صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب        البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسس القانونية لمراجعة مناهج التعليم الديني
نشر في هوية بريس يوم 03 - 01 - 2017

اعتبرت مضامين الخطاب الملكي ل09 مارس 2011 نقلة نوعية في مسار جديد للإصلاح السياسي والمؤسساتي بالمغرب ودعوة صريحة للدخول في مرحلة جديدة تعزز الديمقراطية وتكرس مبادئ دولة الحق والقانون. واستجابة لهذا الخطاب سارعت الأحزاب السياسية والنقابات والفعاليات الجمعوية إلى رفع مذكراتها إلى اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، من خلال تقديم مقترحاتها حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي جاء بها الدستور الجديد.
وبالفعل جاءت مجموعة من الإصلاحات والمستجدات على مستويات عديدة، وفي الجانب الذي يهمنا في مشروع مراجعة مناهج التعليم الديني، أشار دستور عام 2011م إلى حقوق الإنسان كما هو معترف بها عالميا من جهة وإلى الهوية، والإسلام و"ثوابت المملكة" من جهة أخرى. ولكن هذه الإشارة المنطوية على الازدواجية تسبب التباسا في الفهم والتفسير، لذلك سنركز في تحليلنا على إزالة هذا اللبس في قضية الثوابت والهوية.
فكيف تناول الدستور الجديد المسألة الهوياتية والثوابت الوطنية والدينية؟ وهل هناك تعارض بين الالتزام بالاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان وبين مقتضيات الهوية الوطنية والدينية كما ينص عليها الدستور؟ وما علاقة مادة التربية الإسلامية بالوثيقة الدستورية؟
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات في ثلاثة محاور وهي:
1- ثوابت المملكة والهوية في ديباجة ومتن دستور 2011.
2- ثوابت المملكة والهوية في علاقتها بالمواثيق الدولية.
3- علاقة مادة التربية الإسلامية بالمقتضيات الدستورية.
1-ثوابت المملكة والهوية في ديباجة ومتن دستور 2011.
* على مستوى الديباجة:
تضمن نص الدستور المغربي الجديد الصادر بالظهير المؤرخ في 29 يوليوز 2011م تصديرا بما يعتبر مقدمة للدستور ضمنه المشرع الدستوري بعض المبادئ والقيم والتوجهات والأهداف الأساسية التي تعد في تقديره بمثابة الدعائم والمرتكزات الأساسية التي تحكم وتضبط الخط السياسي العام للدولة سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية
وبناء على ما سبق يحق لنا أن نتساءل عن قيمة ومكانة التصدير في الدستور المغربي الجديد، لن نجد عناء في الإجابة عن هذا السؤال فقد نص في الفقرة الأخيرة من التصدير بشكل واضح بأنه:
"يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور".
جاء في الفقرة الأولى من التصدير ما يلي:
"المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".
واضح أن هذه الفقرة تنص على أن الوحدة الوطنية قد صيغت بانصهار المكونات العربية- الإسلامية والأمازيغية، والصحراوية-الحسانية والغنية بميراثها" الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". وهو تحديد مختلف جوهريا عن تحديد الهوية المغربية في الدستور السابق ( دستور 1996) الذي كانت ديباجته قصيرة ومقتضبة حددت الهوية المغربية فيه ب "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية وهي جزء من المغرب العربي الكبير". ويبدو للوهلة الأولى أن تغيرا كبيرا طرأ على تعريف الهوية المغربية، فالتعريف السابق كان يركز على عنصرين أساسين فقط هما الإسلام والعروبة وأن المغرب جزء من المغرب العربي الكبير.
في التحديد الجديد تم التمييز في الهوية بين:
1. المكونات "العربية الإسلام الأمازيغية الصحراوية الحسانية": وهي مكونات يتداخل فيها الديني باللغوي، يلاحظ إضافة مكونين لم يكن لهما ذكر في أي دستور مغربي سابق هما : مكون الأمازيغية ومكون الصحراوية الحسانية.
