«السعادة امرأة» يقول الفيلسوف الألماني نيتشه، فيما يرى الروائي فرانتز كافكا أنها «تؤخر قدوم الشيخوخة»، أما الفارابي فاعتبر أن «السياسة هي أفضل السبل لبلوغ أو تحصيل السعادة». على أيٍّ، تبقى السعادة، ومنذ غابر الأزمان، من المشاغل الأساسية للإنسان. عكف على دراسة ألغازها وأسرارها الفلاسفة، نظم في حقها الشعراء الشذرات والمطولات، أفتى فيها الفقهاء أو رجالات الدين... إلخ. ومع ذلك فهي لغز مستعص على الفهم والمنال، وفي ظرفية الأزمات تبقى ذاك الأمل الكفيل بانتشال الإنسان من البؤس والتعاسة. لكن السعادة تبقى مسألة شخصية تهم كل فرد على حدة، كما أنها تتزيى بلغة وثقافة كل بلد؛ فلو سألت مغربيا من الناس البسطاء: «واش انت فرحان؟»، قد يرد عليك بعدة أجوبة من بينها: «وانت شغلك؟ أو «واكلين شاربين ما خصنا حتى خير». لكن لنطرح السؤال: هل المغاربة شعب سعيد؟ إن احتكمنا إلى سيمائهم في الباصات والتاكسيات والقطارات لقلنا إنهم من أكثر الشعوب بؤسا وتعاسة، «مكرهين» في الحقيقة من كل شيء. إن ارتكزنا على «النشاط» الذي ينخرطون فيه بشكل مستمر ودائم، من حفلات الزواج والختان... إلخ، لخلصنا إلى القول إنهم من أسعد الشعوب على وجه البسيطة. إن أخذنا في الاعتبار الحياة في بيئة نظيفة وصحية كمقياس من مقاييس السعادة، يبقى بلدنا بلا مجادل مختبرا يتعايش فيه الماء والخضرة والأزبال! لكن النظر في السعادة لم يبق وقفا على الشعراء والفلاسفة ورجالات الدين، بل تدخل علماء الاقتصاد ليدلوا بدلوهم في الموضوع. هكذا أطلق أخصائي اقتصادي عام 1972 مفهوم «السعادة الوطنية الخام» احتداء بسعادة مملكة البوتان التي نجحت في إقامة موازنة بين ثقافتها وتقاليدها القديمة وبين عملية التحديث. كما التقى منذ 3 سنوات بإسطنبول أكثر من ألف عالم إحصاء واقتصاد، يمثلون 50 بلدا، للمشاركة في مناظرة دولية من تنظيم منظمة التعاون والتنمية، وللتباحث في موضوع السعادة ورهاناتها الاقتصادية. وفي هذا السياق، أنشئ «مركز مؤشرات الكوكب السعيد»، وهو منظمة مستقلة تعنى بدراسة وتصنيف السعادة في دول العالم. ويعتمد المركز على مجموعة من المقاييس تحدد معرفتنا من رفاهية أو عدم رفاهية بلد ما. من بين هذه المقاييس: البيئة الصحية، معدل الحياة أو متوسط العمر المتوقع،... إلخ. وقد جاء التقرير السنوي للمركز لعام 2012 والصادر مؤخرا حافلا بالمفاجآت: من بين 151 دولة تم فحصها، احتلت دول أمريكا اللاتينية الصفوف العشر الأولى، بتصدر الكوستا ريكا للقائمة تليها بلدان مثل كولومبيا والسلفادور وجامايكا وباناما ونيكاراغوا وفنيزويلا وغواتيمالا. وقد خلقت الفيتنام المفاجأة باحتلالها المرتبة الثانية؛ وتختم القائمةَ بلدانٌ، مثل بوتسوانا وتشاد، تليها قطر. وبذلك يصدق المثل المأثور: المال لا يصنع السعادة. مغاربيا، ليست الصورة لا وردية ولا حالكة: فقد صنفت الجزائر كأسعد بلد على المستوى الإفريقي بالنظر إلى الظروف البيئية الملائمة، وبالنظر كذلك إلى ارتفاع معدل الحياة في السنوات العشر الأخيرة والذي وصل إلى 73,1 سنة. واحتلت تونس المرتبة الثامنة والثلاثين؛ أما مملكتنا السعيدة فصنفت في المرتبة ال41، علما بأنه سبق لها أن احتلت عام 2009 المرتبة ال21! في ظرف ثلاث سنوات، انتكست «بالعلالي» سعادة المغاربة، حيث استشرى العنف في جسد المجتمع وراجت المخدرات، الرطب منها والصلب، وترسخت في المشهد ظاهرة الانتحار والاغتصاب وزيد وزيد. وعلى المستوى البيئي، لسنا قدوة صالحة: لم يعد للمغاربة من خيار بين الاختناق والتلوث. وإن استمر الحال على ما هو عليه، فمن غير المستبعد أن يحتل المغرب في السنوات القادمة الصفوف الأخيرة. وعلى الرغم من كل ذلك، ستجد دائما من المغاربة من يجيبك: «نحن من الحامدين الشاكرين»!