ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاوى للعلماء المرابط الترغي والطاهر ابن عاشور وابراهيم النيفر في حكم الحشيش
نشر في هوية بريس يوم 17 - 08 - 2023

– الدكتور الحسن الباز (أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية جامعة ابن زهر أكادير)
صادفت قبل أيام في الفضاء السيبراني بعض الفضلاء يبدون آراءهم في الفتوى التي أفتى بها عالم فاضل في برنامج الفتاوى بقناة محمد السادس للقرآن الكريم حول إباحة زراعة الحشيش (القنب الهندي)، وأن ثمنه حلال، وكراء الأرض من أجل ذلك حلال أيضا، وإن كان هناك ضرر فإن ولي الأمر هو من له الحق في تقييد المباح.
وإسهاما في الحوار العلمي الجاد حول هذه المسألة، وحتى لا تبقى فتاوى العلماء السابقين دفينة كما دفنت جثامين أصحابها عليهم سحائب الرحمة والغفران، فإني اخترت مجموعة من فناوى العلماء بشأن الحشيش، بعد الاستهلال بما يلزم من التقدير والاحترام للعالم الفاضل الذي صدرت عنه هذه الفتوى وفتاوى أخرى عرف عنه من خلالها الحرص على التيسير على الناس، وعدم إيقاعهم في الحرج والأوهام عند التزامهم بالأحكام الشرعية، وهو مقصد نبيل يتفق مع سماحة الملة الحنيفية ويسر الشريعة الفطرية المحمدية. فضلا عن استحضار علم الرجل ومساره الفعال في الشأن الديني خلال عدة عقود من الزمن في عضوية المجلس العلمي ورئاسته وانتهاء بعضوية المجلس العلمي الأعلى حاليا. وهو من تلاميذ العلامة المرحوم محمد الكنوني المذكوري، المعروف بغيرته الوطنية، وفتاواه المطبوعة والمبثوتة في أعداد صحيفة الميثاق التي كانت تصدرها رابطة علماء المغرب. وكون الأستاذ صاحب الفتوى أيضا خريج مؤسسة عتيدة أسست لتخريج العلماء المعتزين بالأمجاد الدينية والعلمية لهذا البلد والواعين بالسياقات المحلية والوطنية والدولية، حيث كان ضمن فوجنا بدار الحديث الحسنية قبل أربعة عقود من الزمن ( 1982-1984 ).
والفتاوى الثلاثة التي أبثها هنا كلها لأئمة وفقهاء مالكية عملوا ضمن مؤسسة الفتوى في المنظومة الفقهية المالكية كما يتجلى في التعريف الموجز بهم، وأقوال العلماء في المكانة العلمية لفتاواهم، نتيجة ممارستهم لهذه الخطة وخبرتهم العملية في معاناة النوازل والأحكام، والتواصل مع المستفتين في إطار الوعي بالسياقات المستجدة والتأصيل في الاستنباط والاستدلال، واستحضار الحكم والمقاصد، ومراعاة المآل، والنصح والتوجيه في التنزيل والتفعيل.
أعلام الفتاوى
1-العلامة محمد المرابط الترغي مفتي رابطة علماء المغرب ( 1916-1999 ) :
وقد شملت فتاواه المستجدات التي أصبح الشأن المغربي الخاص والعام يعرفها بعد الاستقلال، مثل بيع المفتاح وزكاة الأموال المودعة في البنوك، وحلق اللحية، والتصوير واقتناء الكلاب، ومال المتاجر في الخمر، والعمل في البنوك، والتجارة في الدخان، والتجريح بتعاطي المخدرات، وهجرة العمال إلى غير البلاد الاسلامية، واختلاط الجنسين في المسابح، واستغلال جسم المرأة في الدعاية الإعلامية.
