لقد ظل الحديث عن الشيعة والتشيع في المغرب، و عدد المتشيعين، و تهديدهم للوحدة الدينية و التماسك المجتمعي، و خطرهم على الأمن القومي المغربي، في نظر الكثيرين حديثا مبالغا فيه و مضخما بشكل كبير، ممن يقزمون ظاهرة التشيع في المغرب و يعتبرونها مجرد تشيع أفراد، لا تبشيرا منظما برعاية خارجية. و هو طرح أبدت الأيام مجانبته للصواب، و أكدت الوقائع انخداع أصحابه بالتقية و المراوغة التي غطى بها المتشيعون المغاربة على أجندتهم الخفية و تغلغلهم الناعم، زمنا طويلا. تقية لم تنفع مع العلماء الباحثين، و الأساتذة المهتمين، ممن خبروا المشروع الصفوي الفارسي و الأطماع التوسعية الإيرانية، و انتبهوا إلى ما يحاك ضد بلدنا المغرب، من مؤامرات طائفية تخريبية. فراحوا يبينون و يحذرون، و يطالبون بموقف حازم اتجاه التغلغل الشيعي بالمغرب. فما حجم هذا التغلغل؟ و ما مظاهره؟ الكتلة الشيعية بالمغرب: يمثل الكتلة الشيعية بالمغرب بصورة علنية، تياران شيعيان هما: «التيار الشيرازي» المتطرف، و«التيار الرسالي» الذي يصفه البعض تجاوزا ب (المعتدل). و قد تفرعت منهما عدة تنظيمات، في خطة محكمة لتبادل الأدوار، و تشتيت الانتباه إليهم و إلى تغلغلهم. التيار الشيرازي: نسبة إلى المرجع الشيعي محمد الشيرازي، أشهر المرجعيات الشيعية غلوا و تطرفا، و منه أخذ تسميته ب”هيئة الإمام محمد الشيرازي” سنة 2012 بعدما كان اسمه”هيئة شيعة طنجة”، نسبة إلى المدينة التي يتمركز بها أغلب أتباعه. المرجعية التي تحاول الرجوع بالتشيع إلى أصوله السبئية، من القول بفرض إمامة علي عليه السلام، و تأليهه، و الغلو في الأئمة من بعده، و الرجعة، و الطعن في الصحابة، و اتهام أمهات المؤمنين، و تكفير المخالفين، إلى غير ذلك مما هو من ضروريات التشيع عندهم. والذي يغلب عليه طابع الطقوسية، حيث يقدسون طقوسهم و احتفالاتهم، إلى درجة تكفير من يتحدث عنها بسوء، كالتطبير في مواكب العزاء و المجالس الحسينية التي تستغل في الاستقطاب العاطفي و التعبئة المذهبية، عن طريق الاحتكاك المباشر بعامة الناس. و هذه المرجعية رغم معارضتها الشديدة لنظام ولاية الفقيه، إلى أنها لعبت دورا كبيرا في العديد من الثورات و حركات التغيير السياسي في بعض البلدان خدمة للمشروع التبشيري الإيراني، لقابلية استعمالها و تركيزها على نشر التشيع في البلدان السنية المستهدفة. يتمركز أتباع التيار الشيرازي بشكل مكثف في مدن طنجة، مكناس، القنيطرة، الدار البيضاء و العيون… و يتجاوز عددهم الألف (1000) متشيع، حسب بعض التقارير، يؤدون شعائرهم الشيعية و احتفالاتهم البرائية في مجموعات صغيرة في البيوت، يشتهرون بسلاطة لسانهم سبا و لعنا، و تفسيقا و تكفيرا لكل من خالفهم حتى من المرجعيات الشيعية الأخرى كالخميني وبهجت، والخامنئي، فضلا عن المخالفين من السنة الذين يعتقدون كفرهم و استباحة دمائهم، بدعوى أنهم نواصب و أعداء لأهل البيت حسب زعمهم. يعيشون حالة من التقوقع، و التوجس في علاقتهم مع المتشيعين المغاربة المخالفين لهم في التوجه و المرجعية، يدخلون كثيرا في نقاشات حادة لإثبات أحقية ما هم عليه و بطلان ما عليه غيرهم، يشهرون تشيعهم، و لا يتحرجون من وصفهم بالرافضة بل يفتخرون بذلك، و يعلنون جميع عقائدهم من دون تقية بخلاف غيرهم ممن يعتقد بوجوبها زمن الغيبة، حتى مرحلة القوة و التمكين، و يتستر بشعارات الانفتاح و الاعتدال. التيار الرسالي: يتخذ أتباع هذا التيار اللبناني محمد حسين فضل الله مرجعيتهم الدينية، و هو الذي اشتهر بالاعتدال و التعقل في بعض الأبحاث العقائدية و الآراء الفكرية، وانقلب على الموروث الخرافي الشيعي في بعض المسائل، حيث يترضى فضل الله على جميع الصحابة و يحرم سبهم، مما جر عليه غضب الغلاة حتى وجد من يصفه بالمنحرف، و ينكر خرافة كسر ضلع الزهراء رضي الله عنها، و هو من القائلين بولاية الفقيه مع التحفظ على بعض