نظرا لكثرة إقبال الناس على التجارة في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يكثر منهم هذا السؤال: ما معنى "لا تبع ما ليس عندك". وتقريبا للفقه السليم لهؤلاء ولعموم الناس بأسلوب مختصر ولغة ميسرة -قدر الإمكان- أقول وبالله أستعين: ◆ أصل عبارة "لا تبع ما ليس عندك" حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ". قال الحافظ ابن حجر في كتابه "بلوغ المرام من أدلة الأحكام": رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم. اه وصححه من المعاصرين الشيخ الألباني. ◆ قوله صلى الله عليه وسلم "#لَا يَحِلُّ.." أي يحرم، فهي عبارة من أشد العبارات الدالة على النهي المفيد للتحريم لتلك لمذكورات الواردة في الحديث، التي من بينها بيع ما ليس عندك. ◆ يفيد قوله صلى الله عليه وسلم "ما ليس عندك" الأشياء المباحة التي ليست عند البائع، وظاهر الحديث يشمل ثلاث صور: 1▪︎ الأشياء الموصوفة في الذمة المقدور على الحصول عليها وتوفيرها للمشتري، وهذه الصورة مستثنى من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع تلك الأشياء وإن لم تكن عند البائع في وقت الصفقة، لوجود الحديث المبيح في الصحيحين مرفوعا: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ". فالبيع جائز باتفقاء الفقهاء؛ كبيع فلاح مثلا محصوله الزراعي قبل تحصيله أو زراعته، لكنه موصوف بأوصاف مضبوطة وأجل مضبوط وثمن مضبوط كما دل عليه الحديث المبيح، وهو ما يعرف عند الفقهاء بعقد السَّلَم. – ومن أمثلته لزيادة تقريب الصورة، كمن يشتغل في تربية الدواجن، فيقوم ببيع الدجاج بأوصاف مضبوطة من حيث النوع والوزن، بثمن محدد يأخذه مسبقا، إلى أجل متفق عليه معلوم. – أو من يبيع ملابس يعرضها على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي معلومة من حيث أوصافها الضابطة لها، والمحددة لماهيتها، ويستطيع البائع توفير تلك الملابس من المزود بيقين او غلبة ظن معقولة، فهذا النوع من البيع جائز ولا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم "ولا بيع ما ليس عندك". 2▪︎ الأشياء المباحة الموصوفة في الذمة إلا أنها غير مقدور على تحصيلها وتوفيرها للمشتري، فهذه الصورة تدخل في النهي عن بيع ما ليس عند البائع، وعليه يحمل الحديث الصحيح عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ". ومن أمثلته المعاصرة: من يعرض صورة هاتف للبيع على صفحته بأوصاف معلومة مضبوطة وثمن محدد، ويبيعه للمشتري؛ (إما يأخذ من المشتري ثمن الهاتف بأكمله أو جزء منه)، والبائع لا يدري هل يحصل على الهاتف لدى مزوده أو لا يحصل عليه، فهذا البائع وقع في الصورة المنهي عنها "لا تبع ما ليس عندك". 3▪︎ أشياء ليست موصوفة في الذمة، بل هي معينة، إلا أن البائع لا يملكها، وأصحاب تلك الأشياء المعينة قد يبيعونها وقد لا يبعونها، فيقوم ذلك البائع ببيعها للمشتري، ثم يذهب إلى أصحابها طمعا في أن يبعونها إليه. فهذه الصورة كذلك من باب أولى تدخل في النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا بيعُ ما ليس عندك". نسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يبارك التجارة لكل من قصد الحلال.