والفقيه سيدي محمد الترغي من مواليد ترغة على الشاطئ المتوسطي بشمال المغرب، إحدى المصطافات التي كان يؤمها الباحثون عن المتعة والراحة في مناطق ريفية هادئة، قبل أن تصبح الآن إحدى الشواطئ الأكثر ازدحاما في شمال المغرب. والبلدة كما هو معلوم من قبائل غمارة التي ينتسب إليها كثير من علماء الريف مثل ابن عرضون مؤلف مقنع المحتاج في آداب الأزواج، والزياتي صاحب الجواهر المختارة في ما وقع من النوازل بجبال غمارة، والأسرة الصديقية ذائعة الصيت في المغرب والمشرق.
وفي بوادي غمارة أخذ الترغي بعض العلوم قبل أن يرحل إلى تطوان في العشرين من عمره ليأخذ عن علماء أعلام، مثل: محمد بن عبد الصمد التجكاني، ومحمد أقلعي، والعربي اللوه، والمؤرخ محمد داود، وأحمد الرهوني، والتهامي الوزاني، والطيب بنونة، وآخرين.
وبالرجوع إلى تراجم هؤلاء في مصادرها مثل إسعاف الإخوان للسلمي، ومعلمة المغرب، ومعجم المفسرين بتطوان للدكتور قطب الريسوني، تعرف مكانة الرجل وعلو إسناده العلمي ( الذي حفظه في فهرسته المطبوعة مؤخرا، وقد سار ابنه المرحوم الدكتور عبد الله الترغي مسار الوفاء لهذا المسلك في التوثيق لسلاسل الإسناد التي تصل علماء المغرب بمشكاة النبوة ومورد معارف الوحي في رسالته الجامعية عن كتب الفهارس عند علماء المغرب منذ النشاة حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري. قبل أن تطلع عليا هرطقات وتجذيفات مؤخرا في التجرئ على مؤسسة العلماء بهذا البلد. )، وتكوينه الشرعي المتين، مما أهله لأن يجول في عدة مناصب وخطط، حيث كان مدرسا بالمعهد الديني، وكاتبا بالصدارة العظمى بتطوان، ورئيس قسم الشؤون العامة، ثم قسم القلم الإداري، ثم عين مستشارا شرعيا بوزارة العدلية بتطوان، واشتغل بالعدالة من الدرجة الأولى، ومارس الخطابة والوعظ في أكثر من مسجد، ومنها الجامع الكبير. وبعد الاستقلال مارس القضاء في كل من تطوان وطنجة، فضلا عن خطة الفتوى التي اشتهر بها.
وحج إحدى عشرة مرة، كان في بعضها مؤطرا رسميا للحجاج، وأرخ لثلاثة منها.( انظر إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين لابن الحاج السلمي، ط 1، مطبعة النجاح الجديدة، 1992، ص 239-249).
وقد اتسمت فتاواه بحضور التكامل المعرفي في شخصيته العلمية، والحرص على حسن التأصيل الشرعي، والاستدلال الأصولي، والتكييف الفقهي. فضلا عن اتخاذ منهجه طابعا إصلاحيا لتوجيه الفرد والمجتمع مع ما يوافق الشريعة الإسلامية.
وممن درس فتاواه الدكتور محمد أوبلال في رسالته للدكتوراه عن الفتاوى المغربية المعاصرة في المعاملات المالية، ومقال له عن المؤلف في العدد 84 من مجلة الفرقان سنة 2019 ص 92-97.
2-محمد الطاهر ابن عاشور شيخ الإسلام المالكي (1870- 1973 ):
من علماء الزيتونة، تتلمذ على شيوخها من طبقة الشيخ سالم بوحاجب وغيره من الطبقة التي أخذت عن شيوخ جيل النهضة مثل ابراهيم الرياحي. وابن عاشور أول من تقلد منصب شيخ الإسلام المالكي، مارس عدة وظائف شرعية وقضائية، وخلف مؤلفات تدل على إمامته في التفسير والحديث والفتوى والسياسة الشرعية ومقاصد الشريعة واللغة والأدب ونقد التراث وإصلاح مناهج التعليم والتأليف، مما جعل كل من ترجم له يحليه بألقاب التقدم والإمامة من غزارة العلم وقوة النظر وسعة الاطلاع وصفاء الذوق.
