها وزارة الثقافة بتعاون مع صندوق التراث العالمي الافريقي، ارساء نقاش حول التجارب في التراث العالمي بافريقيا، خاصة في الميادين المتعلقة بالاطار العرفي والتدبيري والمشاركة الجماعية والتعبئة الاقتصادية وأثر النزاعات المسلحة. كما يهدف هذا اللقاء، الذي يشارك فيه ممثلو 15 دولة، الى وضع تحليل لطرق تدبير المواقع الافريقية للتراث العالمي، من أجل تقاسم التجارب حول التطبيقات الناجحة والتحديات ذات الوقع الاقليمي والدولي. وسيتناول المشاركون في هذا اللقاء مواضيع تهم "التجارب في التراث العالمي والتنمية بافريقيا"، و"الرهانات وتحديات المحافظة على التراث العالمي بافريقيا"، و"التراث العالمي في المناطق التي تعرف النزاعات واستراتيجية إعادة التأهيل".