مبادئها في نسختها الإيرانية. يشكل الرساليون الوزن الأكبر في الكتلة الشيعية بالمغرب، حيث أصبح تعدادهم بضعة آلاف، يتوزعون في أغلب المدن المغربية، ماضون في التكاثر و التوسع الجغرافي، وصولا إلى مدن الصحراء المغربية التي تشهد في الآونة الأخيرة حركة تشييع مهمة، بكل من الداخلة و العيون. يعتقدون بالتقية، و يرفعون شعار الاعتدال و الانفتاح، مما سهل لهم التغلغل في المجتمع المغربي، منفتحون على جميع المجالات الحياتية في المغرب، مندسون في الزوايا الصوفية، و في كثير من الأحزاب السياسية، و الحركات الإسلامية. يقيمون مجالسهم الحسينية في البيوت، في مجموعات صغيرة لا تتجاوز العشرة أشخاص، لهم حسينيات صغيرة في بعض المدن كطنجة، وزان، الدار البيضاء، أكادير، و العيون. لهم قابلية كبيرة للاستعمال و التوظيف لانتقالهم بالتشيع من منظوره الديني و الفقهي إلى التطبيق السياسي خدمة لأجندة خارجية، حيث يتمتع أغلب قياداتهم بالعلاقات القوية والسفريات الكثيرة لدول كإيران، العراق، سوريا، لبنان، و بلجيكا. هذا حال ما يطفو على السطح بخصوص الكتلة الشيعية بالمغرب، خليط غير متجانس من تنظيمات متنافرة، تختلف في المرجعيات و الولاءات و الارتباطات بالخارج، و تتفق في الهدف الأسمى ألا و هو نشر التشيع و التبشير به تحقيقا للتغلغل الناعم و الاختراق السلس، على أمل و حلم إقامة دولة شيعية بالمغرب. مجالات و مظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب: تتعدد مجالات و مظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب، و تتفاوت خطورتها و حساسيتها و تأثيرها في المشروع الشيعي بالمغرب، و لهذا سأركز في هذه المحاولة على المجالات التالية: المجال السياسي: لقد شكل التعاطف السياسي الكبير لبعض المغاربة مع إيران بعد الثورة الخمينية، و حزب الله بعد حرب يوليوز2006، دعامة قوية للمتشيعين المغاربة في عملية اختراق الحقل السياسي المغربي. ليجدوا الطريق ممهدة أمامهم، و ينفذوا اختراقا مهما لبعض الأحزاب السياسية، كالحزب الاشتراكي الموحد، و النهج الديمقراطي، حزب الاستقلال، و الاتحاد الاشتراكي و غيرهم، كما صرح بذلك عصام احميدان في حوار له مع موقع بديل سنة 2015. و مع تطور استراتيجية الاختراق و الإرادة الإيرانية للتحول من مجرد اندساس أشخاص فقط في هذه الأحزاب إلى الاستقلالية و الفاعلية و التأثير، انتقلوا إلى التمهيد لمرحلة جديدة، بدأت عندما هدد الرساليون بتأسيس حزب سياسي مستقل، و كذا بعد ظهور المتشيع إدريس هاني في مؤتمر حزب النخلة، الحركة الديمقراطية الاجتماعية، و حزب النهضة و الفضيلة أيضا، في محاولة جادة لإيصال صوتهم إلى البرلمان المغربي. هذا، و قد استفاد المتشيعون المغاربة من الدعم و الغطاء السياسي الذي شكلته السفارة الإيرانية و بعثتها الدبلوماسية بالمغرب سابقا، و كذا النشاط الكبير الذي تقوم به السفارة العراقيةبالرباط، عن طريق تسهيل إجراءات الزيارات بمنح فيزا لزيارة الأربعين بأثمنة جد مناسبة، و مشاركة القنصل القائم بأعمال السفارة في بعض الاحتفالات و المهرجانات الصوفية، إضافة إلى بعض الأنشطة الثقافية التي تحييها السفارة بوزارة الثقافة بالرباط، و يدعى إليها كثير من المتشيعين. مجال الثقافة و الإعلام: لقد أخذ الإعلام حيزا كبيرا في المشروع التبشيري الإيراني، حيث جعله ملالي الشيعة أول المرتكزات في تصدير الثورة، و تثبيت النفوذ الشيعي بالبلدان السنية، فقد اعتبر المرشد العام للدولة الإيرانية أن القوة التدميرية لوسائل الإعلام في هذا العصر تعادل القنبلة الذرية. و عملا بهذه الوصية، و اتباعا لبنودها، أولى المتشيعون المغاربة الإعلام أهمية قصوى في الترويج لعقائدهم الدينية، و آرائهم السياسية. فاتجه بعضهم إلى الفضائيات، حيث يتصلون بالقنوات الشيعية الراعية لهم، كقناة أهل البيت و فدك التي يشتغل في خدمتها الإخبارية