وذكر الشيخ محمد الحبيب بلخوجة محقق كتابه في مقاصد الشريعة من خصائص فتاواه: عمق التحليل للأسئلة الواردة عليه، والإجابة عما يرتبط بها من مسائل من غير مواربة، ولكن مع قوة في النظر، وقدرة على التمحيص بارزين." ( مقاصد الشريعة الاسلامية، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف، قطر، 2004، ج1، ص 429. )
و من الخصائص التي ذكرها محقق فتاواه الدكتور محمد بوزغيبة:
-إبراز الدليل الصحيح من المنقول والمعقول- تعقيبه برأي إمام المذهب وتلامذته وكبار فقهاء المذهب – الالتزام بمذهب إمامه – الخروج عن المذهب جريا على ما تقتضيه المقاصد والمصالح المرسلة.
-التضلع في علوم اللغة والأدب والاطلاع على العلوم الكونية. ( فتاوى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، دراسة وتحقيق الدكتور محمد بوزغيبة، الطبعة 2، الدار المتوسطية، أريانة، تونس، ص 16-17. )
3-ابراهيم النيفر ( ت 1967 ): من شيوخ الزيتونة، جمع بين التدريس والإفتاء المالكي، نشرت فتاواه في الدوريات التونسية، مثل المجلة الزيتونية والزهرة والصباح والاستقلال والأسبوع. (انظر: التوزري العباسي، الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري، ط1، دار سحنون، تونس، 2009، ج1، ص 128.)
الفتاوى
1-الفتوى الأولى: هي جواب من العلامة محمد المرابط الترغي على سؤال ورد على الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب من طالب علم لم يجد ما يشنري به الكتب فلما طالب أسرته بحاجته اعتذرت بالفاقة، ونصحته بزراعة الكيف. وورد السؤال والجواب في صحيفة الميثاق لرابطة علماء المغرب، العدد 353، السنة 17، فاتح رجب 1401هن 6 ماي 1981.
واستهل فضيلة المفتي جوابه بنقول عن المصادر المالكية تتعلق بحكم الدخان، ومنها ما صرح به الفقهاء في باب الشركة: "إن الأدخنة والروائح الكريهة مضرة بالأمعاء والأكباد، ومن أحدثها يمنع من إحداثها." وما أفحم به العلامة ابن زكري علماء مصر لما تحاجج معهم في حكم الدخان. وعقب الترغي على ذلك بقوله: "وهذا في دخان التبغ فكيف بدخان الكيف الذي هو أسوأ، ومضرته أفضع."
ومن شواهده: استدلال زين الدين العراقي- في مجلس أقيم بالقاهرة للجواب على رجل من العجم طلب دليلا على تحريم الحشيشة- بحديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" ( سنن أبي داود، باب النهي عن المسكر، تحقيق شعيب الأرناؤوط، محمد كامل قره بللي، ط 1، دار الرسالة العالمية، 2009، ج5 ص 529، ومسند أحمد، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، ط 1، مؤسسة الرسالة، 2001، ج44، ص 246. ) فأعجب الحاضرين. وذكر صحة الحديث، واحتجاج ابن حجر به على حرمة المفتر، ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا، في باب الخمر من العسل في فتح الباري، واحتج به كذلك القسطلاني في المواهب. ونقل عنه قوله: "قد جمع بعضهم فيها – أي الحشيشة- مائة وعشرين مضرة دينية وبدنية، ( ورد ذلك في الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، ط1، دار الفكر، 1987، ج 1 ص 358-359.) وذكر منها خمسا وخمسين مضرة. ومعظمها مما يظهر في أحوال متعاطيها. " حتى قال بعضهم: كل ما في الخمر من المذمومات موجود في الحشيشة وزيادة، فإن أكثر ضرر الخمر في الدين لا في البدن، وضررها فيهما."
