ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسس القانونية لمراجعة مناهج التعليم الديني
نشر في هوية بريس يوم 03 - 01 - 2017

اعتبرت مضامين الخطاب الملكي ل09 مارس 2011 نقلة نوعية في مسار جديد للإصلاح السياسي والمؤسساتي بالمغرب ودعوة صريحة للدخول في مرحلة جديدة تعزز الديمقراطية وتكرس مبادئ دولة الحق والقانون. واستجابة لهذا الخطاب سارعت الأحزاب السياسية والنقابات والفعاليات الجمعوية إلى رفع مذكراتها إلى اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، من خلال تقديم مقترحاتها حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي جاء بها الدستور الجديد.
وبالفعل جاءت مجموعة من الإصلاحات والمستجدات على مستويات عديدة، وفي الجانب الذي يهمنا في مشروع مراجعة مناهج التعليم الديني، أشار دستور عام 2011م إلى حقوق الإنسان كما هو معترف بها عالميا من جهة وإلى الهوية، والإسلام و"ثوابت المملكة" من جهة أخرى. ولكن هذه الإشارة المنطوية على الازدواجية تسبب التباسا في الفهم والتفسير، لذلك سنركز في تحليلنا على إزالة هذا اللبس في قضية الثوابت والهوية.
فكيف تناول الدستور الجديد المسألة الهوياتية والثوابت الوطنية والدينية؟ وهل هناك تعارض بين الالتزام بالاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان وبين مقتضيات الهوية الوطنية والدينية كما ينص عليها الدستور؟ وما علاقة مادة التربية الإسلامية بالوثيقة الدستورية؟
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات في ثلاثة محاور وهي:
1- ثوابت المملكة والهوية في ديباجة ومتن دستور 2011.
2- ثوابت المملكة والهوية في علاقتها بالمواثيق الدولية.
3- علاقة مادة التربية الإسلامية بالمقتضيات الدستورية.
1-ثوابت المملكة والهوية في ديباجة ومتن دستور 2011.
* على مستوى الديباجة:
تضمن نص الدستور المغربي الجديد الصادر بالظهير المؤرخ في 29 يوليوز 2011م تصديرا بما يعتبر مقدمة للدستور ضمنه المشرع الدستوري بعض المبادئ والقيم والتوجهات والأهداف الأساسية التي تعد في تقديره بمثابة الدعائم والمرتكزات الأساسية التي تحكم وتضبط الخط السياسي العام للدولة سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية
وبناء على ما سبق يحق لنا أن نتساءل عن قيمة ومكانة التصدير في الدستور المغربي الجديد، لن نجد عناء في الإجابة عن هذا السؤال فقد نص في الفقرة الأخيرة من التصدير بشكل واضح بأنه:
"يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور".
جاء في الفقرة الأولى من التصدير ما يلي:
"المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".
واضح أن هذه الفقرة تنص على أن الوحدة الوطنية قد صيغت بانصهار المكونات العربية- الإسلامية والأمازيغية، والصحراوية-الحسانية والغنية بميراثها" الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". وهو تحديد مختلف جوهريا عن تحديد الهوية المغربية في الدستور السابق ( دستور 1996) الذي كانت ديباجته قصيرة ومقتضبة حددت الهوية المغربية فيه ب "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية وهي جزء من المغرب العربي الكبير". ويبدو للوهلة الأولى أن تغيرا كبيرا طرأ على تعريف الهوية المغربية، فالتعريف السابق كان يركز على عنصرين أساسين فقط هما الإسلام والعروبة وأن المغرب جزء من المغرب العربي الكبير.
في التحديد الجديد تم التمييز في الهوية بين:
1. المكونات "العربية الإسلام الأمازيغية الصحراوية الحسانية": وهي مكونات يتداخل فيها الديني باللغوي، يلاحظ إضافة مكونين لم يكن لهما ذكر في أي دستور مغربي سابق هما : مكون الأمازيغية ومكون الصحراوية الحسانية.
