تعلمت من شيخنا العياشي أفيلال -رحمه الله- علو الهمة والتعالي عن سفاسف الأمور، فلم يكن ينشط إلا للمعالي، قولا، وعملا، وإذا ذكرت السفاسف قال قولته الشهيرة "ماعندنا غرض فيها" وينهي الخوض في أمور لا تستحق الاهتمام، يورث في جلاسه الاشتغال بما ينفع الخلق ويكف الأذى عنهم، ما رأيته يوما ساعيا في مظلمة، ولا محبذا لها؛ بل حريصا على نفع الناس بما يملك من جاه، وما أوتي من قبول، لم يمنعه تواتر أشغاله عن الوفاء بمواعيده التي كان يستهلها بدروس الفجر التي عرفها الركع بمسجد عمر بن الخطاب، ثم يظل خلال يومه كالنحلة لا يهدأ وحيثما وقع نفع، وكان حريصا على القيلولة لما يجد فيها من همة وتجديد نشاط لأعمال المساء، فلم يكن يحرص عليها لراحة نفسه بل لنفع غيره، يضرب في الأرض الساعات لموعظة تعد بالدقائق، وإذا قيل له في ذلك أردف بالقول "نحن نزرع ولا ندري متى ولا كيف يأتي النفع" صرف وقته وهمه لله. مذ عرفته في طفولتي عام 1998م وهو داع إلى ربه بقوله وسمته، مسارعا إلى الخيرات داعيا إلى المكرمات، طوى مراحل الشباب وبلغ ثنية الوداع وهو على ذلك، يبني ولا يهدم، يشجع ولا يثبط، قصير الخطى كثير الخطوات، يبعث في النفس أملا بعد يأس وقنوط، شاخ في سنه وما شاخ في همته، بل أوتي همة يتصاغر دونها من "بلغ أشده وبلغ أربعين سنة" ناهز العمرين وهو يحمل هموما في ثقلها كالجبال الرواسي، اشتعل رأسه شيبا وهو مقمر شبابا، سخر الله له جنودا من خلقه، وما طرق بابا إلا وفتح له، يعينونه على صنائع المعروف، وطراز محاسنه في المجالس على ذلك شاهدة. وإني حريص على إذاعة أخباره في العالمين؛ لعلها تثمر خلفا من أولي القوة والبأس طالما تمناهم في حياته…