قال الترغي: " واتفق العلماء والحكماء أنها-الحشيشة-خبيثة ضارة في الجسد والعقل، صادة عن ذكرالله وعن الصلاة، وما كان هذا فعله فهو حرام بإجماع أهل الإسلام، لأن ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام." ونقل بعد ذلك التحريم بلا خلاف عن ابن جماعة. " وقال بعض العلماء: من أباح أكلها فهو زنديق."
وعلل عدم ذكر الأئمة الأربعة لها، لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت أواسط المائة السادسة كما نقل عن ابن تيمية.
ونقل عن صاحب الزواجر: " واعلم أن الحشيشة المعروفة حرام، كالخمر يحد آكلها، أي على قول قال به جماعة من العلماء. قال الحافظ الذهبي: وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج إفسادا عجيبا حتى يصير في متعاطيها تخنث قبيح – أي أبنة ونحوها- ( الأبنة العيب، املعجم الوسيط1/3. والرمي بالقبيح والقذف بالسوء، لسان العرب 13/3 ) ودياثة عجيبة، وغير ذلك من المفاسد، فلا يصير له شيء من المروءة البتة، ويشاهد من أحواله خنوثة الطبع وفساده، وانقلابه إلى أشر من طبع النساء، ومن الدياثة على زوجته وأهله، فضلا عن الأجانب ما يقضي العاقل منه بالعجب العجاب." ( ابن حجر الهيثمي، الزواجر عن اقتراف الكبائر، 3/136).
ومن يتأمل في هذا التصوير يدرك دقة نظر الفقهاء في وصف الوقائع وفقه الواقع، مستحضرا في الوقت نفسه مظاهر ضحايا الإدمان كما نصادفها في بعض الأماكن الخاصة والعامة خاصة القريبة من مناطق زراعتها وتسويقها.
وعاد ليذكر بعض مضار الدخان فهو" فتاك بالرئتين، ملقح للسل، مؤثر على الأعصاب، مجهد للكبد، مميت للشهية، قتال للغدد، مضر بالنظر، مكثر للسكر في الدماء، زيادة عن نتن رائحته."
ولخص الترغي رحمه الله في الأخير الحكم في جوابه للطالب السائل موجها له وناصحا بالصبر والطاعة، وبعد العسر والضيق يأتي اليسر والفتح قائلا: " وعليه، فكما لا يجوز تعاطي الكيف لا يجوز زرعه، ولا يجوز طلب العلم بالمعصية، والصبر أيها الأخ على مشقة الطلب، فإن أهل العلم أو أكثرهم كانوا فقراء، ثم فتح الله عليهم. ولولا أبناء الفقراء لضاع العلم، ولا تكلف والديك ارتكاب الحرام، فتأثم ويأثمون معك. والخير كله في طاعة الله وانتظار الفرج عبادة، " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا." ( سورة الشرح، الآيتان 5- 6 ) صدق الله العظيم."
الميثاق رابطة علماء المغرب، العدد 353،س 17، فاتح رجب 1401ه، 6 ماي 1981،ص 2.
2-الفنوى الثانية: للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ورد فيها على سؤال أحد المستفتين مبلغا طلبا واردا عليه من أحد أعيان صفاقس يطلب فيه بيان حكم الله في بيع حشيشة الدخان.
وأجاب الشيخ ابن عاشور على السؤال في شقين: الشق الأول؛ أجاز فيه الدخان المسمى بالتبغ أو التنباك، لأنه لا يؤثر في العقل، فلا يمنع تناوله ولا بيعه ولا تجارته ولا غرسه.
