الحمد لله ولي كل نعمة، والصلاة والسلام على أحمد المبعوث بالهداية والرحمة، وعلى عترته الأطهرين، وصحابته الأكرمين، والسائرين على نهج الحق المبين. أما بعد، فقد رأيت بعض من يوالي شيعة الزمان المجاهرين بالزندقة والكفران، كلما بين غيور على التوحيد ضلالهم وحذر من فتنتهم، رد ذلك إلى الطائفية والتطرف والإرهاب، ونسب صاحبه إلى الوهابية والتكفيريين والدواعش، مع أن مذهب الرفض – منذ أن كان – ما قام إلا على الأذى الصريح للنبي صلى الله عليه وسلم في أزواجه وأهل بيته، والعدوان المبين على صحابته أهل محبته وفدائه ونصرته، وهذا قبل أن يصير للوهابية ذكر، أو يعرف الناس هذه المسميات. 1- لذا بينت في هذه المقالة بعضا مما تقرر في مذهب الإمام مالك رحمه الله في هذا الشأن من أحد مصادره المشهورة، تبصيرا بالحق الذي يلزم كل مسلم اعتقاده والتعلق به تعلق طالب السلامة بشرط النجاة. ليس في كون المتنقص للصحابة زنديقا مرتدا فحسب، ولكن في حسم شبهة المعترض، وأن مرد الحكم بذلك والتشنيع به على شيعة الوقت: مذهبُ أهل العلم من أئمتنا السالفين والخالفين، فرد المعترض ذلك إلى من يصفهم بقوله: (وهابية.. تكفيريون.. دواعش..): تمويهٌ مبين كتمويه إبليس في قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، يفزع إليه هذا المعترض كلما ذكرت الرافضة بسوء فزَعَ المهزوم إلى ملجإ لا يواريه. فمن وافق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك فهو على الحق، وإن كان الداعي إلى وصفه بالتكفيري تكفيرُه لمن يقذف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فأنعم به من تكفير أصله توحيد الله تعالى، وكماله اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وثمرته الغيرة على الله ورسوله، وعلى عترته الأطهرين وصحابته الأكرمين. 2- قال الإمام الحسن بن محمد الغسّال المراكشي (1358 هج) في (مرآة العصابة، ص 56)، في بيان شرط محبة الصحابة الذي يحقق جدواها، ويثمر نفعها في عقد المسلم وقاله وحاله: «اعلم أن محبة الصحابة لا تجدي نفعا إذا خالطها بغض البعض منهم». ثم ذكر قول رجل للمعافَى بنِ عمران: «أين عمر بن عبد العزيز من معاوية؟»، فغضب وقال: «لا يقاس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله». فرد المعافى بنُ عمران رحمه الله أصل المقايسة نفسِها، وعدها تنقصا لمعاوية رضي الله عنه، مع إقرار المتسائل بفضل معاوية رضي الله عنه على عمر بن عبد العزيز رحمه الله. 3- وفي (مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: 490/1) للحطاب -آخر أبواب الردة، أثناء الحديث عن وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم-: «ولا يُختلف في أن من قال: "كانوا على كفر وضلال" كافرٌ يُقتل، وكذلك الحكم فيمن كفّر أحد الخلفاء الأربعة أو ضلّلهم. فأما من سبهم بغير القذف فإنه يجلد الجلد الموجع وينكل التنكيل الشديد، ويخلد في السجن إلى أن يموت. وأما اليوم فمن قال ذلك في عائشة -يقصد حديث الإفك- قُتل لتكذيب القرآن وكفره بذلك، ولما في قوله عليها من أذى النبي صلى الله عليه وسلم حيا وميتا». والحمد لله أولا وآخرا.