الجمعة 17 يونيو 2016 بعد اعتقال أحد رموز التيار الشيعي بالمغرب، وبعد ظهور مجموعة من المستجدات التي تهم هذا التيار في المدة الأخيرة، تواصلت صحيفة "صدى نيوز" مع الباحث إبراهيم الصغير المتخصص في الفكر الشيعي، فكان لنا معه النقاش التالي. بداية هل من الممكن أن تقدم لقراء "صدى نيوز" حال المشهد الشيعي بالمغرب، إعلامه، تنظيماته، مرجعياته، بعض رموزه…؟ يتقاسم الحالة الشيعية بالمغرب -بصورة علنية- تنظيمان شيعيان، هما: "التيار الشيرازي" المتطرف و"الخط الرسالي" الذي يصفه البعض تجاوزا ب(المعتدل)، وطبعا هناك قلة -غير مؤثرة- تشتغل خارج هذين الإطارين. التيار الشيرازي: يتبع أصحابه المرجع الشيعي محمد الحسيني الشيرازي العراقي، المعروف بغلوه وتطرفه، ومواقفه العدائية اتجاه الصحابة الميامين وأمهات المؤمنين، ويرتبطون تنظيميا بمشروع الكويتي ياسر الحبيب، الوجه الحقيقي للتشيع والرفض من دون تقية. يتمركز أغلب أتباعه -الذين يتجاوز عددهم الألف (1000) شيعي تقريبا- في مدن الشمال وخاصة مدينة طنجة، يؤدون شعائرهم بشكل عادي في بيوت مخصصة لذلك حسب بعض التقارير. وقد وفر لهم ارتباطهم بياسر الحبيب قناتين فضائيتين، هما "صوت العترة" وقناة "فدك"، التي تبث بين الفينة والأخرى مقاطع لشيعة مغاربة يؤدون شهادة غريبة أمام الحبيب للدخول في التشيع، تبتدئ بالإقرار لعلي بالولاية وتنتهي بلعن وتكفير الصحابة وأمهات المؤمنين. لهم موقع رسمي شبه جامد أصبح باسم "هيئة الإمام محمد الشيرازي" بعدما كان اسمه "هيئة شيعة طنجة"، وآخر ينشط في نشر أخبارهم وتحركاتهم تحت اسم" زاوية بريس" بعدما كان اسمه" شبكة زاوية المعلوماتية". ولهم العديد من الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، كلها سب ولعن وتكفير وعداوة لدين المغاربة ومقدساتهم وثوابتهم. الخط الرسالي: بخلاف الأول نجد هذا الخط الذي أسسه عصام احميدان الحسني سنة 2012، يمارس نوعا من التقية في تحركاته ويحاول إظهار الاعتدال في تشيعه، من خلال الترويج بأنه يتبع مرجعية اللبناني محمد حسين فضل الله. ينتشر أتباعه في أغلب مدن المملكة، ويصعب تحديد عددهم وأنشطتهم لسرية تحركاتهم، لهم موقع رسمي هو موقع الخط الرسالي، والعديد من المنتديات والمجموعات المغلقة والمفتوحة والصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي. أسسوا مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والنشر" سنة 2014، والتي انبثق منها المرصد الرسالي لحقوق الإنسان مطلع سنة 2015، وهم اليوم يستميتون من أجل تأسيس أول جمعية شيعية بالمغرب تحت اسم "رساليون تقدميون"، بعدما فشلوا في المحاولة التأسيسية الأولى مطلع سنة 2013. وبينهما تكتل "المواطن الرسالي"، بقيادة كمال الغزالي ومحمد الوالي من وجدة، له موقع رسمي بنفس الاسم، وجريدة ورقية اسمها "صوت المواطن" صدر منها العدد الثاني لحد الآن. كما أن هناك مؤسسة أخرى تسمي نفسها "مؤسسة المواطن الرسالي للدراسات والأبحاث العقائدية بالمغرب" تتبع لشخص اسمه أبو الفضل المغربي، الذي ظهر في بعض المقاطع لتوضيح منهجه ودعوة الأمازيغ لمناصرته. هذا حال ما يطفو على السطح بخصوص المشهد الشيعي بالمغرب، تيارات تختلف في المرجعيات والولاءات والارتباطات بالخارج، وتتفق في الهدف الأسمى ألا وهو نشر التشيع والتبشير به على أمل إقامة دولة شيعية بالمغرب. في الوقت الذي يعرف فيه التيار الشيعي انحسارا على مستوى العالم الإسلامي، في سياق دعم إيران لعدد من الديكتاتوريات، وما يجري من قتل وتدمير على الهوية، نجد هذا التيار هنا بالمغرب "يتململ"، ويحاول أن يجد له مكانا في مشهد مثير، كيف ترى ما يجري؟ إيران صاحبة مشروع توسعي كبير، تسرب جزء كبير منه فيما عرف إعلاميا بالخطة السرية الخمسينية التي وضعت لنشر مبادئ الثورة الخمينية بطريقة ناعمة تحت عباءة التشيع وحب آل البيت، وقد افتضح أمرها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض دول الخليج. التي شهدت تدخلا إيرانيا سافرا ساهم بشكل كبير في تعرية مشروعها وإظهار حقيقتها، وجعلها تعاني نفورا كبيرا وفشلا ذريعا، تحاول التغطية عليه بدعم وفتح جبهات أخرى، كما تفعل في دول إفريقيا السمراء ومصر وتونس الجزائر والمغرب. الذي انتقل فيه التشيع من السرية إلى العلن، ومن مجرد تشيع أفراد إلى تكتلات، ومن العشوائية إلى التنظيم، في خطوات متسارعة، تطرح حولها العديد من التساؤلات المتعلقة بارتباط القائمين على المشروع الشيعي بالمغرب بالخارج؟ ومصادر التمويل؟ وطبيعة الأجندة والتحركات؟ وحجم خطرهم على هوية المغاربة؟ يعتقد الشيعة المغاربة أن اعتقال أحد رموزهم يأتني في إطار التضييق الممارس ضدهم، كيف تقرؤون اعتقال عبدو الشكراني، خاصة وأن الاعتقال يأتي بعد مجموعة من الخطوات التي أقدم عليها الشكراني "تصريحات صحفية، محاولة ثانية لتأسيس جمعية "رساليون تقدميون"، تحركات حقوقية لافتة، مراسلة العديد من الجهات الرسمية لطمأنة الدولة.."، كيف تقرأ حدث الاعتقال؟ أولا: اعتقال الناشط الشيعي عبدو الشكراني تم بأمر قضائي، للاشتباه بتورطه في قضية اختلاس أموال عمومية، أثناء عمله بوكالة بريد المغرب التي كان يديرها بتاونات، حسب بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني. وكثير من أصدقائه كانوا يعلمون بمشاكله في العمل ويتوقعون اعتقاله قبل حدوثه، وهو نفسه دون بهذا الشأن على صفحته أكثر من مرة. ثانيا: ملفه الآن بين يدي العدالة، وهو متابع بتهم تتعلق بشكاية تقدم بها ثلاثة أشخاص قاموا بإيداع مبالغ مالية في الوكالة التي كان يديرها ولهم وصولات بالإيداع، لكن المبالغ التي بلغ إجماليها ما قيمته 140 ألف درهم، وقيل 250 ألف درهم، لم يتم إدخالها في النظام (system). إذن الشكراني متابع بقضية جنحية وهو ما يحاول رفاقه (في الخط الرسالي) التغطية عليه بتحويل التهمة إلى سياسية واتهام الدولة بفبركة ملفات ضده عقابا له على نشاطه في ملف الشيعة والتشيع في المغرب كما يقولون. وهم في ذلك يريدون أن يخلقوا من اعتقاله قضية رأي لكسب ود وتعاطف الناس، وجلب الانتباه إلى قضيتهم ومشروعهم التبشيري، متظاهرين بالاضطهاد لعبا بورقة المظلومية التي هي من ضروريات التشيع عندهم. وهي حيلة -أؤكد لكم- أنها لم تنطل حتى على بعض الشيعة المغاربة من خارج الخط، حيث شكك بعضهم في بيانات عصام احميدان، ورفضوا ربطه بين اعتقال الشكراني بتهمة جنحية بملف الشيعة والتشيع في المغرب. ورفض بعضهم التضامن معه، وقالوا لا أحد فوق القانون، وينبغي محاسبته إن تبث في حقه ما قيل، حتى قال بعضهم بأن اعتقاله واجب وطني. وهو موقف جر عليهم نقمة رفاق الشكراني الذين اتهموهم بالخيانةو العمالة وأنهم يكيدون للخط الرسالي الشيعي بالمغرب، الذي لم يلملم جراحه بعد من الحملة التي شنت عليه من الجميع عقب لقاء اثنين من أعضائه بمسؤولين في السفارة الأمريكية بالرباط، الشيء الذي اعتبره كثير من المراقبين استقواء على الدولة المغربية بالخارج، وبالضبط بمن كان الشيعة المغاربة يصفونه بالشيطان الأكبر في إطار محور الممانعة والمقاومة المزعومتين. رغم التهديد الواضح الذي يبديه التيار الشيعي على هوية المغاربة خاصة على مستوى العقيدة، ومع ذلك نجد لحد الآن رد فعل المؤسسات الرسمية العلمية غائبة تقريبا عن ما يجري، لماذا هذا الصمت أمام هذه التحركات خاصة وأن التجارب تؤكد أن التيار الشيعي له ولاء خارجي وليس إلى البلد الأم، والتجارب التي أمامنا واضحة للعيان؟ إلى ماذا ترجع هذا التقصير البين؟ صراحة موقف المؤسسات العلمية الرسمية، غير مفهوم، أمام افتضاح المشروع الشيعي بالمغرب وبيان أجندته وارتباطه بالخارج، وخطره الواضح على الوحدة الدينية والمجتمعية للمغاربة، وحتى على إمارة المؤمنين التي ينطلقون من أصول تتعارض في جذورها الدينية والتاريخية والقواعد المؤسسة لها. فباستثناء تصريح قديم للسيد محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ربط فيه الحفاظ على أمن استقرار المغرب بإغلاق الباب في وجه المذاهب الوافدة الهدامة. وبعض الآراء المنفردة، لا موقف يذكر، بل هناك دعوة لعدم الخوض في الموضوع تتجلى من منع العديد من الندوات التي تبين حقيقة المشروع الصفوي الإيراني المتستر بالتشيع وتحذر منه، كالتي كان يعتزم منتدى الشروق بمدينة مراكش إقامتها بعنوان "الشيعة عقائد وأفكار" في 28 نونبر 2014. وكذا المؤتمر الوطني الأول في موضوع "آل البيت في المغرب… نصرة ومحبة"، الذي كان مزمعا تنظيمه بمدينة تطوان يومي السبت والأحد 26-27 مارس 2016. دعوة زاد من غموضها الموقف الملتبس الذي كان قد أعلن عنه السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عندما صرح بأنه ليس لديه مشكل مع التشيع غير السياسي. وهو تقصير غير مسؤول ولا مبرر، أيا كانت أسبابه ودوافعه، إذا نظرنا إليه بمنظار الموقف الرسمي للدولة المغربية التي قطعت الطريق على جميع المذاهب والأفكار الهدامة يوم اجتمعت على الثوابت الدينية المعروفة. المثير أيضا أن الحركات الإسلامية مواقفها على هذا المستوى ضعيفة، باستثناء مواقف هنا أو هناك لا تفي بالغرض المطلوب؟ كيف ترى الأمر؟ باستثناء السلفيين، وهذه نقطة تحسب لهم وقوفهم في وجه المد الشيعي حفاظا على أمن واستقرار هذا البلد، وكذا حركة التوحيد والإصلاح التي نظمت العديد من الفعاليات في التحذير من خطر المد الشيعي بالمغرب. نجد مواقف بعض الحركات الإسلامية ضعيفة جدا، إن لم نقل أن هناك شبه تواطؤ من بعضها نجم عن اغترار وموقف متحمس اتجاه الثورة في إيران. وإلا فماذا يعني صمت جماعة العدل والإحسان عن الاختراق الشيعي الكبير لصفوفها، ومعروف أن أغلب من يتزعمون ملف التشيع خرجوا من رحمها؟ ولا بيان ولا تنديد بهذا الاختراق. إن السكوت عن المد الشيعي بالمغرب خيانة عظمى، وإن مواجهته مسؤولية الجميع. كلمة أخيرة؟ إن التشيع بالمغرب قد أصبح مشروعا منظما يهدد البلاد والعباد، ولعلكم سمعتم بالتقرير الاستخباراتي الأخير الذي يفيد بسهر ضباط إيرانيين على تدريب خلايا شيعية في الجزائر ومحاولة زرعها في المغرب بغية ضرب استقراره، وكذا اللقاء السري الذي جمع متشيعين مغاربة من تيار الخط الرسالي الشيعي بالمغرب بمسؤولين في السفارة الأمريكية بالرباط. ولهذا أدعو المغاربة جميعا إلى ضرورة التصدي للتشيع، والتمسك بالعقيدة السنية، والحفاظ على الهوية المغربية الإسلامية الأصيلة، التي ساهمت بشكل كبير في حفظ أمن واستقرار المغرب. وأدعو المؤسسات الرسمية إلى القيام بواجبها في التحذير والتصدي لهذا الفكر المنحرف، وعدم ترك المجال له لينتشر، والاعتبار بما يجري في الدول التي استهانت بخطره فكان ذلك سببا في خرابها. وأطالب الدولة بسن قوانين زجرية لكل من يسب الصحابة ويطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوجيه الإعلام الرسمي وخطباء الجمعة إلى نقد التشيع وبيان بطلان معتقداته والرد عليه بالتي هي أحسن. ولا أغفل في هذا الحوار الدور الخطير الذي تلعبه جمعيات حقوقية ومنابر إعلامية في الترويج للتشيع، من حيث شعرت أو لم تشعر، فبدعوى حرية المعتقد وحق الجميع في أن يدعو إلى ما يشاء، يفتح الباب على مصراعيه أمام هذا الورم، ويسوق لدعاته على أنهم أصحاب أفكار، ولطقوسه أنها حقوق أقليات، وما شابه ذلك.. وإذا لم يقم المصلحون والمسؤولون في وجه هذا المشروع الطائفي السياسي فقد نستفيق يوما من الأيام على وقع ميليشيات مسلحة واقتتال داخلي وحرب طائفية مقيتة حفظ الله تعالى المغرب وأهله من كل سوء. * (نشر الحوار موقع "صدى نيوز").