هوية بريس – الإثنين 12 ماي 2014 – العنوان: الاختلاف وما إليه… (الجزء الثاني). – المؤلف: الدكتور محمد بن عمر بن سالم -من علماء مكةالمكرمة-. – الأجزاء: رسالة لطيفة جامعة، تقع في (118) صفحة، تشمل مقدمة وخمسة مقاصد -تحتها مطالب ومسائل- وخاتمة، تفصيلها كالتالي: المقصد الثالث، جهات الاختلاف وأسبابه: ويشتمل على مطلبين: 1)- جهات الاختلاف: وبعد أن ذكر الشيخ حفظه الله أن النظر في المسائل الشرعية يدور حول الخطوات التالية: 1- النظر في الدليل من جهة ثبوته.2- من جهة دلالته. 3- من جهة إحكامه. 5- من جهة سلامته من المعارض، بيَّن حفظه الله أن جهات الاختلاف في المسائل الشرعية تعود إليها، «..فتارة تكون جهةُ الخلاف ثبوتَ الدليل؛ فأحد الأئمة لم يثبت عنده الدليل، والآخر ثبت عنده، والآخر لم يبلغه أصلا. وتارة يثبت الدليل عندهم، ولكن يختلفون في دلالته وفي الاستنباط منه. وتارة يتفقون على ثبوت الدليل، وعلى وجه الدلالة، ولكن يختلفون في إحكامه ونسخه. وتارة يتفقون على ثبوت الدليل، وعلى وجه دلالته، وعلى إحكامه، ولكن يختلفون في سلامته من معارض يخصصه أو يقيده أو يبين مجمله، أو دليل قام لدى أحدهم لا يسلم به العمل بالدليل .. وهكذا». 2)- أسباب الاختلاف: وقد حصرها أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي (ت521ه) في كتابه «التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم واعتقاداتهم»، في ثمانية أسباب وهي: 1- الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويلات. 2- دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز. 3- دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه. 4- دوران الدليل بين العموم والخصوص. 5- اختلاف الرواية. 6- جهات الاجتهاد والقياس. 7- دعوى النسخ وعدمه. 8- ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها -يعنى ما ورد على سبيل اختلاف التنوع-. المقصد الرابع، المُسْلم والاختلاف: تكلم الشيخ في هذا المقصد بتفصيل وإسهاب، وبين فيه أن المسلم إمّا أن يكون عاميّا، وإمّا مُتبعاً، وإمّا مجتهداً. 1)- فالمسلم العامي، الذي لا يحسن النظر في الدليل، الواجب في حقه أن يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة، لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. 2)- والمسلم المتّبع الذي هو في درجة من العلم والفهم فوق العامي ودون المجتهد -أضواء البيان7/497-، يمكنه فهم الدليل إذا بين له، وقد يمكنه النظر في وجه دلالته ونحو ذلك؛ فهذا لا يجوز له الأخذ بقول أحد دون أن يعرف دليله، وعليه أن يبذل ما يستطيعه من النظر في الاختلاف، حتى يترجّح لديه شيء، فإن لم يمكنه الترجيح؛ نزّل نفسَه في هذه المسألة منزلة العامي، وسأل أهل العلم. 3)- أمّا المجتهد؛ فهذا عليه النظر في المسألة، وترجيح ما قامت الحجج العلمية عليه، فما تبين له صوابه أو رجحانه تبعه. المقصد الخامس، مسائل تتعلق بالاختلاف وتحته تمهيد وعشر مسائل: – تمهيد، في التشغيب على الردود والمناقشات: بين الشيخ حفظه الله في هذا التمهيد أن المناظرات العلمية وإيراد الحجج ومناقشتها بين طلبة العلم مع الود وصفاء القلب ومراعاة الأدب؛ أمرٌ مستحسنٌ في الشرع، لا يذمه أحد من ذوي الألباب، يقول الشيخ: "فاختلاف الرأي في مسائل الاجتهاد ظاهرة صحية طبيعية لا تذم مادام التناصح موجودا، والود والحب غير مفقود، وطلب الحق والسعي إليه هو الغاية. أمّا إذا دخل المراء والجدل، وذهب الأدب، وطلبت الغلبة دون الحق، وذهب الود؛ فذاك مجلس الشيطان، صاحبه في خسران، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}». 1)- المسألة الأولى، الفرق بين مسائل الاختلاف ومسائل الاجتهاد: بين الشيخ حفظه الله أن مسائل الاجتهاد: ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً، فيسوغ فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها. ومسائل الخلاف: هي كل مسألة اختلف فيها العلماء، سواء كان فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً أم لا. (إعلام الموقعين 3/277، الموافقات 4/173). 2)- المسألة الثانية، قولهم لا إنكار في مسائل الخلاف: ذكر الشيخ أنه ينبغي أن يفهم قولهم هذا على وجهه الصحيح الذي أراده العلماء، وبين أن المراد بقولهم: «لا إنكار» أي: لا تعنيف في مسائل الخلاف، فتكون المناصحة عن طريق التكلم بالحجج العلمية والمناقشة فيها من أجل الوصول إلى الحق. والمراد بقولهم: «مسائل الخلاف» أي: المسائل التي تنازعتها الأدلة وتجاذبتها وجوه النظر. فقولهم «لا إنكار في مسائل الخلاف» ليس على إطلاقه، يقول الشيخ: «حقيقة هذه العبارة هو كالتالي: لا تعنيف في المسائل الاختلافية الاجتهادية». 