هوية بريس – الثلاثاء 22 أبريل 2014 السعادة ذلك المنتوج الأكثر طلبا في العالم، وأعز مطلوب في الوجود، لكنه أنذر موجود، الشغل الشاغل، والهم المسيطر على العقول، أغلى ما يتمناه الإنسان، ينفق على تحصيلها الغالي والنفيس لكن هيهات هيهات، فرغم ما يعرفه العالم من تطور في جميع المجالات المادية التي تيسر سبل الحياة تبقى التعاسة هي سيد الموقف، ولو لم تكن كذلك لما جعلوا للسعادة يوما عالميا تكثر فيه التصريحات والتعليقات والبرامج، ويحاضر التعساء في السعادة، سعادتهم هم التي توهموها سعادة وما ذاقوا طعم السعادة قط. يأتي اليوم العالمي بموازاة مع تقرير تصدره الأممالمتحدة لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب، عن أكثر وأقل الدول سعادة في العالم، لتصنف الدول الغربية على أنها أكثر الشعوب سعادة وتأتي الدول الإسلامية في المؤخرة باستثناء بعضها وهي قليلة جدا كالإمارات وعمان وقطر. المؤشرات التي تعتمدها الجهة المصدرة للتقرير ترتكز كلها حول الماديات ودورها في إسعاد الناس مما له علاقة بالتعليم والاقتصاد والإدارة العامة، وهو ما جعل الدول الإسكندنافية تصنف على أنها الأكثر سعادة في العالم كسويسرا والنرويج حسب تقرير 2012 والدانمارك حسب تقرير 2014 لما تحققه هذه الدول من رفاهية لشعوبها. هل فعلا السعادة هي أكل وشرب وصحة وتعليم وخدمات إدارية مناسبة، قد يراها البعض هكذا؟ وهل الشعور الذي يغمره هو السعادة حقيقة أم هو سراب السعادة؟ لو كان الأمر كذلك لما انتشر الانتحار في هذه الدول انتشار النار في الهشيم؛ وهي الأسعد في العالم بمقارنتها بالدول التي هي أتعس شعوبا في العالم. فهل هذه سعادة: تلك التي تدفع أصحابها إلى الانتحار؟ وأي شقاوة تلك التي تجعل صاحبها يتشبث بالحياة؟ هي المغالطات إذن تروجها التقارير والآلة الإعلامية المتحالفة معها في تغيير خارطة الفكر والعقل عند الشعوب. وبطبيعة الحال لا ينطلي هذا التدليس والتلبيس إلا على الجهلة المتشبثين بالسراب. تقارير كثيرة أيضا تتحدث عن نسب عالية للانتحار في هذه الدول السعيدة عجبا! في النرويج والسويد والدانمارك والولايات المتحدةالأمريكية؛ ويكون فيها الانتحار بالمسدسات مواكبة للتطور الحاصل هناك، وليس بالحبال ودواء الفئران كما هو حال المنتحرين في الدول المتخلفة وبأرقام صعبة الهضم لما يعلم عن مستوى الدخل الفردي المرتفع عند شعوب هذه البلدان، ناهيكم عن مستوى التطور العلمي والتكنولوجي الذي لم يمنع شعب اليابان مثلا هو الآخر أن يكون أكثر من يعرف الانتحار، ويأتي في المراتب المتقدة للدول التي تنتشر فيها الظاهرة. لماذا نقرن السعادة بالانتحار؟ لأن هذا الأخير سببه الرئيس هو الشعور بالتعاسة والشقاء والبؤس الذي يفقد معه المرء لذة الحياة فيتعجل الموت بزعم إنهاء المعاناة، فمن التناقض الصارخ إذن أن نتحدث عن أكثر الشعوب سعادة وهي تعرف أعلى نسب الانتحار وهذا شأن العالم الغربي بأسره. وإن كانت الظاهرة بدأت تهجم على العالم الإسلامي بحكم الانسلاخ الديني والارتباط الوثيق بالماديات التي يصعب توفيرها في بلدان تعاني الهشاشة والفقر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه المقدمة هو: ما السعادة إذن؟ السعادة أولا وقبل كل شيء رزق يهبه الخالق لمن يشاء من عباده، وهي شعور صعب الوصف، وقد جعل الله لها سبيلا، ولن يدركها أحد لم يمش في طريقها ولم يترسم معالمها، فالسعادة لا تكتسب بل تمنح، يمنحها الله عز وجل، فمن تحقق بشروطها نالها ومن تنكب طريقها حرمها، وإن ملك الدنيا وما فيها، وإن أنفق ما في الأرض جميعه ومثلهم معه. ودونكم قصص المشاهير من ذوي الأموال والشهرة والعالمية كيف تنتهي حياتهم بمأساوية. الكثير منا اطلع على قصة إسلام مغنية الراب الفرنسية "ديامس"، والتي لم تعرف للسعادة طعما وهي التي تتربع على عرش النجومية والشهرة والثروة، يظنها الأغبياء سعيدة ويتمنوا مكانها ولكنها في عالمها الخاص تعيش حياة سوداء ملؤها الشقاء؛ إذ حاولت الانتحار أكثر من مرة وسلمت منه مرة، ولم تكن تعش إلا بالأدوية المهدئة والمنومة بعد فترة قضتها في مستشفى الأمراض العقلية. لكن وبعد أن من الله عليها بالإيمان والإسلام وجدت "ديامس" ما كانت تبحث عنه إنها السكينة فسمت نفسها سكينة تيمنا، فقط بالبساطة واليقين وقوة الإيمان. قصة كرستينا أوناسيس(1)أغنى فتاة في العالم لكنها أتعس امرأة؛ جربت كل السبل التي تظن أن المال يأتي منها بالسعادة فلم تفلح، تزوجت أكثر من رجل. طافت حول العالم، أنفقت الأموال الطائلة، لم تجد سعادتها لتنتهي حياتها في ظروف غامضة. أين هي مؤشرات السعادة إذن؟ أين هي آثار الرفاهية وتوفر ظروف العيش الملائمة؟ لاشك أن هناك سرا لم يدركه هؤلاء القوم بعد، وهم يرون أجيالهم تنسل من بين أيديهم تاركة بريق الحضارة المادية لائذة بدفء الإسلام وسعادة الإيمان. فما السبيل إلى السعادة؟ في مقال لاحق بإذن الله. 1- لمن اراد ان يقرأ قصتها على الرابط http://forums.tran33m.com/t6631.html