متشيعان مغربيان من مدينة مكناس، و يدعون أنهم متشيعون جدد(مستبصرون)، يستغلونها في الترويج لخطاب الكراهية الدينية و الطائفية، وإذكاء نار الفتنة بين المسلمين. و اتجه آخرون إلى الشبكة العنكبوتية، فأنشأوا المواقع، كموقع “هيئة الإمام محمد الشيرازي”، و “شبكة زاوية بريس”، و موقع” الخط الرسالي” و “المواطن الرسالي”، و أحدثوا العديد من المنتديات كمنتدى” العترة الطاهرة” و “غرفة الغدير المباركة” و”واحة شيعة المغرب العربي والتمهيد المهدوي”. بالإضافة إلى آلاف الحسابات الفايسبوكية و المجموعات المغلقة و الصفحات المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي، و كذا المنصات الثقافية للتعريف بالتشيع و الدعوة إليه. و عملوا على استقطاب كتاب في بعض المواقع الإخبارية المعروفة ك (م-أ) في هسبريس، و (ح-ب) في زاوية بريس، و إعلاميين في هيئات تحرير بعض الجرائد الورقية، كالنهار المغربية مثلا. و قد استفاد كثير من هؤلاء الكتاب من سفريات إلى العراق بتسهيلات من السفارة العراقيةبالرباط، بقصد المشاركة في مؤتمرات شيعية، كمؤتمر الغدير الدولي للإعلام، و تبادل الخبرات و التجارب، في مجال الإعلام الشيعي الرامي لتمرير التشيع في قوالب مختلفة. و قد أصدروا جرائد شيعية مستقلة ك”صوت المواطن”، و قبلها”رؤى معاصرة”. و أحدثوا دور نشر خاصة بهم، كدار الوطن للصحافة والطباعة والنشر، التي يديرها المتشيع المغربي(ع-ن-ش)، و التي تنشر كل الكتب التي ترفضها باقي المطابع بدعوى مخالفتها للثقافة و المقدسات المغربية. و أسسوا المكتبات الشيعية في مكناس و الدار البيضاء، التي استفادت كثيرا من المعرض الدولي للكتاب و النشر. ينضاف إلى ذلك الاهتمام بالبعثات الطلابية، حيث يتم انتقاء بعض الطلبة و إرسالهم إلى الدارسة في الحوزات الشيعية على أمل العودة إلى المغرب و قيادة قطار التشيع، و هو ما أنتج فعلا معممين مغاربة من درجات علمية متفاوتة منها حجة الله، عالم، و معمم حوزوي، بكل من طنجة، سلا، الرباط، البيضاء ومراكش، و كذا أساتذة و مدرسين تغلغلوا في المنظومة التربوية في العديد من المواد حتى الشرعية منها. تغلغل ثقافي و إعلامي منح المتشيعين المغاربة جرعة زائدة من الحماس، الشيء الذي دفعهم هذه السنة للتهديد بإقامة مراسم العزاء والاحتفالات الشيعية علانية، رغم استهجانها و غرابتها على عادات و تقاليد المجتمع المغربي. العمل الجمعوي و الحقوقي: بعدما حقق المتشيعون المغاربة اختراقات كبيرة في صفوف العديد من جمعيات المجتمع المدني، اصطدموا بيقظة السلطات، و اختصاصات تلك الجمعيات التي لا تقبل بأنشطتهم الشيعية الطائفية خلال احتكاكهم بالفئات المستهدفة. ليفكروا في تأسيس جمعيات شيعية مستقلة، ك”جمعية الغدير” بمكناس، و “أنوار المودة” بطنجة، و “رساليون تقدميون” بتطوان. و قد حققوا أيضا اختراقا مهما للعديد من الهيئات الحقوقية، كالرابطة المغربية للمواطنة و حقوق الإنسان، و جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، التي عقدوا بفرعها بمدينة تطوان الجمع التأسيسي لجمعية رساليون تقدميون الشيعية، و دعموا ذلك بمرصد مستقل تحت اسم”المرصد الرسالي لحقوق الإنسان” بقيادة عبد الرحمان الشكراني. ليتمكنوا بفضل هذا التغلغل في المجال الحقوقي من عقد لقاء سري مع قياديين بالسفارة الأمريكيةبالرباط سنة 2016، و أصبحوا يهددون برفع قضيتهم إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف. بعدما استقطبوا العديد من المحامين الذين تشيعوا، ك (م-ق) طنجة، (م-ش) وزان، و (م-ع) و (م-و) من طنجة. هذه بعض مظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب، تجتمع لترسم صورة عن ظاهرة دخيلة، بدأت توطن نفسها داخل النسيج المجتمعي المغربي، الذي ظل محافظا على ثوابته الدينية و الوطنية، التي شكلت دعامة قوية في حفظ أمنه و استقراره. *باحث في الشؤون الإسلامية