بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: أيها الحبيب: لا تَسكُب ماءَ وجهِك في أودية الذُّلّ. ولا تخْدِش عزة نفسك بالوقوف على أبواب الخلق. وقد هُدِيت سَلفا إلى أنَّ النَّاس فقراء ومَحاويج لا يملكون جلْب نفع ولا دفع ضُرّ. فوقوفك على أبواب الغير إِراقةٌ لماءِ وجهٍ كان الأجدر بك أن تصونه.. فماءُ وجهك ماؤُك. وفي صيانته صيانةٌ لجوهر سرِّك. وضمانٌ لدوام عزك.. لا يليق بسليم الفطرة أن يكون جوَّالا على الأبواب يسأل فُتات وهمٍ يفنى ويُفنِي. إن كنت تتملَّق لهذا وذاك فاعلم أنك تبيع وجهك في سوق الذِّلة. وأن عاقبة أمرِك إلى قلّة. ما أحلى عزة النفس. إنها تاجٌ فوق الرأس. ووقارٌ وهَيْبة. وامتطاءٌ لبِساط المجد. وتحليقٌ في آفاق الكرامة. أَنْ تحتاجَ لإخوانك. ليس معناها التَّوقيع على هَوانِك. ولكنْ أنْ تُقدِّم بين يدي حاجتكَ عِزَّة نفسك. وأنْ تُشعِرَ الناس بأنَّ كرامتك مصانةٌ بسياج الإباء. وأن تَوَاضُعك لا يعني ضَعَتَكْ. وأنَّ إملاقك لا يعني تَمَلُّقك.فإنَّ مَن وضَع نَفسه وضَعهُ الناس. ومن تساهل في صيانة عزة نفسه فلينتظر سهام التثريب. فكيف يصونُ لك النَّاسُ شيئا ما صنته. وكيف يحفظون لك ماءَ وجهٍ على أبوابهم أَرَقْتَه. وتأمَّلوا رعاكم الله في آية التَّوسيم بِحِلية التَّعفُّف. التِّي ذكر الله فيها طائفةً من المستظلين بظل الكرامة والاستغناء. آيةٌ فيها إشادةٌ ظاهرة بهذه الفئة التي رغم حاجتها وفاقتها تأبى أن تتذلل للمخلوقين. ولا ترضى بغير عزة النفس شعارا ودثارا (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض. يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا..) يالها من سيما تميزهم. حتى إن الجاهل بحالهم ليظنهم من الأغنياء. وهم والله الأغنياءُ بما أُلبِسوا من حلل التعفف. وبما جُنِّبُوا من ويلات التزلُّف.. ثم إنَّ العارف بربه بمجرد أن يذكر الدار الآخرة. وكيف أن الغني والفقير سَيَّانِ في ذوق كأس الحِمام. وأنّ الكُلَّ سيأتي ربه غدا عبدا فردا. بلا مال ولا أرصدة.. بمجرد أن يذكر ذلك تتصاغر في عينيه الدنيا بكل مَباهجها ومَسارِّها. مشكلتنا أننا ننسى.. فكؤوس الحادثات بنا تدور. وهذه الدنيا وإن وَصَلت فهي غَدُور .ألسنا نرى في كل يوم أمرا إمرا..؟ فعلامَ التَّزلُّفُ والتَّكلُّف؟ كُنْ عزيزا أيها العبد بربِّك. واصنَع عرش عِزَّتِك. من إطالة سجدتك. وإراقة دمعتك. فإن سجودك اقترابَك. (واسجد واقترب) فلا تسمح لأحد أن يستنزلك من عرشك. ولا تكن أسير الحمراء والصفراء.. ولكن تَحرَّر مِن كل ذلك بتعليقِ قلبك بمن عنده خزائنُ كلِّ شيء. فما صُدَّ تَكبُّر مُتكبِّرٍ بمثل الاستغناءِ عنه. وإذا أردت حاجةً فَتعرَّض لِعَرْضِ.. هل من سائلٍ فَأُعطِيَه.. فإن ربك هو الغني ذو الرحمة.. يعطيك ويغنيك.. ولا يريد منك إلا شكرا تضمن به الزِّيادة.. وانقيادا تنال به منحة السَّعادة.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.