تتعدد المؤسسات التي تنشر تقارير حول السعادة في العالم: تقرير «وورلد ديباتاز» يخلص إلى أن شعب كوستاريكا يأتي على رأس الترتيب كأسعد شعوب الأرض، لا أمريكا ولا روسيا ولا اليابان ولا ألمانيا. ويستند هذا البحث إلى أن خمسة وثمانين في المائة من عباد الله الكوستاريكيين يعتبرون أنفسهم سعداء، وبالتالي فهم يتصدرون ترتيب الشعوب الراضية على حالها. ويؤول المركز الثاني، في هذا الترتيب، إلى الدانمارك متبوعة بإيسلاندة وسويسرا وكندا والنرويج. بينما تتراجع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى المركز العشرين. التقرير الصادر عن معهد «نيوز إيكونوميكس» يعزز موقع كوستاريكا كأسعد شعوب الأرض، لكن المركز الثاني، في ترتيبه، يؤول إلى شعب فيتنام. أما الترتيب الذي أشرفت عليه منظمة الأممالمتحدة فيعتبر الدنماركيين أسعد شعوب الأرض، متبوعين بالفنلنديين والنرويجيين، أي أن السعادة مقيمة في شمال أوربا، مثلما التعاسة متجذرة في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يأتي البينين وإفريقيا الوسطى وسيراليون والتوغو في ذيل اللائحة. ولأن المال لا يصنع السعادة، فالأمريكان يأتون في المركز الحادي عشر أمام كوستاريكا، والإماراتيون في المركز السابع عشر أمام البريطانيين، والسعوديون في المركز السادس والعشرين أمام الإيطاليين والكويتيين، والألمان في المرتبة الثلاثين أمام القطريين. ويؤكد هذا التقرير أن المال ليس عنصرا فاصلا في مجال السعادة، فالإنسان يحس نفسه أسعد مع توفر الحرية الفردية والسياسية وغياب الفساد والتمتع بالتغطية الاجتماعية والصحة البدنية والعقلية. ........................ أما ما يهمنا، أي عباد الله المغاربة، فلا نجد لهم أثرا بين المائة الأوائل في التصنيف الأممي للسعادة، ولا في غيره من التصنيفات. هل نحن حقا شعب غير سعيد؟ أم إنهم المغرضون من يتحالفون مع الإمبريالية العالمية لتسويد صورتنا أمام العباد؟؟ لمعرفة الجواب الدقيق اسأل روحك، اسأل قلبك، اسأل أحوالك وأحوال ذويك، اسأل أطباء القطاع العام لماذا يضربون وهم في السلم العاشر، اسأل الموظفين لماذا يحتجون وهم من أصحاب «المانضا»، اسأل متقاضيا يغادر المحكمة باكيا، اسأل ربة بيت تكتوي بنار الأسعار. معايير السعادة وأسبابها تتغير بتغير الأزمان؛ فقبل نصف قرن، كان البدوي المغربي، في خيمته، يطلب طعام العشاء، فيجتمع الأولاد التسعة، وتأتي الزوجة بصينية شاي وطبق من الخبز «الحرفي» وصحن زيت بلدي. بين باسم الله والحمد لله، تتعشى الأسرة شايا وخبزا، وأفرادها يضحكون من القلب. كانوا أكثر سعادة. السيارة والتلفزة لم تكونا متوفرتين حتى لدى بعض من كبار القوم، لكنهم كانوا أكثر سعادة. أثرى أثريائنا اليوم لا يشعر بسعادة البدوي المذكور. تضخم الحاجيات والكماليات، التي لا حد لها، يساهم في تضخيم إحساسنا بالغبن والعجز عن إدراكها، فنهبط درجات في سلم السعادة. يقطع المواطن مسافات طويلة بالقطار ويكملها ب«الخطافة»، وعندما يصل إلى مبنى الجماعة القروية النائية يفاجأ بأنهم مضربون. الأرملة العاطلة تقصد المستشفى فيطلبون منها أن تدفع لتدخل وتدفع للفحص بالأشعة وتدفع للتحليلات وتدفع ل«السكانير»، وعليها أن تخرج من كل هذه الدفوعات سالمة ببقية فلوس لشراء «خنشة» دواء. في تلك الأثناء يصل الحاج النفخة فيدخل «بلا سربيس»، يجري الفحص والتحليلات و«السكانير بلا سربيس» ولا دفع. تتأمل الأرملة كل ذلك مرددة اللهم إن هذا منكر، وتغادر المستشفى وقد هبط «الطانسيو» وطلع الدم وهوى مؤشر السعادة إلى الخط الأحمر. يقضي الأب حياته منشغلا بتعليم أبنائه، وهو يحلم بشيخوخة مريحة، متنقلا بين ابنه الطبيب وابنه المحامي وبنته المهندسة، ليستفيق على كابوس شيخوخة تعيسة وهو يرى أبناءه يضعون شهاداتهم الجامعية جانبا، ويخرجون يوميا للنضال أمام البرلمان. صياحهم حتى تبح أصواتهم أو جريهم هروبا من «زرواطة» رجال الأمن، كلها عوامل تعاسة تجر صاحبها إلى أدنى درجات السعادة. ........................ أتعس أولاد الدرب هو سعيد، ولد مول سكيمو، لذلك يحرص كريمو على تسميته «بوالركابي»، ليقينه بأن «سعيد» اسم على غير مسمى.