2. الروافد "الإفريقية الأندلسية العبرية المتوسطية": وهي روافد تحدد الانتماء الجغرافي (الإفريقية- المتوسطية)، فالمغرب موجود في القارة الإفريقية ومطل على البحر الأبيض المتوسط لذلك يبدو هذان الرافدان محايدان ولا يحملان أية شحنة سياسية أو دينية.
من جهة أخرى، تصف الفقرة ذاتها في مقدمة الدستور "المملكة بأنها دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، وتشدد على أهمية الدين الإسلامي، كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء وهذا يحيل بطبيعة الحال إلى رفض كل أشكال التطرف والتعصب سواء كان دينيا أو عرقيا أو لغويا أو ثقافيا.
على مستوى متن الدستور:
وبعد الديباجة خصص الدستور فصولا لتحديد الهوية المغربية بتفصيل من خلال الفصول الآتية:
يحدد متن الدستور مضمون هذا المفهوم: يعد المغرب دولة إسلامية بمعنى أن معظم مواطنيه مسلمون مع وجود أقليات دينية كاليهود المغاربة. وينص الفصل الثالث على أن: "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". في حين الفصل 41 احتفظ للملك بالسلطة الدينية بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ورئيس المجلس العلمي الأعلى الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى الرسمية، وبذلك يكون المشرع الدستوري قد حسم في الهوية الدينية للدولة.
ينص الفصل 41 من الدستور أن الملك، بصفته" أمير المؤمنين ضمن الالتزام بالإسلام. فهو يضمن حرية ممارسة الدين ويرأس مجلس العلماء، وهو هيئة مخولة بإصدار الفتاوى أو الآراء الدينية في المسائل التي ترفَع إليها. وبهذا المعنى، يكون مجلس العلماء هيئة دستورية نوعا ما، منوطة بمراقبة الهوية الإسلامية للقوانين والأفعال. وتتضافر صفة رئيس الدولة والزعيم الروحي للمجتمع في شخص واحد.
يحدد الفصل الرابع رموز وشعار المملكة: علم المملكة هو اللواء الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء
خماسية الفروع. شعار المملكة: الله، الوطن، الملك.
بينما الفصل الخامس سيحسم في إشكالية اللغة والهوية على الأقل دستوريا
تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر. يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتكيبته وكيفيات سيره.
نستنتج من هذه الفصول مدى التركيز على الجانب السوسيوثقافي من خلال علاقة اللغة بالدين وعلاقة العربية بالإسلام في تحديد الهوية المغربية. ورغم اعتبار الأمازيغية لغة رسمية في المغرب فقد جاءت في المرتبة الثانية وجاءت نكرة غير معرفة فقد اختار المشرع هذه: الصيغة اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة. وعبر عن الأمازيغية بقوله: وتعد الأمازيغية لغة رسمية للدولة بهذا التعريف للهوية المغربية.
ومن ناحية أخرى، فإن إقرار الدستور الجديد للغة العربية، لغة رسمية للبلاد، في الفصل الخامس كما سردناه آنفا، فيه اعتراف بأولوية اللغة العربية، وبأنها لا تنفصل عن مسألة الهوية الإسلامية.
هذا، ومن زاوية أخرى تم التنصيص على احترام المغرب للتعددية الثقافية، واعتبار تعبيراتها اللغوية والحضارية مكونات للهوية المغربية المنفتحة، والتنصيص على دسترة الوضع اللغوي بالمغرب باعتبار اللغتين العربية و الأمازيغية لغتين رسميتين، كما تم التنصيص أيضا كما رأينا في تصدير الدستور على أن المغرب جزء من الأمة العربية والإسلامية، وبكونه أمة موحدة قائمة على تنوع روافد هويتها العربية الأمازيغية الحسانية الصحراوية الإفريقية الأندلسية العبرية والمتوسطية.
دائما في تحليل الفصول ذات العلاقة بالهوية في الدستور الجديد:
نجد من خلال التنصيص في الفصل (19) على أن الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية ينبغي أن يكون في نطاق ثوابت المملكة، وعبر عنه الخطاب الملكي: (بما لا يتنافى مع أحكام الدين الإسلامي) . وهذه النقطة سنحللها بتفصيل في المحور القادم وهو ما يعضده الفصل 175: (لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي).