ولكن الدكتور محمد التوزري الذي أورد الفتوى ضمن كتاب ( الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري 2/981 )، علق على الفتوى بأن " رأي الشيخ كان قبل اكتشاف الأطباء لمخاطر التبغ وضرره المحقق على جسم الانسان. ولذلك فإن من أفتى بتحريم تناوله بناء على هذا الاعتبار، وعلى اعتبار الجهة المالية، حيث إن شراءه من باب إنفاق المال في وجه غير مشروع." وأحال على ( فتاوى الشيخ محمود شلتوت، ص 383-385 ).
والشق الثاني من فتوى ابن عاشور، يقول فيه: " وأما الحشيشة المسماة بالتكروري فالتدخين بها في الفم حرام، وكذلك تناوله بالأكل؛ لأن ذلك يخدر العقل ويفسده. والمخدرات والمفسدات جميعها حرام عل ما صرح به الشهاب القرافي في الفرق الأربعين ( من كتاب الفروق ). وعليه فبيعها حرام، لأنها لا تقصد إلا التخدير." ( فتاوى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، دراسة وتحقيق الدكتور محمد بوزغيبة، ط 2، 2015، الدار المتوسطة، أريانة، تونس، ص 297 ).
وذكر علة التخدير من شأنه أن يثير الحوار مع من استحضر الاعتبار الذي روعي في التقنين الأخير لزراعة القنب الهندي ببلادنا، في حدود معينة وبرخص استثنائية، للاستعمال الطبي والصيدلي. ومن شأنه أن يثير الجواب عليه عند الاستدلال بالآية القرآنية عن الخمر والميسر " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" ( سورة البقرة، الاية 219)، فمع إقرار منافع الخمر إلا أنه في الآية الأخيرة ورد التحريم الحاسم للخمر، ضمن ما حرم، بعد أن رأى المسلمون مآل تناولها في حياتهم الخاصة وعلاقاتهم الاجتماعية. " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون." ( سورة المائدة، الآية 90 ). وفي هذا مستند قوي لمراعاة المآلات وسد الذرائع عند الدراسة الفقهية والمقاربة القانونية والاجتماعية للمسالة في تشريعنا الوطني.
وقد ألف الدكتور سعد الدين العثماني كتابا عن مفهوم المآلات مفهومه وقواعده ( ط1، دار الكلمة، القاهرة، 2015 )، ويعد المالكية أوسع المذاهب في اعتباره ومراعاته. وهو الذي تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة في الوقت الذي صدر فيه النص القانوني المتعلق بتقنين القنب الهندي الصادر في الجريدة الرسمية رقم 7006، بتاريخ 3 ذي الحجة 1442، 14 يوليوز2021 ص 5629-5639.
وقد ذكر في كتابه فقه المآلات 12 قاعدة في علاقة المآلات بالمصلحة، ويبدو لي منها أن القاعدة التي عطلت مراعاتها في التقنين هي القاعدة الثانية التي نقلها عن القرافي في الفروق، وعبر عنها بقوله: "تفويت تحصيل مصلحة درءا لمفسدة أرجح" ( المرجع المذكور، ص 56)، مما يؤكد أزمة الاجتهاد السياسي المعاصر في المعادلة غير المتكافئة بين صعوبات التنظير والتأصيل وإكراهات التنزيل والتفعيل.
وقد يقال إن أهل العلم والشأن والاختصاص قد يختلفون في تقدير المصلحة والمفسدة والترجيح بينهما، وهي كلمة حق قررها عباقرة القانون الإسلامي مثل ابن القيم، بل عبر عن التمرس بها بحلو المذاق.