3)- قولهم الاختلاف رحمة: بين الشيخ أن هذه العبارة رويت في حديث بلفظ: «اختلاف أمتي رحمة»، وقد نصّ غير واحد من أهل العلم بأن هذا اللفظ لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبين أن معنى هذه الجملة ينبغي أن يفهم على أنّ المراد الاختلافُ في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها دليل يجب اتباعه، ووجه كون الاختلاف رحمة: أنه يفتح الباب للنظر والترجيح بين أقوال العلماء، ويسلم من مخالفة الأدلة. (الموافقات 4/129). 4)- قولهم من قلد عالما لقي الله سالما: روي على أنه حديث مرفوع، ولا أصل له، وبين الشيخ عدم صحة إطلاق هذه العبارة. 5)- قولهم كل مجتهد مصيب: ذكر فيه قول أبي إسحاق الإسفراييني (ت 414ه): «القول بأن كل مجتهد مصيب؛ أوّله سفسطة، وآخره زندقة». قال الشيخ حفظه الله: «أمّا أنّ أوّل هذا القول سفسطة؛ فذلك لأنه تنتفي به حقيقة الدين والتكليف، ولا يعرف حق من باطل، ولا راجح من مرجوح، إذ إن الحق يصير متعدداً، فالقول ونقيضه حق!… -إلى أن قال- أمّا أن آخره زندقة؛ فإن هذا القول يؤدي إلى إسقاط الدين بالكلية، ويتبع المرء ما يهوى ويشتهي بلا ضابط». 6)- قولهم الاختلاف يراعى: بين الشيخ أن قولهم هذا صحيح؛ إذ هو الأحوط، لكن ينبغي أن يفهم على وجهه، وهو أن المراد منه في المسائل الاجتهادية، أمّا المسائل التي علم فيها القول الصواب الذي قام معه الدليل الذي تجب متابعته؛ فهذه لا عبرة بالقول المخالف فيها. 7)- هل يدخل الاجتهاد في مسائل الاعتقاد؟ بين الشيخ أن الاجتهاد كما يدخل في الأمور الفقهية العملية، يدخل أيضاً في جملة من مسائل الاعتقاد الخبرية العلمية النظرية، كمسألة تعذيب الميت في قبره ببكاء أهله، وكمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الإسراء… ونحو ذلك. 8)- إطلاق القول بالتكفير للمعين في مسائل الخلاف: بين الشيخ أن الذي جرى عليه أهل السنة والجماعة أن التكفير المطلق في حق المعين لا يجوز، حتى تقام عليه الحجة، وتثبت شروط، وتنتفي موانع. وساق أقوال العلماء الكثيرة في هذه المسألة. 9)- مراعاة اختلاف الصحابة واعتباره: وبين فيه معالم النهج الذي سار عليه الأئمة رحمهم الله، وهو مراعاة اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك في عدم الخروج عن أقوالهم في النظر والاختيار، فلا يُحدث قول يخرج عن أقوالهم. 10)- هل يجب الأخذ بأخف القولين أم بأثقلهما: ذكر الشيخ الخلاف في ذلك، وذكر أدلة الفريقين، وبين أن الواجبَ عند الاختلاف هو الترجيحُ، كلٌّ بحسبه، فلا يُرجَّح الأيسر، ولا يُرجح الأثقل، إنما يُرجح ما جاء به الدليل. خاتمة، في مراعاة أدب الاختلاف: يقول الشيخ حفظه الله: هذا الموضوع قرره الشرع أبلغ تقرير، وصنف العلماء رحمهم الله تعالى فيه مصنفات كثيرة محررة، وأجمل لك هنا القول كما يلي: اعلم أن الأدب يدور حول محورين هما: الإخلاص لله تعالى، والعمل بما جاء في الشرع، من نبذ كل ما يفضي إلى الاختلاف المذموم والتفرق، والحث على الجماعة. قال ابن تيمية رحمة الله عليه: «إنه سبحانه وتعالى بين أن هذا الأصل (وهو الجماعة) عماد لدينه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:102]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «تبيضُ وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة». فانظروا رحمكم الله كيف دعا الله إلى الجماعة ونهى عن الفرقة. وقال في الآية الأخرى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}؛ فبرّأ نبيَّه صلى الله عليه وسلم من الذين فرَّقوا دينَهم وكانوا شيعا، كما نهانا عن التفرق والاختلاف بقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُۚ}. وقد كره النبيُّ صلى الله عليه وسلم من المجادلة ما يفضي إلى الاختلاف والتفرق، فخرج على قوم من أصحابه وهم يتجادلون في القدر، فكأنما فقئ في وجهه حب الرّمان، وقال: «أبهذا أمرتم؟ أم إلى هذا دعيتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض». قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فما أغبط نفسي كما غبطتها؛ ألا أكون في ذلك المجلس… والحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم في السنن وغيرها أنه قال: «تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة». قيل: يا رسول الله ومن هي؟ قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». وفي رواية: «هي الجماعة». وفي رواية: «يد الله على الجماعة». فوصف الفرقة الناجية بأنهم المستمسكون بسنته، وأنهم هم الجماعة… ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا؛ لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة» (الفتاوى؛ 24/170) اه.