2. الروافد "الإفريقية الأندلسية العبرية المتوسطية": وهي روافد تحدد الانتماء الجغرافي (الإفريقية- المتوسطية)، فالمغرب موجود في القارة الإفريقية ومطل على البحر الأبيض المتوسط لذلك يبدو هذان الرافدان محايدان ولا يحملان أية شحنة سياسية أو دينية.
من جهة أخرى، تصف الفقرة ذاتها في مقدمة الدستور "المملكة بأنها دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، وتشدد على أهمية الدين الإسلامي، كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء وهذا يحيل بطبيعة الحال إلى رفض كل أشكال التطرف والتعصب سواء كان دينيا أو عرقيا أو لغويا أو ثقافيا.
على مستوى متن الدستور:
وبعد الديباجة خصص الدستور فصولا لتحديد الهوية المغربية بتفصيل من خلال الفصول الآتية:
يحدد متن الدستور مضمون هذا المفهوم: يعد المغرب دولة إسلامية بمعنى أن معظم مواطنيه مسلمون مع وجود أقليات دينية كاليهود المغاربة. وينص الفصل الثالث على أن: "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". في حين الفصل 41 احتفظ للملك بالسلطة الدينية بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ورئيس المجلس العلمي الأعلى الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى الرسمية، وبذلك يكون المشرع الدستوري قد حسم في الهوية الدينية للدولة.
ينص الفصل 41 من الدستور أن الملك، بصفته" أمير المؤمنين ضمن الالتزام بالإسلام. فهو يضمن حرية ممارسة الدين ويرأس مجلس العلماء، وهو هيئة مخولة بإصدار الفتاوى أو الآراء الدينية في المسائل التي ترفَع إليها. وبهذا المعنى، يكون مجلس العلماء هيئة دستورية نوعا ما، منوطة بمراقبة الهوية الإسلامية للقوانين والأفعال. وتتضافر صفة رئيس الدولة والزعيم الروحي للمجتمع في شخص واحد.
يحدد الفصل الرابع رموز وشعار المملكة: علم المملكة هو اللواء الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء
خماسية الفروع. شعار المملكة: الله، الوطن، الملك.
بينما الفصل الخامس سيحسم في إشكالية اللغة والهوية على الأقل دستوريا
تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر. يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتكيبته وكيفيات سيره.
نستنتج من هذه الفصول مدى التركيز على الجانب السوسيوثقافي من خلال علاقة اللغة بالدين وعلاقة العربية بالإسلام في تحديد الهوية المغربية. ورغم اعتبار الأمازيغية لغة رسمية في المغرب فقد جاءت في المرتبة الثانية وجاءت نكرة غير معرفة فقد اختار المشرع هذه: الصيغة اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة. وعبر عن الأمازيغية بقوله: وتعد الأمازيغية لغة رسمية للدولة بهذا التعريف للهوية المغربية.
ومن ناحية أخرى، فإن إقرار الدستور الجديد للغة العربية، لغة رسمية للبلاد، في الفصل الخامس كما سردناه آنفا، فيه اعتراف بأولوية اللغة العربية، وبأنها لا تنفصل عن مسألة الهوية الإسلامية.
هذا، ومن زاوية أخرى تم التنصيص على احترام المغرب للتعددية الثقافية، واعتبار تعبيراتها اللغوية والحضارية مكونات للهوية المغربية المنفتحة، والتنصيص على دسترة الوضع اللغوي بالمغرب باعتبار اللغتين العربية و الأمازيغية لغتين رسميتين، كما تم التنصيص أيضا كما رأينا في تصدير الدستور على أن المغرب جزء من الأمة العربية والإسلامية، وبكونه أمة موحدة قائمة على تنوع روافد هويتها العربية الأمازيغية الحسانية الصحراوية الإفريقية الأندلسية العبرية والمتوسطية.
دائما في تحليل الفصول ذات العلاقة بالهوية في الدستور الجديد:
نجد من خلال التنصيص في الفصل (19) على أن الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية ينبغي أن يكون في نطاق ثوابت المملكة، وعبر عنه الخطاب الملكي: (بما لا يتنافى مع أحكام الدين الإسلامي) . وهذه النقطة سنحللها بتفصيل في المحور القادم وهو ما يعضده الفصل 175: (لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي).
