قاد القدر العشريني ربيع زحيم، إلى الوجود في مستشفى مولاي عبد الله بمدينة سلا المحاذية للعاصمة المغربية، بسبب كسر في الفخذ تعرض له نتيجة حادث سير، وعلى الرغم من حيازته بطاقة المساعدة الطبية "راميد" اضطر للدفع لقبول وفتح ملفه العلاجي وخضوعه للاستشفاء، فضلا عن اضطراره لشراء دعامات حديدية لجبر الكسور بثمن باهظ يصل إلى 7 آلاف درهم (800 دولار تقريبا) وهو ما يعد مبلغا كبيرا له نظرا لكونه عاطلاً عن العمل. ومثل الشاب ربيع، يشكو مواطنون مغاربة من الطبقات الفقيرة وضعيفي الدخل مما يعتبرونه "عدم نجاعة المساعدة الطبية لدى حاجتهم للمستشفيات العمومية"، ما يتسبب في حرمانهم من العلاج في المراكز الحكومية، الوضع الذي أكدته دراسة المرصد الوطني للتنمية البشرية (مؤسسة رسمية تابعة لرئاسة الحكومة تعنى بتقييم آثار برامج التنمية البشرية المنجزة) الصادرة في يوليوز الماضي، إذ كشف تقرير المرصد وجود نقص في فعالية نظام "راميد"، عزاه أساسا إلى زيادة التكاليف غير المباشرة، مثل النقل والإقامة والمرافقة المرتبطة بحالات الانتظار التي يعاني منها المرضى الذين غالبا ما يكونون غير مطلعين على التدابير المتبعة في مختلف المؤسسات الصحية، وأيضا إلى أداء بعض المبالغ المباشرة". كيف يعمل نظام راميد؟ تعرّف وزارة الصحة المغربية "راميد" بأنه نظام للمساعدة الطبية، مخصص لفئة الفقراء، وهم الأشخاص الذين يحصلون على دخل يساوي أو يقل عن 3767 درهما (394 دولارا أميركيا) للفرد في السنة، وأيضا لفئة الذين يعيشون وضعية هشاشة، وهم من لديهم دخل سنوي يفوق 3767 درهما ولا يتجاوز 5650 درهما (592 دولارا) في العام. وتكشف الإحصائيات الرسمية للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، والتي جرى الإعلان عنها في سبتمبر الماضي، أن عدد المواطنين المنخرطين في "راميد" منذ انطلاقه وصل إلى 11.8 مليون شخص، 51 في المائة منهم يقطنون في الوسط الحضري، و49 في المائة يقطنون في الوسط القروي. معاناة منتسبي "راميد" تمتلك الأم المغربية لثلاثة أبناء، رحيمة الزعرية، بطاقة "راميد" التي حاولت معالجة أبنائها بها معتقدة أن الأمر مجاني، لكنه في الواقع غير ذلك كما تقول، وتشرح أن ابنتها الصغيرة أصيبت بآلام في الكلية، وحين أرادت ولوج مستشفى عمومي بالرباط، طلبوا منها دفع مبلغ مالي لفتح ملفها الاستشفائي داخل المؤسسة العلاجية، يصل إلى 60 درهما (حوالي 5 دولارات). وتضيف المتحدثة أن هذا المبلغ قد يبدو بسيطا عند البعض لكنه يثقل كاهل الأسر الفقيرة التي ليست لها مداخيل، كما أن علاج ابنتها لم يتوقف عند حد دفع مبلغ رمزي لإجراءات ملف التطبيب، ولكن اضطرت إلى إجراء تحاليل الدم خارج المستشفى في مختبر خاص، كلفها زهاء ألف درهم (100 دولار). ويلتقط بوعزة بنداود، يحمل بطاقة راميد لأسرة مكونة من خمسة أفراد، خيطَ الحديث من رحيمة، ويقول إن هذه البطاقة عوضت "شهادة الفقر" التي كان معمولا بها من قبل، وتمنحها السلطات المحلية، وإن السابقة كانت أكثر نجاعة لا تحتاج إلى تعقيدات إدارية كثيرة، شارحا أنه عندما يذهب لعلاج أحد