منذ اعتماد لجنة الخارجية بمجلس النواب مشروعي قانونين لترسيم حدود المغرب البحرية في الأقاليم الجنوبية في السادس عشر من دجنبر المنصرم، لم تتم المصادقة عليها في الجلسة التشريعية العامة؛ وهو ما يؤشر على أن الأمر مُؤجل إلى حين، بسبب الجدل الذي خلفته هذه الخطوة من جدل في الجارة الإسبانية. يتعلق الأمر بالقانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، ومشروع قانون رقم 37.17 بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 26 من محرم 1393 (2 مارس 1973) المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية. وعلى الرغم من أن مجلس النواب قد عقد عدة جلسات عامة تشريعية للمصادقة النهائية على مشاريع القوانين الجاهزة قبل إحالتهما على مجلس المستشارين لاستكمال المسطرة التشريعية، فإنه لم يُبرمج إلى حد الساعة القانونين سالفي الذكر. وكان القانونان المعنيان قد خلف نقاشاً واسعاً في إسبانيا؛ لأن الأمر يعنيها بشكل مُباشر بسبب جزر الكناري التي تقع في الساحل الأطلسي المقابل للمناطق الجنوبية المغربية، ويرجح أن يكون تأجيل الأمر مرتبط بمفاوضات جارية بين الرباط ومدريد. وما يُرجح فرضية المفاوضات هو ترقب الرباط لزيارة رسمية ستقوم بها أرانشا غونزاليس لايا، الوزيرة الإسبانية الجديدة للشؤون الخارجية، الجمعة المقبلة 24 يناير الجاري، بحيث ستُجري مباحثات مع نظيرها ناصر بوريطة حول الملفات ذات الاهتمام المشترك. وسيحضر ملف ترسيم الحدود البحرية لا محالة على مطاولة المحادثات، وهو أمر سبق أن أشار إليه بوريطة خلال تقديم المشروعين أمام لجنة الخارجية بمجلس النواب، حيث قال إنهما سيُشكلان أرضية تفاوضية صلبة لأي تسوية أو اتفاق قد يتم بهذا الخصوص مع الدول التي لها شواطئ متاخمة أو مقابلة لبلادنا. وأكد وزير الخارجية المغربية أيضاً في إفاداته للبرلمانيين بمجلس النواب أن المصادقة على القانونين "عمل تشريعي سيادي لا يعني عدم انفتاح المغرب على حل أي نزاع حول التحديد الدقيق لمجالاته البحرية مع الجارتين إسبانيا وموريتانيا في إطار الحوار البناء والشراكة الإيجابية". سد الفراغ التشريعي وتؤكد الحكومة أن هذين القانونين يهدفان إلى "سد الفراغ التشريعي الذي يَسِم المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية وملاءمتها مع سيادة المغرب الداخلية الكاملة على كل أراضيه ومياهه من طنجة إلى الكويرة". وإلى حدود اليوم، لا تواكب التشريعات الوطنية التي ترجع إلى سنة 1973 المتغيرات الترابية التي طرأت على أرض الواقع، حيث إن التقنين الوطني يتوقف على مستوى طرفاية ولا يوفر سنداً قانونياً داخليأً لترسيم المجالات والحدود البحري قبالة شواطئ الأقاليم الجنوبية. وقد سبق لعدد من القطاعات الوزارية أن أثارت انتباه الحكومة إلى وجود ثغرات بالمنظومة القانونية المؤطرة للمياه الإقليمية المغربية، حيث أضحت تنطوي على عدد من المخاطر التي تستغلها شركات أجنبية حاولت في الماضي استغلال هذه الثغرات للبدء في عمليات التنقيب عن النفط في المناطق بين جزر الكناري والسواحل المغربية؛ وهو ما اعتبرته الرباط انتهاكاً صريحاً للمجالات البحرية المغربية قبالة طرفاية. وتؤكد وزارة الخارجية والتعاون الدولي التي أعدت القانونين أنهما "يسعيان إلى استكمال بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية، في أفق خطوات أخرى تتمثل في استكمال الولاية القانونية على المجال الجوي جنوب المملكة". وتبرر وزارة الخارجية المغربية عدم ترسيم المجالات البحرية الوطنية في الماضي بكون اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982 كانت ما زالت قيد المفاوضات التي استغرقت سنوات عديدة إلى غاية دخولها حيز التنفيذ سنة 1994. وإلى جانب الاعتبارات التقنية، هناك اعتبارات تكتيكية جعلت المغرب يؤجل الأمر، وهي مرتبطة بالمناخ السياسي آنذاك الذي عرف تنزيل وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو وتحريك المسار الأممي لحل النزاع حول الأقاليم الجنوبية. تسوية المجالات البحرية يعود بدء اشتغال المغرب على تسوية ملف المجالات البحري إلى سنة 2003 بالتزامن مع التحضير للاجتماع الأول للجنة المغربية الإسبانية حول المجالات البحرية، حيث شُكلت لجنة وطنية متعددة القطاعات قصد تحديد الموقف من مسألة الحدود البحرية مع إسبانيا. وقد خلصت اللجنة سالفة الذكر إلى وجود قصور على مستوى القوانين المنظمة المجالات البحري ببلادنا؛ وهو قصور لا يمكن فقط في عدم تغطية كافة الإقليم البحري، بل يتخطى ذلك إلى تضمن أحكام لا تتلاءم مع المصالح الوطنية من قبيل معيار "الخط الأوسط" الذي يتعارض مع مبدأ الإنصاف في رسم الحدود البحرية بين الدول، كما تنص عليه اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982. ومنذ إيداع المغرب لوثائق المصادقة على اتفاقية قانون البحار سنة 2007، أصبح مطالباً بأن يقدم للأمم المتحدة متكاملاً لتمديد الحدود الخارجية لجرفه القاري إلى ما وراء مائتي ميل بحري على أساس بيانات علمية وتقنية. مصادر جديدة للطاقة سيمكن تحيين النصوص المتعلقة بترسيم الحدود البحرية في الأقاليم الجنوبية من إدخال أحكام جديدة ستسهل للمغرب تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة وتمديد الجرف القاري، وهما هدفان لهما أهمية قصوى بالنسبة إلى المغرب خاصة مع ازدياد الحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة وللموارد الطبيعية الأخرى التي تزخر بها المناطق البحري. وتعتبر هذه التحديات الاقتصادية من بين المحددات الحاضرة بقوة في توجه المغرب نحو ضبط وترسيم امتداداتها البحري، خصوصاً المنطقة الاقتصادية الخالصة، ويهدف من خلال استغلال هذه الإمكانات إلى تسخيرها في خدمة مسلسل التنمية.