يستعد الباحث المغربي المختص في ملف التشيع إبراهيم الصغير لإصدار بحث أكاديمي يُعني بمسألة الشيعة في عموم تراب المغرب، وهو البحث الذي حصلت جريدة “العمق” على أجزاء منه، وخاصة المتعلق برصد جغرافية التواجد الشيعي بالمغرب. وأبرز الصغير ضمن بحثه، أن التشيع في المغرب أضحى ظاهرة، وأصبح عدد المتشيعين بالآلاف، مسجلا أن انتشارهم وصل إلى عموم ربوع المملكة المغربية، غير أن مكانة التقية في الفكر الشيعي هو الذي جعل البحث عن أماكن تواجدهم مستعصيا. حجم الكتلة الشيعية بالمغرب أكد الباحث الصغير أنه “ليس من السهل الوصول إلى العدد الحقيقي للمتشيعين المغاربة، في ظل تكتم العديد منهم عن إعلان تشيعهم وانتهاجهم التقية في تحركاتهم، لهذا تبقى كل الأعداد التي تحجم الكتلة الشيعية بالمغرب مجرد أرقام تقريبية فقط”. وأشار الباحث إلى أن الأرقام المتداولة بشأن عدد الشيعة في المغرب متضاربة، وذلك بين من يعتبر أن القضية لا تعدو كونها تشيع أفراد لا أكثر، وبين مهول مبالغ في الأرقام، حيث تحدث بعض الباحثين عن 600 ألف متشيع مغربي. وشدد الصغير على أن الرقم الأقرب إلى الحقيقة، في ظل غياب أي إحصاء رسمي، هو ما جاء في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية سنة 2012 بشأن الحريات الدينية في المغرب والتي حددت عددهم في (8000) متشيع، والتقرير الذي صدر سنة 2015 عن الجهة ذاتها والذي حدد العدد في 10 آلاف. وأكد أن الكتلة الشيعية بالمغرب تتراوح بين (8000) و(10000) متشيع ومتشيعة مستقرين، من دون المتشيعين الأجانب المقيمين في المغرب الذين يقاربون (2000) متشيع، وكذا المتشيعين المغاربة في الخارج، إذ أنه في بلجيكا وحدها هناك ما يقارب 25 ألف متشيع حسب بعض التقارير الإعلامية. جغرافية التواجد الشيعي بالمغرب أشار الباحث إلى أن “التشيع كان في بدايته مرتكزا في مدن قليلة كمكناسوفاسوطنجةوالبيضاء، غير أنه مع مرور الوقت وازدياد أعداد المستقطبين من المتشيعين الجدد (المستبصرين)، اتسعت رقعة التواجد الشيعي لتشمل العديد من المدن المغربية، وفق استراتيجية محكمة للتغلغل والاختراق، ضمن مشروع بعيد المدى يهدف إلى إقامة دولة شيعية بالمغرب”. وأكد الصغير أن منطقة الشمال والشمال الشرقي تضم أكبر عدد من المتشيعين في المغرب، وتشهد مدنها تواجدا ملحوظا للمتشيعين، الذين أصبحوا أكثر جرأة في الإفصاح عن تشيعهم، بعد سنوات من العمل السري والتجمعات الحسينية في البيوت، وتجمع خليطا من أتباع التيار الشيرازي والرسالي. وأوضح أن مدينة طنجة تتصدر المشهد الشيعي بهذه المنطقة، بكتلة شيعية تتجاوز الألف متشيع، متبوعة بكل من تطوان والفنيدق والحسيمة ووجدة والعرائش ووزان والقصر الكبير وسبتة وشفشاون، مشيرة أن هؤلاء الشيعة يشتغلون في البيوت ولهم حسينيات صغيرة في كل من طنجة ووزان. وأضاف أن الشيعة يتواجدون أيضا بمنطقة فاسمكناس، حيث تعتبر هذه المنطقة النواة الأولى لانطلاق المشروع التبشيري الشيعي بالمغرب، وتحديدا مدينة مكناس، مؤكدا أن منطقة فاسمكناس تضم عددا مهما من المتشيعين ويتوزعون على مدن مكناسوفاس ووزان وتاونات، معتبرا أن هذه المناطق هي المؤثرة بشكل كبير في المشروع الشيعي ببلادنا. ورصد الباحث أيضا تواجد الشيعة بمنطقة وسط المغرب، مشيرا إلى أن هذه المنطقة تقارب منطقة الشمال من حيث العدد، لكونها تضم مدنا كبرى، وتعرف جل مدنها نشاطات شيعية لا يستهان بها، مبرزا أنه “من الأعلى نجد الرباط وسلا بكتلة شيعية مهمة ونشاطات علمية وثقافية تؤثر في باقي المناطق، حيث تعتبر هذه المنطقة مركز إشعاع ثقافي وعلمي بالنسبة لجميع المتشيعين. وأضاف أنه “إلى الأسفل، توجد مدينة الدارالبيضاء التي تنافس مدينة طنجة في التعداد الشيعي، والأنشطة الحسينية، حيث يتجاوز عدد الشيعة في بعض أحيائها الأربعين (40) متشيعا ومتشيعة، يؤدون شعائرهم بشكل عادي في مجموعات صغيرة في بعض البيوت المعدة كحسينيات صغيرة لذلك. وبعدها الجديدة، آسفي والصويرة…”. وسجل صاحب البحث وجود الشيعة أيضا في منطقة الجنوب؛ انطلاقا من مراكش وأكادير وزاكورة والراشيدية وورزازات وطاطا وتنغير، وغيرها من المدن التي انتقل إليها التشيع عن طريق اليد العاملة التي انتقلت للاشتغال في مدن الشمال، مؤكدا أن هذه المنطقة تشهد نشاطات شيعية أقل باستثناء مراكش وأكادير. وعلى مستوى منطقة الصحراء المغربية، فقد أكد الباحث أنها على غرار باقي المناطق بدأت تشهد حركة تشييع مهمة، تحديدا بمدن العيون والداخلة، مبرزا أن المتشيعين في هذه المنطقة يكتسبون جرأة كبيرة في الإفصاح عن معتقداتهم وقد خرجوا في احتفالات علنية على غرار حفل التأبين الذي أقاموه على إعدام المعمم الشيعي نمر باقر النمر سنة 2016.