وفي الفصل 31 "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من مجموعة من الحقوق ولعل الحق البارز الذي يهمنا في الموضوع هو:
 التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
بمعنى أن مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، هي تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من هذه الحقوق والحق الذي يهمنا هو التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ والتنشئة يقصد بها في معناها الواسع التربية بمختلف مراحلها ومؤسساتها لضمان التمتع والاستفادة من هذا الحق الدستوري. وهذه الهوية هي ما عبر عنها الدستور أيضا بالثوابت و جعل الدين الإسلامي في طليعتها كما في التصدير.
وهذه الثوابت أساسها الإسلام هي ما قيد به الدستور في فصله التاسع عشر المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وقيد بهذه الثوابت أيضا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب فلم يعتبر منها إلا ما كان "في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها." كما في الفصل 19 وكما في التصدير.
المحور الثاني: ثوابت المملكة والهوية في علاقتها بالمواثيق الدولية.
كما أشرنا في بداية المحور الأول فإن غرضنا من إدراج هذا المحور هو إزالة اللبس والغموض على مستوى تأويل سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية فإلى أي يحد يصح هذا الطرح؟
في دستور 2011:
جاء الدستور المغربي ل2011 معبرا بوضوح عن مسألة إعطاء الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على التشريعات الوطنية، إذ نص في ديباجته على ما يلي: "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
يبدو أن المشرع المغربي قد حسم في إشكالية العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي عندما نص صراحة على مبدأ سمو الاتفاقية الدولية، إلا أنه ربط هذا السمو بمسألة نشر الاتفاقية والملاحظ.
غير أن الإشكالية المركزية التي ترخي ظلالها على الوثيقة الدستورية الجديدة هي كيفية التوفيق بين الاتفاقيات الأممية والمرجعية الدينية في مقاربة قضايا حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
يلاحظ أن الكثيرين ممن خاضوا في هذا النقاش يغفلون صراحة في مسألة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ويغضون الطرف عن القيود الأربعة في التصدير في هذا الجانب بالذات:
جاء في الفقرة الأخيرة من الديباجة ما يلي:
"جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
القيود الأربعة:
* كما صادق عليها المغرب.
* وفي نطاق أحكام الدستور.
* وقوانين المملكة.
* وهويتها الوطنية الراسخة.
لقد حاول المشرع المغربي التوفيق بين مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية وبين مبدأ ضرورة الأخذ بعين الاعتبار القوانين الداخلية للدولة. الأمر الذي يعطي الانطباع بأن الاتفاقيات الدولية التي تسمو على التشريعات الوطنية هي تلك التي تتوافق مع مقتضيات الدستور وقوانين المملكة والهوية الوطنية الراسخة، وهذا من شأنه أن يقلص من دائرة الاتفاقيات الدولية التي تسمو على التشريعات الوطنية أو على الأقل سيؤدي إلى إبداء بعض التحفظات على بعض بنودها التي لا تتوافق مع قوانين المملكة والهوية الوطنية الراسخة وإذا حصل على أي تعارض بين أحد الالتزامات الدولية وبين أحد قوانين المملكة أو الهوية الوطنية الراسخة فذلك يستتبع بالضرورة تعارضه مع أحكام الدستور إذ نص على أن المصادقة على هذا الالتزام لا تقع إلا بعد مراجعة الدستور (الفقرة 4 من الفصل 55) ولم يتطرق للأثر القانوني المترتب عن مخالفة أحد الالتزامات الدولية لأحد التشريعات الوطنية أو للهوية الوطنية الراسخة.
ونستنتج مما سبق أنه في حالة إذا لم تنضبط الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب لهذه القيود لا يمكن أن تسمو على التشريعات الوطنية وبالتالي فسمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب بحسب الدستور تصبح رهينة بعدم الخروج على القيود الأربعة.
