منذ تأسيس الدراسات الإسلامية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهي متفانية في خدمة الهوية المغربية، وحفظ ثوابتها ومقوماتها الوجودية الأصيلة، مع انفتاح نافع ومتميز على الثقافات والعلوم الإنسانية العالمية، فلم تكن مجرد شعبة منغلقة على تراثنا الديني فحسب، أو حتى الخصوصي المتعلق بالمغرب، وإنما كان مؤسسوها من الذكاء بمكان، حين جعلوها تنهل من المشرق تأصيلا، ومن الكسب الإنساني نفعا وانفتاحا. وهذا الذي لم يفطن إليه الوزير ميراوي، ولا الذين معه، ممن جاءت بهم رياح الثامن شتنبر المعلومة، ونحن ندلل على ما نقول في ما يلي: أولا: احتفظت شعبة الدراسات بأصالتها العلمية، فهي تدرس العلوم الشرعية، بقواعدها المنهجية والمعرفية، لبناء فكر الطالب على الأصالة، فهي تدرس علم أصول الفقه، والفقه على مذهب الإمام مالك رحمه الله، ثم ترتقي بالطالب فيدرس ما يسمى بالخلاف العالي أو الفقه المقارن، فيكسب بذلك تمكنا في المذهب وانفتاحا ومعرفة بالمذاهب، وعلم العقيدة بدءا بالعقيدة الأشعرية ثم يلي ذلك باقي المذاهب العقدية، وعلم الحديث، وعلم التفسير، فهذه العلوم تمثل أصالة الشعبة. والقصد من تدريسها هو أن يلم الطالب بقواعدها ومناهجها، ليتمكن من فهم النصوص أو الاستنباط منها، فهما سليما، واستنباطا صحيحا. فهذه هي أصالتها وثوابتها وركائزها. ثانيا: أنها شعبة منفتحة على الروافد الفكرية والعلوم الإنسانية، والقضايا المعاصرة، حيث تجعل الطالب يعيش عصره، ويتفاعل معه، وينخرط فيه، لا مكتفيا بما مضى، متنكرا لما حضر، ولا هو منغمس في الحاضر، مشيحا بوجهه على ما مضى، مستنكفا عنه. هذا الانفتاح تجلى في أن شعبة الدراسات يدرس بها مبادئ علم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ، والجغرافية، والفكر الإسلامي والإنساني المعاصر، هذا التنوع والانفتاح، يجعل من ذهن الطالب على بينة لما عند الآخرين من علوم ومعارف فينتفع بها، ويبلورها ويصقلها وفق أصالتنا وشريعتنا، دون ذوبان أو تلكأ لما عنده، وهذه هي الوسطية التي ترمي إليها الشريعة، تحتفظ بأصالتها، وتنفتح على غيرها. ثالثا: أن شعبة الدراسات الإسلامية كانت سباقة لتقرير مقاصد الشريعة الإسلامية في برامجها، منذ نشأتها، وكان مسلكا سديدا، وسبيلا رشيدا، إذ ما لبث أن انتقل إلى كافة الجامعات العالمية، وقد كان بلا جدال أستاذنا محمد بلبشير الحسني المؤسس حفظه الله حين قرر مقاصد الشريعة الإسلامية، ملهما. لأن المقاصد روح الشريعة، وروح الأعمال، وروح الانفتاح والاجتهاد. رابعا: أن شعبة الدراسات الإسلامية قامت بدور مهم جدا في محاربة التطرف والعنف والإرهاب، هي وكافة أخواتها كالقرويين، ومعاهد التعليم الأصيل والعتيق، لما لها من قدرة على بيان الشريعة، وتعليمها للأجيال بناء محكما، على قواعد متينة، وأسس سليمة، انبجست من مشكاة النبوة، واستوت وقامت على يد علماء مبرزين مشهود لهم بالرسوخ العلمي والمنهجي، فلذلك لا تجد متطرفا أو إرهابيا ينتسب إلى الدراسات الإسلامية أو القرويين أو كليات الشريعة. هذه مجرد شذرات وومضات، وإلا فتاريخ الشعبة، وعلماؤها، وما قدمت من خير لهذا البلد يحتاج منا إلى تسويد صحائف طوال، للحديث عنها. لذلك فإن تفكير وزارة ميراوي في الإجهاز على شعبة الدراسات الإسلامية، بإخراجها عن أصالتها وانفتاحها ومقاصدها، هو شيء خطير يهدد ثوابت الأمة المغربية، وقد يفتح باب التطرف، ويزيد من وتيرة الإرهاب، فبدل التفكير في تعميم المواد الإسلامية في كافة الكليات والمعاهد، لحفظ هوية المغرب، وبناء الإنسان المغربي المتشبث بدينه وقيمه ووسطيته، فإذا بوزارة ميراوي تريد أن تفرغ الشعبة من من محتواها، وتنشئ منها خلقا آخر، مشوها، مبتور الصلة بأصالته، مقطوعا عن تراثه، وهذا مكمن الداء وموطن العطب.