نعيش حاليا بوادر كارثة حقيقية وبكل المقاييس، الاقتصادية والاجتماعية والغذائية، يمكن تلمسها من خلال هدير محركات التضخم التي عادت لتشتغل من جديد، وشروع جل المواد الغذائية الأساسية (الخضر بالخصوص) في تسلق جبل توبقال للأسعار. أحد أسباب هذه الكارثة القادمة، لا قدر الله، هو الأوضاع المناخية الحالية، خاصة موجات الحرارة المتتالية مع ما يصاحبها من رياح حارقة وحاجة متزايدة للمياه المفقودة أصلا… أقول أحد الأسباب فقط، وربما أهونها، لأن السبب العميق يكمن في السياسات العمومية المتبعة في مجالي الفلاحة والمياه، والتي حولت أغلى ثروات المغاربة إلى مبالغ مالية في حسابات المحظوظين. والغريب أننا ونحن نقبل على كارثة غير مسبوقة، لا نسمع صوتا للمسؤولين ولا السياسيين ولا النقابيين ولا الجمعويين، بل سمعنا صوت كل من الجمعية المغربية للمنتجين والمصدرين للفواكه والخضر، والجمعية المغربية لملففي الخضر والفواكه، اللتان تحدثتا بصوت واحد لمطالبة وزارة الفلاحة بالتدخل السريع لإنقاذ فلاحتهم وتجارتهم من الكساد. أي أن السادة الفلاحين الكبار والتجار المتخصصين في تسويق المنتجات الزراعية، لم يجدوا أي حرج في طلب الاغذاق عليهم من أموالنا نحن دافعي الضرائب. نعم نحتاج إلى تذكير السادة الفلاحين الكبار أن ما يطلبونه هو مالنا وليس مالا سائبا. الغريب في نداء هؤلاء الفلاحين والتجار، أنهم لم يعتمدوا في رسالتهم المطلبية حجة الخطر الذي يهدد موائد المغاربة وغذاءهم اليومي، بل ارتكزوا على حجة أخرى، وهي تهديد حصصهم في الأسواق الأوربية، أي أن المشكلة التي تستدعي صرف المزيد مم المال العام ليست الأمن الغذائي للبلاد، بل أمن الأطباق الشهية لجيراننا الأوربيين، ومعها حسابات السادة الفلاحين والتجار المصدرين. هي مناسبة جديدة لنسأل السادة صناع القرار في المملكة: لماذا نستمر في صرف الأموال الطائلة، لتجهيز الضيعات وشفط المياه الجوفية وتحلية مياه البحر، لينتهي ذلك كله مأكولات في بطون الأوربيين، وأوروهات في حسابات المحظوظين؟ آه تقولون التشغيل؟ بالله عليكم عن أي تشغيل تتحدثون؟ هل تعتبرون الحياة التي تشبه الاستعباد في ضيعات المحظوظين تشغيلا؟ هل تعتبرون الفتات الذي يقدم لنساء أميات ورجال مقهورين تشغيلا؟ هل توفر هذه الفلاحة فرص شغل فعلا أم تبقي آلاف المغاربة على هامش العصر والتاريخ والحضارة، حتى إذا جاء استحقاق انتخابي تم شحنهم في عربات نقل الأبقار نحو مكاتب التصويت لدعم هذا المرشح المرضي عنه أو ذاك؟ إن الطبيعة تعاملنا، رغم ما تبدو عليه من قسوة، بمنتهى الحنو والرفق، حين تقدم لنا دروسا تشرح لنا مكامن الخلل وأسباب العطب، كي نتعظ ونستدرك، بمراجعة الاختيارات والسياسات، لا الترقيع والمداراة. كبش كبش يلا باقيش!