وفي الفصل 31 "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من مجموعة من الحقوق ولعل الحق البارز الذي يهمنا في الموضوع هو:
 التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
بمعنى أن مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، هي تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من هذه الحقوق والحق الذي يهمنا هو التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ والتنشئة يقصد بها في معناها الواسع التربية بمختلف مراحلها ومؤسساتها لضمان التمتع والاستفادة من هذا الحق الدستوري. وهذه الهوية هي ما عبر عنها الدستور أيضا بالثوابت و جعل الدين الإسلامي في طليعتها كما في التصدير.
وهذه الثوابت أساسها الإسلام هي ما قيد به الدستور في فصله التاسع عشر المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وقيد بهذه الثوابت أيضا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب فلم يعتبر منها إلا ما كان "في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها." كما في الفصل 19 وكما في التصدير.
المحور الثاني: ثوابت المملكة والهوية في علاقتها بالمواثيق الدولية.
كما أشرنا في بداية المحور الأول فإن غرضنا من إدراج هذا المحور هو إزالة اللبس والغموض على مستوى تأويل سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية فإلى أي يحد يصح هذا الطرح؟
في دستور 2011:
جاء الدستور المغربي ل2011 معبرا بوضوح عن مسألة إعطاء الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على التشريعات الوطنية، إذ نص في ديباجته على ما يلي: "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
يبدو أن المشرع المغربي قد حسم في إشكالية العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي عندما نص صراحة على مبدأ سمو الاتفاقية الدولية، إلا أنه ربط هذا السمو بمسألة نشر الاتفاقية والملاحظ.
غير أن الإشكالية المركزية التي ترخي ظلالها على الوثيقة الدستورية الجديدة هي كيفية التوفيق بين الاتفاقيات الأممية والمرجعية الدينية في مقاربة قضايا حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
يلاحظ أن الكثيرين ممن خاضوا في هذا النقاش يغفلون صراحة في مسألة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ويغضون الطرف عن القيود الأربعة في التصدير في هذا الجانب بالذات:
جاء في الفقرة الأخيرة من الديباجة ما يلي:
"جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
القيود الأربعة:
* كما صادق عليها المغرب.
* وفي نطاق أحكام الدستور.
* وقوانين المملكة.
* وهويتها الوطنية الراسخة.
لقد حاول المشرع المغربي التوفيق بين مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية وبين مبدأ ضرورة الأخذ بعين الاعتبار القوانين الداخلية للدولة. الأمر الذي يعطي الانطباع بأن الاتفاقيات الدولية التي تسمو على التشريعات الوطنية هي تلك التي تتوافق مع مقتضيات الدستور وقوانين المملكة والهوية الوطنية الراسخة، وهذا من شأنه أن يقلص من دائرة الاتفاقيات الدولية التي تسمو على التشريعات الوطنية أو على الأقل سيؤدي إلى إبداء بعض التحفظات على بعض بنودها التي لا تتوافق مع قوانين المملكة والهوية الوطنية الراسخة وإذا حصل على أي تعارض بين أحد الالتزامات الدولية وبين أحد قوانين المملكة أو الهوية الوطنية الراسخة فذلك يستتبع بالضرورة تعارضه مع أحكام الدستور إذ نص على أن المصادقة على هذا الالتزام لا تقع إلا بعد مراجعة الدستور (الفقرة 4 من الفصل 55) ولم يتطرق للأثر القانوني المترتب عن مخالفة أحد الالتزامات الدولية لأحد التشريعات الوطنية أو للهوية الوطنية الراسخة.
ونستنتج مما سبق أنه في حالة إذا لم تنضبط الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب لهذه القيود لا يمكن أن تسمو على التشريعات الوطنية وبالتالي فسمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب بحسب الدستور تصبح رهينة بعدم الخروج على القيود الأربعة.