ومعنى هذا أن التقنين المذكور كان ينبغي أن يستند إلى فتوى من الهيئة العلمية المختصة بإصدار الفتوى في الشؤون العامة بعد التكييف الضروري من أهل الاختصاص في المقاربات المتعددة للظاهرة من طبية وصيدلية ونفسية واجتماعية واقتصادية وجنائية وقضائية وسياقات تاريخية ودولية معاصرة، قبل ترجيح أهل النظر والاجتهاد لإحدى الكفتين من الإباحة جلبا لمصلحة أو التحريم درءا لمفسدة أعظم، ويحول الأمر بعد ذلك إلى أهل الصياغة التشريعية قبل عرضه وتداوله على هياكل السلطة التشريعية. وفي حدود علمي المتواضع – أي العرض على السلطة العلمية المختصة – لعل ذلك لم يتم، وإذا صح هذا فسيكون انزياحا تدريجيا يضاف إلى الصعوبات الناشئة عن معادلة التوفيق بين المرجعية الدينية والمرجعية الحداثية لتشريعنا الوطني.
وكان هذا الاستدراك إرواء لشغف التساؤل وتنشيطا للجدل الفقهي الذي يمكن أن يثار بالنسبة لعبارة ابن عاشور في الفتوى ( قصد التخدير ).
وقد عاد في كتابه مقاصد الشريعة إلى الموضوع في سياق حديثه عن كلية حفظ العقل قائلا:
" فدخول الخلل على عقل الفرد مفض إلى فساد جزئي، ودخوله على عقول الجماعات وعموم الأمة أعظم. ولذلك يجب منع الشخص من السكر، ومنع الأمة من تفشي السكر بين أفرادها. وكذلك تفشي المفسدات مثل الحشيشة والأفيون والمورفين والكوكايين والهروين ونحوها، مما كثر تناوله في القرن الرابع عشر الهجري."( مقاصد الشريعة الاسلامية، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف، قطر، 2004،ج3، ص 238.
3-الفتوى الثالثة للشيخ ابراهيم النيفر المفتي المالكي بتونس (ت 1967:
نشرت فتاواه بالمجلة الزيتونية وجرائد الزهرة والصباح والاستقلال والأسبوع. وفي هذه الأخيرة نشرت له الفتوى المتعلقة بالحشيش سنة 1369ه. وهي جواب عل سؤال وجهه طالب الفتوى إلى جريدة الأسبوع، وأحالته الجريدة على شيخي الإسلام- المالكي والحنفي- قائلة: " تتقدم الأسبوع مع التجلة والاحترام للمرة الثالثة إلى شيخي الإسلام والعلماء الأعلام مصابيح الظلام وقدوة الأنام راجية منهم أن يبينوا حكم الدين الإسلامي الحنيف في المخدرات والكيف، بعد أن راجت سوقها في البلاد، وعم من جرائها الفساد. وجاء في صحف يوم الثلاثاء نبأ أسيف يعلن عن وفاة أحد سكان منزل أبي زلفة من تناول "التكروري" و"الكيف". ما حكم الدين حفظكم الله ؟ وهل إن بيع الحشيش "التكروري" مباح في بلد إسلامي مليكه المفدى يغار على الدين ويذود عن مصالح المسلمين؟
وجاء في جواب الشيخ النيفر: " وبعد، فإن حكم الله في الحشيشة الحرمة، وذلك لأنها مفسدة للعقل تحدث استرخاء في الأطراف، وتخديرا لها، وتسيرها إلى وهن وانكسار.
وحفظ العقل من الكليات الخمس المجمع على وجوب احترامها وحفظها عند جميع أهل الملل. غير أنها لما لم تكن من المسكرات، فلا يقع الحد الشرعي على شاربها، وإنما فيه التعزير، وليس في التعزير شيء معين، بل يرجع لاجتهاد الإمام."
وذكر ما سبق أن ورد في فتوى العلامة المرابط الترغي من ظهور هذه الحشيشة الخبيثة في أواخر المائة السادسة، وانتشارها قي دولة التتار، وما ذكره العلقمي في شرح الجامع الصغير بشأن جواب العراقي عن سؤال دليل التحريم ، وهو الحديث سابق الإشارة في جواب الترغي. رحم الله الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.