أبنائه يفاجئ بمنحه موعدا بعيدا، يضطره إلى ترك العلاج في المستشفى العمومي، والاقتراض من أجل استطباب ولده في مصحة خاصة. ويكمل المتحدث ذاته أن البطاقة في هذه الحالة لم يعد لها جدوى، باعتبار أن حاملها لا يحظى بالعلاج المجاني، ويصبح مثل كرة يتم تقاذفها بين هذه الطبيب وبين ذاك الطبيب، وبين هذه المصلحة وتلك المصلحة، فيضطر لالتماس العلاج في القطاع الخاص، وهو نفس الواقع بخصوص التحليلات الطبية التي يتعين القيام بها خارج المستشفى العمومي". شكوك حول المجانية يصف علي لطفي رئيس الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة والحياة، مجانية "راميد" التي تروج لها الحكومة ب"الوهم" موردا أن حامل البطاقة الذي يضطر إلى السفر من مدينته أو قريته إلى مستشفى بعيد في مدينة أخرى بسبب الانتماء الجغرافي والترابي لكل مدينة إلى جهة معينة من الجهات ال12 بالمملكة، يدفع تكاليف تجعل بطاقة راميد بدون مجانية في واقع الحال. ويردف لطفي بأن نظام المساعدة الطبية رغم كل الهالة الإعلامية والاجتماعية التي أحيطت به تعرض للفشل، بالنظر إلى أن مبدأ المجانية تم انتهاكه، شارحا قوله بأن المريض يُرغم من طرف المؤسسة العلاجية العمومية على شراء الأدوية من الصيدليات، أو القيام بالتحليلات الطبية اللازمة، ما يجعل المجانية تنحصر فقط في عدم أداء المريض مقابلا لعمل الأطباء والممرضين وفق إفادته ل"العربي الجديد". وتسرد ليلى الإدريسي عضو جمعية الممرضين وتقنيي الصحة، اختلالات أخرى تنتهك مجانية راميد، منها أن العديد من المستشفيات العمومية لا تتوفر على التجهيزات الخاصة بالفحوصات أو التحاليل ولا على الأدوات التي يتعين توفرها عند إجراء عملية جراحية مثلا، وهو ما يدفع حامل راميد إلى الاستنجاد بالخارج. وتابعت المتحدثة في تصريح خاص ل"العربي الجديد" بأنها كانت شاهدة على حالات مرضى حاملين بطاقات راميد، ظلوا قابعين في المستشفى العمومي أياما عدة في انتظار العلاج وتوفير تقرير التحاليل المخبرية، والذي يستوجب من أسرة المريض التكلف به في القطاع الخاص، ليصير المستشفى العمومي مثل مأوى فقط عاجزا عن تحقيق المجانية الحقيقية لأصحاب راميد. وتستدرك الممرضة بأن بطاقة راميد تنفع صاحبها من حيث المجانية غالبا في الحالات الاستشفائية العادية والبسيطة، والتي لا تتطلب التحاليل أو شراء أدوية باهظة، أو مستلزمات وأدوات العمليات الجراحية، مبرزة أن المستشفيات العمومية باتت تعاني من ضغط ملايين حاملي راميد، ما أدى إلى الإضرار ببنياتها الصحية المتهالكة أصلا". مشكلة التمويل يقف وراء هذه الاختلالات عامل لا يقل أهمية يتمثل في تمويل نظام المساعدة الطبية، إذ إن المادة 125 من قانون التغطية الصحية تنص على أن نظام المساعدة الطبية يمول أساسا من طرف الدولة والجماعات المحلية (الإدارات المسيرة للمدن ولها استقلالية مالية)، وأن قيمة المساهمة السنوية والجزئية للمستفيدين محددة في 120 درهما للفرد الواحد في السنة، وأن لا تتجاوز المساهمة 600 درهم للأسرة في العام كيفما كان عدد الأفراد. تفاصيل التمويل كشفها فريق الاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب ضمن سؤال وجهه إلى وزير الصحة المغربي، والذي أفاد بأن الحكومة تمول نظام راميد ب75 في المائة، والجماعات المحلية تموله بنسبة 6 في المائة، والأسر في وضعية هشة تموله بنسبة 19 في المائة، وانتقد الحزب "عدم تخصيص الحكومة ميزانية خاصة لتمويل راميد في قوانين المالية، إذ رغم كونها من المفترض أن تموله إلا أنها لا تسدد هذه الأقساط المالية بشكل مواظب، لتتراكم على الحكومة الديون، ما يجعل هذا النظام مجرد قوانين وبطاقات تسلم إلى المستفيدين، دون أن يقابل ذلك الاستفادة من الخدمات الصحية من تشخيص وعلاج والحصول على أدوية بشكل مجاني، ما زاد في تعميق أزمة المستشفيات المنخرطة في هذا النظام". البرلماني رشيد حموني عن التقدم والاشتراكية يوضح هذه الفكرة بالقول إن تمويل الحكومة نظام المساعدة الطبية متذبذب، إذ إن الحكومة لا تفي بحصتها كاملة المتمثلة في 3 مليارات درهم كل سنة، ففي بضع سنوات مضت مثل ما حصل في 2015 لم تسدد سوى مليار ونصف فقط، مبينا أن هذه المبالغ من المفترض أن توجه إلى المستشفيات العمومية لدعمها في مواجهة تغطية تكاليف المساعدة الطبية. ووفق المتحدث ذاته، فإن عددا من المستشفيات العمومية في مناطق بالمغرب سقطت في ديون وصلت إلى مليارَي درهم في بعض الحالات، وبالتالي عوض أن يكون تمويل الدولة للمستشفيات عاملا لنجاعة نظام راميد وتطبيب المرضى، باتت هذه المستشفيات تعاني من التفقير، وهو ما ينعكس في عدم استفادة حاملي راميد من العلاجات المجانية الضرورية. ويورد عبد الإله الخضري مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن جمعيته تتوصل بمعدل 140 شكاية كل شهر خاصة في المناطق النائية، مبينا أن معظم حاملي بطائق الراميد يعانون من مواعيد بعيدة الأجل، ولدينا شكاوى تخص مواطنين توفوا بسبب مضاعفات المرض قبل أن يحل موعد معاينتهم من لدن الطبيب". واسترسل الخضري بأن بطاقة الراميد لا تغطي الفحوصات المكلفة، إذ اضطر مواطنون إلى بيع ممتلكاتهم لتغطية مصاريف فحوصات، وغالبا ما يكون وراء ذلك أعطاب الأجهزة في المستشفيات العمومية، كما أن مسؤولي المستشفيات في معرض جوابهم عن استفساراتنا يشتكون من عدم وفاء الوكالة الوطنية للتأمين الصحي بأداء مستحقات المراكز الاستشفائية، مما يشجع المستشفيات على التنصل من مسؤولية معالجة حاملي بطاقة الراميد، ما جعل من هذه الأخيرة وسيلة لحرمان المواطنين من التطبيب بدل توفيره لهم". ويقر وزير الصحة أنس الدكالي في رد على نقطتي المجانية والتمويل قائلا ل"العربي الجديد": "توجد اختلالات صاحبت نظام المساعدة الطبية شأنه شأن جميع المشاريع والورش الصحية والاجتماعية الكبرى، لأن التطبيق على أرض الواقع هو الذي يكشف النواقص". ووعد وزير الصحة المغربي بإصلاح هذه الاختلالات خلال ولاية الحكومة الحالية، ومنها مسألة التمويل التي تحد من نجاعة النظام، إذ إنه من المرتقب وفق الدكالي إحداث مؤسسة أو صندوق عمومي خلال المرحلة المقبلة، مهمته الرئيسية والوحيدة ضمان وتوفير تمويل راميد. المصدر: العربي الجديد