علاقة مادة التربية الإسلامية بالمقتضيات الدستورية
لم تتم الإشارة صراحة إلى مادة التربية الإسلامية في الدستور الجديد وتمت الإشارة إلى الحق في التربية والتعليم والمساواة.. ومسؤوليات الدولة والجماعات الترابية في ذلك، بيد أن هناك معطيات تفيدنا في نقاش مراجعة مناهج التعليم الديني بالرجوع إلى هذه الوثيقة الدستورية منها الفصل 31 من الدستور إذ جاء فيه "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، في مجموعة من الحقوق والحق الذي يرتبط بموضوعنا هو: التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ ومادة التربية الإسلامية هي وسيلة للتنشئة على الهوية الوطنية والقيم الإسلامية النبيلة من خلال ما نستشفه من مقتضيات الدستور (الديباجة الفصل الثالث الفصل 31..).
لقد تم الإقدام مؤخرا على تغيير اسم مادة "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية" في المناهج الدراسية المقدمة للجان التأليف، فتم التراجع عن ذلك لاحقا، والتي لا تعبر عن أية خصوصية مغربية، وتشمل جميع الأديان، السماوية منها والوثنية. بل إن تلك التسمية الجديدة تخالف الدستور المغربي الجديد وكافة الدساتير التي عرفتها المملكة، ومتعارضة مع كافة الوثائق المرجعية لنظام التربية والتكوين. بينما الحفاظ على تسمية التربية الإسلامية بهذا الاسم يعد تعبيرا صريحا وبليغا عن تشبث المغاربة بالإسلام على مدى أربعة عشر قرنا، وممارسة كاملة لسيادتهم وترسيخ متواصل للهوية الإسلامية للشعب المغربي في إطار وحدة المذهب المالكي في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة، وإمارة المؤمنين.
فالدستور الجديد أكد أن الإسلام هو دين الدولة المغربية، وأن المملكة المغربية دولة إسلامية، وجعل الأحكام المتعلقة بالإسلام من القضايا التي لا يمكن أن يطالها التعديل. لكن الأهم في السياق الذي نتحدث فيه هو تشديد الدستور على أن الدين الاسلامي يتبوأ صدارة مكونات الهوية المغربية، ويعتبر من الثوابت الجامعة التي تستند الأمة عليها في حياتها العامة، بل إن الفصل 31 كما رأينا يجعل من مسؤوليات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية العمل على "التنشئة على التشبت بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة".
خاتمة:
ومن كل ما سبق نعتبر أن مراجعة مناهج التربية الإسلامية ينبغي أن تستند إلى مرجعيات الدستور وتلتزم بمبادئه وبنوده في مراجعة وصياغة المناهج خاصة على مستوى القيم والثوابت الوطنية والدينية وفي مقدمتها العقيدة الإسلامية. لذلك كان ضروريا الوفاء للقيم المتوافق عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يجعل من مرتكزاته الثابتة الاهتداء بمبادئ العقيدة الإسلامية. فوجب أن نلمس في مادة التربية الإسلامية وكل المواد الدراسية هذه العقيدة الراسخة، كما أنه من بين ما حددته فلسفته التربوية اعتمادها على التربية على القيم، فوجب اعتماد القيم الإسلامية حقيقة في كل هذه المواد مما يخدم الانسجام والتكامل والتقاطع بين المعرفة المدرسية وشخصية المستهدف بها .
لائحة المصادر والمراجع:
– الدستور المغربي 2011، الموقع الرسمي للبوابة الوطنية للمملكة المغربية.
– الخطاب الملكي ل 09 مارس 2011م.
– دراسة نقدية لدستور 2011، محمد مدني، إدريس المغروي، سلوى الزرهوني، منشورات المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ستوكهولم، السويد، 2012م.
– الهوية في دستور 2011، محمد بودهان، هسبريس، 5/07/2013م.
– خالد الحمدوني، مركز الاتفاقيات الدولية في الوثيقة الدستورية المغربية، جريدة المساء المغربية، 13/01/2012م.
* باحث في التربية والدراسات الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.