حاجة العالم إلى القيم الإسلامية الكونية: قصة إسلام المغنية "ديامس" نموذجا بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة أن اختيارنا لوصف القيم الإسلامية بالكونية لم يأت اعتباطا، وإنما يجد سنده وتأصيله في أحكام التشريع الإسلامي التي جاءت عامة وشاملة وموجهة لجميع البشر، ونص عليها القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي، فقد جاء فيه قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، بمعنى أن الله سبحانه أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغ رسالة الإسلام إلى الناس جميعا، قال عز وجل: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الآية. فمنذ أن ظهر الإسلام كآخر ديانة سماوية، وهو يتعرض لحرب عالمية، تهدف إلى وقف انتشاره، ورغم ذلك فإن الإسلام لم يزد إلا انتشارا، وأصبح الإقبال عليه ظاهرة تقلق بعض الأوساط الغربية. فقد عرف العقد الأخير من هذا القرن، دخول الناس أفواجا إلى دين الإسلام، من مختلف الجنسيات، ومن شرائح اجتماعية وعُمْرية متعددة، من المواطن البسيط المغمور إلى النجم والمشهور... وهكذا لاحظنا إقدام كثير من المشاهير والنجوم الأجانب على اعتناق الإسلام، وتعبيرهم عن تجربتهم الجديدة التي غيّرت حياتهم إلى الأفضل، بعد معانقتهم للحرية الحقيقية، حرية الروح... في مقدمتهم المغني السابق يوسف إسلام (كات ستيفنس سابقا) وآخرهم المغنية الشابة "ديامس"(ميلاني جيورجيادس سابقا). وفي هذا الصدد، يأتي إعلان مغنية الراب الفرنسية الشهيرة "ديامس" عن إسلامها، وهي التي فاقت شهرتها الآفاق، حتى أصبحت "معبودة الجماهير"، وبعد فترة من إسلامها، ظهرت في الشهر الماضي على القناة الفرنسية الأولى مرتدية الحجاب، وهي تسرد تجربتها الإيمانية الفريدة، من خلال تقديم مؤلفها "ديامس.. سيرة ذاتية"، تقول ديامس: ... هل من المقبول أن يكون هذا القرآن في جميع البيوت التي زرتها فلم يحدثني أحد عنه أبدا؟ في لحظة قصيرة من الزمن ألقيت اللوم على الدنيا كلها وعلى كل العرب الذين كنت أعرفهم، لكنني عدت لنفسي فقلت لها: أنت الملومة يا ديامس وهذه خطيئتك، عشر سنوات كاملات وهذا الكتاب موجود في مكتبتك ولم تفتحيه أبدا. بل إنك لم تتفضلي عليه ولو بخمس دقائق من وقتك وانتباهك... بكيت بكاء مرا لم أبكه طيلة حياتي الماضية. وعلى مدى ساعات وساعات بكيت عمري وخطاياي وتنكري لخالقي الذي أنعم علي بالكثير، بكيت جهلي المطبق وشهورا طويلة من الحرمان الذي حكمت به على نفسي... وتحررت من الأغلال والسلاسل والسجون التي أدخلت فيها نفسي... . الفائدة التي يمكن استخلاصها من هذه القصة المؤثرة، هي أن القيم الغربية المادية، رغم ما قد يبدو ظاهريا أنها حققت للإنسان السعادة، من خلال إقرارها للحقوق والحريات وإشباع شهوات الجسد بدون حدود، إلا أن أهم مطلب إنساني لم تستطع تحقيقه، وهو الكرامة. إن كرامة الإنسان لا تتحقق إلا في ظل الهدى الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر)، ومهما حاول الإنسان البحث عن السعادة خارج دين الإسلام، فإنه لن يجدها، لأن الكرامة في تحقيق العبودية لله وحده، وهي لا تُشترى بالمال ولا بالشهرة، وإنما تكتسب من معرفة الإنسان بحقيقة وجوده ومآله، من خلال ما جاء به الإسلام من حقائق لم يستطع العلم البشري إلى الآن أن يصل إليها، قال تعالى: (وما أوتيم من العلم إلا قليلا)، وقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). فإذا كان بعض المسْتخِفّين بقيم هذا الدين، لا يُطربهم إلا العزف على أوتار القيم الغربية، فإنهم ولا شك غير مدركين لقيمة هذا الدين وعظمته، فهم يعيشون خارج الزمن الذي أدار وجهه قِبَل السماء، حيث يعيش الإنسان في متاهات الحيرة واليأس، رغم ما يمتلكه من علم وتكنولوجيا، وهذا مشاهد داخل المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، لأن القيم الإسلامية ولو أن الناس حيل بينهم وبينها، من خلال حملات التشويه والتخويف، إلا أنها قيم كونية تستجيب لحاجيات إنسانية بحتة، وهي الملاذ الوحيد للتحرر من طغيان القيم المقدسة للجسد والمدنسة للروح... لكن قد يتساءل البعض: لماذا يعتنق الأجانب الدين الإسلامي دون غيره من الديانات الأخرى؟ الجواب هو أن هذا الدين هو خاتم الديانات، وبهذه الصفة جاء شاملا وكاملا ومستوعبا للأحكام والقيم الأخلاقية والحضارية التي جاءت بها الديانات السماوية الأخرى، بالإضافة إلى أنه دين تكفل الله بحفظه لكونه الدين الخاتم، بحفظه لأهم مصدرين للتشريع فيه، وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، هذا فضلا عن تفرد الإسلام بعدة مميزات وخصائص لم يحظ بها دين قبله، ومن بينها إعلاءه من شأن العقل والعلم، حيث قامت فلسفة الإسلام على التفكر في ملكوت الله والاستدلال العقلي على الحقائق الكونية، وطلب العلم المتوسل بنور الوحي للرقي الروحي والسمو الأخلاقي. والعقل المسلم ليس أداة مجردة، بل هو وسيلة للاجتهاد والإبداع على ضوء النصوص النقلية، التي تعتبر خارطة طريق للعقل حتى لا يسقط في دائرة الشرود والضلال، لأن النقل هو دليل العقل لبلوغ الحقائق النهائية في الكون والإنسان، قال تعالى: (سنُريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحقّ). وإذا كانت بعض النخب العلمانية تحمل فكرا معاديا للدين، فإن عذرها هو جهلها، لأن "الإنسان عدوّ ما يجهل"، فلو كانت هذه النخب تأخذ جزءا يسيرا من وقتها للتعرف على حقيقة هذا الدين، لتغيرت نظرتها السوداوية عنه، قال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير). وأقصى ما يفعله بعضهم، هو قراءة بعض النصوص والأحكام الإسلامية قراءة سطحية وتأويلها تأويلا معيبا يُخرجها عن معناها الأصلي الذي توصل إليه أهل الاختصاص من العلماء، وذلك لأجل الطعن في الدين، قال تعالى: (وإذا عَلِم منِ آياتنا شيئا اتخذها هزؤا). لا يمكن لباحث نزيه في الإسلام، إلا ويجد ضالته، لكن ذلك متوقف على مدى تخلصه من شوائب الإيديولوجيات المادية، التي شردت بالعقل البشري خارج المعرفة العميقة لحقائق الكون والإنسان. تأسيسا على ما ذُكر، هناك سؤال محوري يتعلق بالعلاقة الجدلية بين الدين والعلم: عند البحث عن الحقائق الكونية والإنسانية، هل نقدم العلم عن الدين أم العكس؟ هناك حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا مكابر، وهي أن الإسلام كان سباقا إلى الحقائق العلمية سواء فيما يتعلق بالإنسان أو الكون، وهي حقائق لم يعارض ها العلم، بل إن هناك حقائق وأسرار هي في علم الغيب، لا يمكن للعلم أن يقدم بشأنها جوابا شافيا، وإنما يقف منها موقف العاجز، وسأستدل على ذلك بحقيقة وجود مخلوقات أخرى تعيش معنا ولا نراها ولم يستدل العلم عليها، فهي بالنسبة إليه غير موجودة، وأخص بالتحديد "الجن" الذي كشف القرآن عن وجوده وله تأثير مباشر على حياتنا، وهكذا قد يصاب الإنسان بأذى شيطاني وهو لا يدري، فيقصد عيادات الطب النفسي التي تعجز عن تشخيص الحالة أو تشخص حالته بالخطأ، لأن علم النفس رغم ما يقال عن تقدمه، فإنه لا يعترف إلا بالأشياء المادية المحسوسة، وبالتالي فهو لا زال غير قادر على علاج كثير من الأمراض النفسية والروحية، فغاية ما يقدمه للمرضى أدوية تساعد المريض على النوم والتخفيف من الحالة دون علاجها، وهذا الأمر ملاحظ في كثير من الحالات النفسية التي لجأت إلى الطب النفسي دون جدوى، أما القرآن فقد ثبت علاجه لكثير من الأمراض النفسية من خلال التجربة العملية لبعض المشتغلين في مجال الرقية الشرعية. وبالعودة لقصة المغنية الشهيرة "ديامس" سنكتشف حقائق حاسمة فيما يتعلق بقدرة القيم الإسلامية على تحرير الإنسان من أغلال المادة التي كبلته، والشهوة التي استعبدته. فلو كانت السعادة تقاس بكثرة المال أو الشهرة أو إشباع شهوات الجسد، لما عاشت هذه المغنية الغنية بمالها وشهرتها، والعائدة إلى رحاب الإيمان، كل أنواع التعاسة والشقاء، فكانت لا تعرف النوم والراحة إلا بعد تناولها الأدوية، ولم يستطع كبار أطباء النفس أن يخلصوها من معاناتها، إلا بعد أن دخلت إلى الإسلام . وختاما، في الدول الأكثر رفاهية، والتي يبلغ معدل الدخل الفردي فيها مستويات عالية، تعرف أكبر نسبة من حالات الانتحار، وهذا أقوى دليل على أن المجتمعات الغربية في أمس الحاجة إلى الإسلام، لأنه طريق السعادة في الدنيا والآخرة.