بعد حالة الجدل الكبيرة خلال الأيام الماضية، دخل قانونان جديدان يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمغرب على جميع مجالاته البحرية، حيز التنفيذ. وبحسب الخبراء، فإن الصراع الدائر الآن بين مدريدوالرباط حول منطقة محاذية للجبل البركاني "تروبيك"، وتبعد عن سواحل الأقاليم الجنوبية بمئات الكيلومترات، وهي منطقة غنية بالمعادن والغازات من قبيل الكوبالت والتيلوريوم والأتربة النادرة التي تشكل مفتاحا لتطوير تقنيات جديدة، حيث تدخل في الكثير من الصناعات الهامة. ما وراء الصراع وتعتبر إسبانيا أن الجزر البركانية الواقعة قبالة سواحل الجنوب المغربي امتداد جيولوجي لجزر الكناري، وبالتالي هي جزء من الجرف القاري الإسباني، كما أنها حاولت عام 2014، بعد سلسة من الدراسات البحرية، السّيطرة على المنطقة البركانية، التي تقع على بعد حوالي 269 ميلا جنوب جزيرة إل هييرو. بموجب دخول الترسيم حيز التنفيذ يبسط المغرب سيادته في ضمّ الجزيرة البركانية إلى مجاله البحري من خلال القانون الذي أعلن السّيادة الكاملة على بعد 350 ميلا بحريا قبالة ساحل الصحراء، إلا أنه في حال حدوث صدام يمكن اللجوء للأمم المتحدة. وبهذا الترسيم يمد المغرب جرفه القاري حتى 350 ميلا، ما يمكنه من استغلال الموارد الطبيعية المتواجد في قاع البحر، إلا أن الخطوة تصطدم مع توسيع الجرف القاري الإسباني إلى الجنوب الغربي من جزر الكناري، بحيث تطالب مدريد منذ 2014 بتوسعة نفوذها البحري. مصادقة البرلمان في وقت سابق، صادق البرلمان المغربي بغرفتيه، بالإجماع على هذين القانونين في خطوة أثارت توجساً لدى إسبانيا، واثير الكثير من الجدل والاعتراض على الخطوة التي وصفتها إسبانيا بأنها فردية. إلا أن الرباط اعتبرت خطوة الترسيم "سيادية وداخلية"، وأكملت خطواتها حتى دخول الأمر حيز التنفيذ. ويتعلق الأمر بالقانون رقم 38.17، المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، والقانون رقم 37.17، المتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 2 مارس 1973، المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية. إجراء سيادي من ناحيته قال عبد العزيز أفتاتي البرلماني السابق وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إن عملية الترسيم هي إجراء سيادي، ترافق بالتأكيد العديد من التدابير السيادية. وأضاف في حديثه ل"سبوتنيك": "لكن لا شك في أن تنزيله يتم بمصاحبة ديبلوماسية، خاصة أن العلاقات بين المغرب وإسبانيا سليمة وسلسة، ومبنية على التفاهم والتعاون وترصيد الأمن والسلم". بسط الولاية في ذات الإطار، قال الدكتور عبد الإله الخضري، الباحث في الاقتصاد السياسي، إن قيام المغرب بترسيم حدوده البحرية يأتي في إطار تحيين الترسانة القانونية الوطنية للمغرب. وأضاف في حديثه ل"سبوتنيك"، أن الخطوة تشكل فرصة لملاءمتها مع مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982، وتجويد بعض الأحكام التي تتضمنها، وملء فراغ قانوني مهول تسببت فيه المنظومة القانونية المتقادمة التي كان التشريع المغربي قد اعتمدها منذ سنة 1973″. وأوضح أن المغرب لم يكن يملك مرجعا قانونيا يمكنه من بسط ولايته وسيادته على مجاله البحري الحيوي الضامن حدوده الترابية إلى إقليم طرفاية، مما كان يوفر فرصة لبعض الشركات الأجنبية لمحاولة القيام بأنشطة استثمارية مشبوهة قبالة شواطئ المغرب بالأقاليم الجنوبية. تداعيات محتملة وتابع: "القانونان المحدثان دخلا حيز التنفيذ، ولا أعتقد أنه في بداية مرحلة التنفيذ ستطرأ بعض الإشكاليات البسيطة نوعا ما، لكن سرعان ما سيتداركها المغرب، إلا أن التحدي الكبير، يكمن في احتمال تحرك مناوئ للمغرب في وحدته الترابية، وأخص بالذكر "البوليساريو" وبإيعاز من إحدى الدول العربية، وبعض الشركات الأوروبية الانتهازية، التي تبحث عن استغلال الفرصة للتشويش على هذا التدبير القانوني الجديد". وشدد على أن المغرب "سيخرج منتصرا في معركته مع من يسعون لتقويض سيادته على مجاله البحري، ومحاولة تفويت الفرصة عليه، لثنيه عن تنفيذ استراتيجية، التي تتضمن الكثير من المنافع الاقتصادية الهامة،والتي باتت ضرورة حيوية وإن جاءت متأخرة". وأكد "ضرورة اتخاذ المغرب خطوات حازمة وجريئة في وجه المناوئين ضد خطوته المشروعة". ردود فعل إسبانية الخطوة المغربية دفعت الجانب الإسباني إلى التعليق السريع، حيث علقت وزيرة الخارجية الإسبانية على دخول قانون البحار حيز التنفيذ بالمغرب، وقالت في تصريح موجه إلى الرأي العام الإسباني: "نشر القانون في الجريدة الرسمية لا يحمل جديدا بحكم أننا نعرف محتواه بصفة عامة خلال مراحل مروره بالبرلمان"، وحرصت وزيرة الخارجية الإسبانية على تذكير المغرب بالاتفاق الذي جرى مسبقا بين الرباطومدريد حول أزمة ترسيم الحدود. وأكدت أرانشا غونزاليس، في "تغريدة" على حسابها، أن ترسيم الحدود البحرية يتطلب الاتفاق بين المغرب وإسبانيا على المناطق المحتمل الاختلاف حولها، عبر اتفاق ثنائي يتماشى مع القانون الدولي. وقصدت المتحدثة ذاتها "المناطق المحتمل الخلاف حولها مناطق الثروات الطبيعية الموجودة في باطن الأرض البحري، من قبيل المعادن مثل التيلوريوم والكوبالت والباريوم والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم وغيرها، علما أن باطن المحيط الأطلسي غني بالبترول والغاز وبموارد معدنية حيوية". القانون الدولي من جانبه، قال عبد العزيز النويضي، أستاذ القانون العام المغربي، إن المغرب "يحق له أن يمدد مياهه البحرية والمنطقة الاقتصادية، طبقا لاتفاقية المياه البحرية". وأضاف في حديثه السابق ل"سبوتنيك"، أنه "من المحتمل أن تحدث بعض الخلافات حال إقرار القوانين بين المغرب وإسبانيا، وفي هذه الحالة يمكن أن تحل عن طريق محكمة قانون البحار، أو محكمة العدل الدولية". ويرى النويضي، أن المغرب "صبر كثيرا بشأن ترسيم الحدود المغربية مع إسبانيا"، مشددا على أنه "لا يحق لإسبانيا الاعتراض على ترسيم الحدود البحرية طبقا لنصوص القانون الدولي، إلا أن إسبانيا قد تعترض من منطلق وجود جزر ترى أنها تتبعها في عرض المياه الإقليمية المغربية حال ترسيمها". المياه الإقليمية وأشار إلى أن "جزر الكناري التي بسطت إسبانيا سيادتها عليها، هي إحدى الأزمات التي تعقد الموقف، خاصة أنها قريبة من الشواطئ الجنوبية للمغرب، فهي تقع ضمن نطاق 200 ميل بحري من شواطئ المغرب". وتابع قوله بأن "بعض الخلافات يمكن أن تحل تقنيا بين الدولتين عن طريق تشكيل بعض اللجان، خاصة أن القوانين الدولية يمكن أن تضع بعض المعايير حال وجود جزر في المياه الإقليمية". ويرى أن احتمالية الصدام العسكري أو أي مواجهات من هذا القبيل "مستبعدة"، خاصة أن المغرب يتجنب الدخول في أي صدامات من شأنها "إشعال الصراع المسلح إلا إذا فرضت عليه". قانون البحار وحدد قانون البحار المناطق البحرية للدولة انطلاقا مما سمى "خط الأساس"، وقسمها إلى مياه داخلية وتشمل كل أشكال المياه من بحيرات وممرات مائية داخل خط أساس الدولة، والمياه الإقليمية التي تطبق فيها الدولة قوانينها وتضع فيها قواعد المرور البرىء ومداها 12 ميلا أو 22 كيلومترا. أما المنطقة المتلاصقة فهي تشكل 22 كيلومترا إضافية، ولا توجد سيادة مطلقة للدولة عليها لكنها تتعلق بأربعة موضوعات هي" الجمارك والضرائب والهجرة والتلوث". والمنطقة الاقتصادية وتبلغ 230 ميلا أو 370 كيلومترا من خط الأساس، حيث يكون للدولة الحق الخالص في استغلال الموارد الطبيعية.