علاقة مادة التربية الإسلامية بالمقتضيات الدستورية
لم تتم الإشارة صراحة إلى مادة التربية الإسلامية في الدستور الجديد وتمت الإشارة إلى الحق في التربية والتعليم والمساواة.. ومسؤوليات الدولة والجماعات الترابية في ذلك، بيد أن هناك معطيات تفيدنا في نقاش مراجعة مناهج التعليم الديني بالرجوع إلى هذه الوثيقة الدستورية منها الفصل 31 من الدستور إذ جاء فيه "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، في مجموعة من الحقوق والحق الذي يرتبط بموضوعنا هو: التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ ومادة التربية الإسلامية هي وسيلة للتنشئة على الهوية الوطنية والقيم الإسلامية النبيلة من خلال ما نستشفه من مقتضيات الدستور (الديباجة الفصل الثالث الفصل 31..).
لقد تم الإقدام مؤخرا على تغيير اسم مادة "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية" في المناهج الدراسية المقدمة للجان التأليف، فتم التراجع عن ذلك لاحقا، والتي لا تعبر عن أية خصوصية مغربية، وتشمل جميع الأديان، السماوية منها والوثنية. بل إن تلك التسمية الجديدة تخالف الدستور المغربي الجديد وكافة الدساتير التي عرفتها المملكة، ومتعارضة مع كافة الوثائق المرجعية لنظام التربية والتكوين. بينما الحفاظ على تسمية التربية الإسلامية بهذا الاسم يعد تعبيرا صريحا وبليغا عن تشبث المغاربة بالإسلام على مدى أربعة عشر قرنا، وممارسة كاملة لسيادتهم وترسيخ متواصل للهوية الإسلامية للشعب المغربي في إطار وحدة المذهب المالكي في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة، وإمارة المؤمنين.
فالدستور الجديد أكد أن الإسلام هو دين الدولة المغربية، وأن المملكة المغربية دولة إسلامية، وجعل الأحكام المتعلقة بالإسلام من القضايا التي لا يمكن أن يطالها التعديل. لكن الأهم في السياق الذي نتحدث فيه هو تشديد الدستور على أن الدين الاسلامي يتبوأ صدارة مكونات الهوية المغربية، ويعتبر من الثوابت الجامعة التي تستند الأمة عليها في حياتها العامة، بل إن الفصل 31 كما رأينا يجعل من مسؤوليات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية العمل على "التنشئة على التشبت بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة".
خاتمة:
ومن كل ما سبق نعتبر أن مراجعة مناهج التربية الإسلامية ينبغي أن تستند إلى مرجعيات الدستور وتلتزم بمبادئه وبنوده في مراجعة وصياغة المناهج خاصة على مستوى القيم والثوابت الوطنية والدينية وفي مقدمتها العقيدة الإسلامية. لذلك كان ضروريا الوفاء للقيم المتوافق عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يجعل من مرتكزاته الثابتة الاهتداء بمبادئ العقيدة الإسلامية. فوجب أن نلمس في مادة التربية الإسلامية وكل المواد الدراسية هذه العقيدة الراسخة، كما أنه من بين ما حددته فلسفته التربوية اعتمادها على التربية على القيم، فوجب اعتماد القيم الإسلامية حقيقة في كل هذه المواد مما يخدم الانسجام والتكامل والتقاطع بين المعرفة المدرسية وشخصية المستهدف بها .
لائحة المصادر والمراجع:
– الدستور المغربي 2011، الموقع الرسمي للبوابة الوطنية للمملكة المغربية.
– الخطاب الملكي ل 09 مارس 2011م.
– دراسة نقدية لدستور 2011، محمد مدني، إدريس المغروي، سلوى الزرهوني، منشورات المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ستوكهولم، السويد، 2012م.
– الهوية في دستور 2011، محمد بودهان، هسبريس، 5/07/2013م.
– خالد الحمدوني، مركز الاتفاقيات الدولية في الوثيقة الدستورية المغربية، جريدة المساء المغربية، 13/01/2012م.
* باحث في التربية والدراسات الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.